رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

سر غضب وحزن أحمد زكي من أسرة عبدالحليم حافظ!

كتب : أحمد السماحي

تمر اليوم الذكرى الثامنة عشر لرحيل صاحب الموهبة المتفردة أحمد زكي الذي وصفه الأديب خيري شلبي بأنه : (خامة نادرة، نوع من الأحجار الكريمة كالياقوت، والعقيق، واللؤلؤ، والمرجان، والزمرد، موهبة التمثيل عنده كانت مفطورة إلى حد الوعي بذاتها حتى من قبل الدراسة في معهد للتمثيل، وكانت إلى ذلك منفصلة عن شخصه، فأنت لو رأيته لأول وهلة فيخيل إليك أنه لاعلاقة له بالفن من قريب أو بعيد، ولعله كان يجد لذة في أن ينفي عن نفسه لقب الممثل، في أن يكون منتميا لأهل الفن،  وحتى إذا سمعته يتكلم عن الفن تفاجأ بأن حديثه لا يكاد يتميز عن حدث أي من عامة الناس بل ربما كان أي واحد من عامة الناس يجيد التحدث عن الفن أفضل منه، وأكثر إلماما بشئونه وقضاياه وأخباره، وإن طال حديثك معه فلن تظفر منه بأية بادرة تشير إلى أنه قد درس التمثيل في معهد أو ذاكر دروسا أو خاض امتحانا أو قرأ كتابا في تاريخ أو نقد الفن).

أردت تخليد هذا الفنان الكبير الذي جعل الأغنية العربية حضارة كاملة

عام 1997 تسبب الفنان محمد شبانه ابن شقيق العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ في غضب وحزن الفنان أحمد زكي عندما صرح في مجلة (فن) اللبنانية: (بأن غرض النجم الأسمر من تجسيد حياة عمه هو الإثراء الكبير والسريع)، يومها طلب أحمد زكي الرد وجاء رده يحمل مرارة كبيرة وغصة في القلب، وعتابا مليئا بالمحبة لورثة العندليب، وعرضا قد يغريهم، وهو استعداده الكامل للعب دور كومبارس في فيلم عن عبدالحليم حافظ شرط أن يكون الفيلم بحجم صاحبه، والعصر الذي عاش فيه.

ومن ضمن ما قال في رسالته: انتابني ألم كبير وغضب أكبر لأن هدفي لم يكن أبدا الثراء من وراء عبدالحليم، إنما تخليد هذا الفنان الكبير الذي جعل الأغنية العربية حضارة كاملة، وأعطاها روحه حتى النفس الأخير.

لم أقدم على خطوة الإنتاج إلا لأجل خاطر عبدالحليم حافظ

ورغم تكويني لشركة إنتاج منذ سنوات إلا أنني لم أقدم على خطوة الإنتاج إلا لأجل خاطر عبدالحليم حافظ، لقد دخلت تجربة الإنتاج لسبب واحد هو أن يأتي الفيلم مضيئا ولامعا كما عبدالحليم وعصره، فالمنتج العادي يقول لك وهو في قمة غضبه: (كفاية كويس كده بقى اقلب هات المشهد الآخر، عاوزين نخلص) وحتى أتلافى هذه الحواجز أقدمت على عملية الإنتاج وأنا سعيد، رغم أنني وفي السابق حين كنت أسأل لماذا لا تنتج؟ كنت أرد حتى لا أعذب نفسي بفلوسي!.

وقد صادفتني عقبات كثيرة أهمها تخوفاتي ممن عاصروا عبدالحليم وعايشوه واقتربوا منه، والسبب أن عبدالحليم لا يزال يملأ وجدان الملايين وأحاسيسهم ومشاعرهم، وأغانيه تحقق أعلى المبيعات وأفلامه لا تزال تعرض بدور الصالات السينمائية وقنوات التليفزيون المختلفة، إذا عبدالحليم حي أكثر من الأحياء، وهو ليس شخصية سياسية نخرجها من الكتب والدراسات ونذكر الناس بأعمالها، وبما قدمته لمجتمعها، عبدالحليم مطرب ونجم كل بيت، وكل سيارة، وكل عقل وكل قلب.

كان هدفي إبراز جوانب أخرى في حياته وشخصيته

ورغم وجوده الساطع والمسيطر هذا، إلا أنني أردت إبراز جوانب أخرى في حياته وشخصيته، أردت إلقاء الضوء على هذا المبدع فنيا وإنسانيا، وبالتالي الإضاءة على عصره الجميل، فنحن لا نرصد عبدالحليم المطرب النجم لكننا وعبر الفيلم نرصد العصر النجم أيضا، وأنا أعني ما أقوله تماما، عبدالحليم هو أحد رموز هذا العصر، وقد أردت أن أقدمه ليكون قدوة للأجيال الشابة الطالعة التى تنظر للحياة من منظور السهولة والسرعة، أريد أن أقول أن الخلود لا يعني الاستسهال، بل هو التعب والمعاناة والألم والمرض.

صورته الأخيرة مع محمود عبدالعزيز وسمير غانم قبل أن يدخل في دوامة المرض اللعين

النقطة الثانية التى قيلت عن المكاسب الضخمة والأرباح الأضخم التى سوف أجنيها! لصاحب هذا الكلام أقول: لو أنني أردت الكسب فعلا لقبلت ومثلت كل الأفلام التى تعرض على، ولو أنني دخلت الفن لأكسب منه فقط لكنت الآن واقفا على خشبة المسرح بأجر ضخم ونسبة من إيرادات الشباك، وأيضا كنت عملت مسلسلات كثيرة جدا وقبضت وكسبت وتضخمت ثروتي، لكنني الآن على الحميد المجيد بل أنا مديون وثروتي هى فني وجماهيري وحب الملايين.

وكل ما عملته في حياتي مسلسلان فقط هما (الأيام) و(هو وهى)، وفيلمان تلفزيونيان هما (أنا لا أكذب ولكني أتجمل) و(ناصر 56)، ولو أنني أبغى الثروة والمال لكان رصيدي اليوم حوالي 50 مسلسلا، و120 فيلما، لكن رصيدي السينمائي قليل جدا جدا، ولم أشارك في أعمال أنا غير مقتنع بها، إذا حين يأتي هذا الشاب ويقول أنني أنتج فيلم (حليم) كي أكسب من ورائه ماديا فهو مخطئ لأنني لو أردت الكسب فمن باب أولى أن أعمل بالمسلسلات والمسرحيات.

وإذا كانت نقطة المكسب الضخم الذي سوف أجنيه ويدخل جيبي من وراء الفيلم هى التى تؤرق بال الأسرة وتشغل تفكيرهم فإنني على أعلن على الملأ اقتراحا سوف يرضيهم ويسعدهم، وهذا الاقتراح هو استعدادي للتنازل عن كل ما صرفته على السيناريو من جيبي وسوف أظل أنفق عليه حتى يظهر في صورته النهائية، وبعد أن ينال رضاهم وإعجابهم أتنازل عنه بمحض إرادتي واختياري لأسرة الفنان الكبير عبدالحليم حافظ، وإذا كانوا هم يريدون إنتاجه كي يكسبوا من ورائه الملايين التى تحدثوا عنها فأنا متنازل عن السيناريو وعن تعبي ووقتي وجهدي على مدار عام كامل وأنا أقف وراء السيناريو.

أحمد زكي القاهرة في 30 / 12 / 1996

المثير أن فيلم (حليم) كان آخر أفلام أحمد زكