رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

ماجد كامل يكتب: فيليني.. ساحر الشاشه الفضية الأعظم 

بقلم: ماجد كامل 

(صوفيا لورين، مارشيلو ماستروياني، أنيتا أكبرج، أنتوني كوين، كلودياكاردينالى) وغيرهم من أساطير السينما العالميه دوت نجوميتهم عبر الآفاق وحفروا أسمائهم بحروف من ذهب فى ذاكرة السينما العالميه عندما ارتبطت أعمالهم بعراب السينما الجديده وأيقونتها.. أسطورة الاخراج السينمائي وأحد سادته العظام على مدى تاريخه (فيدريكو فيليني).

فيليني .. شجرة إبداع فيليني امتدت على مدى نصف قرن

يقول فيليني: (الذهاب إلى السينما هو أشبه بالعودة إلى الرحم، فأنت تجلس هناك ساكنا متأملاً في الظلام تنتظر الحياة لتظهر على الشاشة)، هكذا كان (فيليني) يرى تجربة المشاهده السينمائية.. ذلك فى الوقت الذي كان يرفض فيه توضيح أيه تفسيرات لمشاهد أفلامه المحتشدة بالرموز القويه تاركا للمشاهد حرية تفسيرها.

فى واقع الأمر كان (فيليني) يخلق وعيا جديدا للمشاهد عبر تشريحه الدقيق والمركب لشخوص أبطاله وغوصه فى مشكلات العالم وربطها ببراعة باهرة بمشكلات الإنسان المعاصر.

وقد حصد (فيليني) ساحر الشاشه الفضية – والذي اتفق النقاد على كونه أعظم مخرج فى تاريخ السينما العالميه على الإطلاق – خمسة جوائز أوسكار وسعفة مهرجان كان الذهبية وجائزة أحسن فيلم بمهرجان البندقية السينمائي.

فيلينى ..الذي يحتفل العالم هذا العام بمرور 30 عاما على رحيله خلف ميراثا من الأفلام الرائعة يبلغ 25 فيلما لايزال النقاد وكبار كتاب السينما يكتشفون تفسيرات جديده لكل منها ويخضعونها للتحليل العميق حتى اللحظة.. وتعد أفلامه مراجع رئيسية لكل دارسى فن السينما فى أكاديميات ومعاهد السينما فى العالم فلدينا (الحياة اللذيذة) صاحب السعفة الذهبية وتحفته الخالدة (الطريق) صاحب أول أوسكار حصل عليه فيليني، (استرادا) الذي أسماه النقاد بقصيده السينما، (8 ونصف) السيمفونية السينمائية.. هذه بعض من قطوف شجرة إبداع فيليني التى امتدت على مدى نصف قرن.

الطريق

الطريق

ويمثل فيلم (الطريق La strada) والذي حصد جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي محطة مهمه فى مسيرة (فيليني )الفنية، فقد أخرجه عام 1954 ولعب بطولته عملاق هوليوود (أنتوني كوين) والنجمة الإيطالية – وزوجة فيليني فى الواقع – جوليتا ماسينا، وتدور أحداثه حول الغجري (زامبانو) الرجل الفظ الذي يتسم بالقسوة والشراسة، ويعمل كعارض متجول يعرض عروضه البدائيه فى القرى الغارقة فى الفقر.. حيث يؤدي بعض الفقرات ككسر القيود الحديديه بعد تقييد جمهور الشارع له بهذه القيود، يتسم هذا الشخص بالشراسة ويصطحب معه فتاة طيبه بسيطه التفكير لتعزف للجمهور أثناء عروضه وجولاته، لكنه يعاملها بوحشية حتى تلتقى بشخص وسيم يعمل مهرجا لكنه يعاملها برقة بالغه فتهيم به حبا لكن (زامبانو) الشرس يقتله فتصاب الفتاة بالجنون وتهيم على وجهها هاربة من (زامبانو) الذي يبحث عنها طويلا ليفاجأ بأنها ماتت ليصاب بهيستريا الندم الممتزجة بشعوره الشديد بالوحدة باكيا إياها بكاء حارقا.

عبر هذه القصه يسبح بنا (فيليني) والذي كتب سيناريو الفيلم فى عالمه الساحر بمشاهده وكادراته المذهلة ولغته السينمائية الرفيعة، وقد تعرض (فيليني) خلاله لوعكات صحيه حيث بذل جهدا كبيرا فى تدبير تمويل الفيلم، إضافة إلى إجهاده الشديد هو وطاقم العمل فى تنفيذ مشاهده بالدقه التى يراها ساحرة على الشاشة، حيث كان يصطحب طاقم العمل فى بعضها ليبدا التصوير مع غبشة الفجر وظهور أول أضوائه فى مواقع قروية إيطالية نائية لكنها ساحرة فى جمال طبيعتها.

8 ونصف

8 ونصف 

أما فيلمه الأشهر (8 Eight and half) الذي أخرجه عام 1963 فقد أحدث زلزالا بكل معنى الكلمة فى عالم الفن السينمائي، حيث يعد بمثابة لوحة سينمائية سيريالية لعب بطولته (مارشيلو ماستروياني، وكلوديا كاردينالى) وفاز بجائزة أوسكار أحسن فيلم أجنبي .

نحن فى هذا العمل أمام تجربة فريدة من نوعها فلدينا أكثر من مستوى للأحداث، فهناك الخط الرئيسي الفيلم وهناك شطحات وأوهام البطل وخيالاته التى تختلط بالواقع، موظفا الموسيقى بشكل مذهل لإحداث النقلات الفنيه بين هذه العوالم مثل اجتراره لذكرياته، فمنذ لحظه بداية الفيلم يضعنا (فيليني) فى قلب عالمه الخاص مباشرة، معلنا للمشاهد أنه بصدد مشاهده سينمائية مختلفه.

ينقلنا (فيليني) إلى بؤرة معاناة البطل مباشرة عبر مشهد (كابوسى) بامتياز تعلق فيه سيارة ماسترويانى – البطل – وسط ازدحام رهيب للسيارات يختنق خلالها داخل سيارته محاولا الخروج دون جدوى من سيارته.. ثم نقلة مفاجئة للمشهد التالى محلقا فى السماء مثل الطير.. فنقلة أخرى إلى مشهد له فى الصحراء ثم في البحر معلقا عبر حبل طويل.

كلها مشاهد تدلنا على معاناة شديده فى لاوعى البطل الذي هو هنا كاتب ومخرج شهير بدأ يفقد شغفه ويحثه المحيطون على استكمال عمله حتى تسير دورة أرباحهم التى مصدرها أعماله .

الحياة اللذيذة

الحياة اللذيذه 

ويظل فيلم (لادولشى فيتا La Dolce Vita – أو الحياه اللذيذة) الذي خرج للوجود فى العام 1960 بمثابة أيقونة اعمال فيليني، فهو يعد تحفته الخالده – بكل معنى الكلمة – حيث كان إيذانا بانطلاق موجة إبداعيه هادرة تطلق العنان للبوهيميه وكل ألوان التحرر الإبداعية فى فن السينما وكسر القوالب الثابته فى السرد السينمائى وعناصر صناعة الفيلم السينمائي نفسها، ويدور الفيلم حول محرر صحفى يعمل بالصحف الصفراء ويحلم بأن يكون كاتبا حقيقيا ذي شأن وعبر حكايات عديدة، يشرح الفيلم حياة النخبة في مجتمع روما آنذاك بما تتضمنه من ترف بذخ ومجون.

ولايزال المشهد الخالد لنجمة السينما العالميه (أنيتا اكبرج) وهى تقفز بفستان سهرتها الأسود الفاخر وكامل مجوهراتها المتلألأة فى مياه نافورة (تريفى) الساحرة فى روما ليقفز حبيبها (ماستروياني) وراءها فى المياه – وكان التصوير فى شهر يناير والبرد قارسا – أحد أهم علامات السينما العالمية على مدى تاريخها، حيث حشد فيه (فيليني) كل أسلحته الإبداعية المذهلة ليصير المشهد رمزا للرومانسيه والتحدي من أجل يحيا الإنسان اللحظة التى يحبها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.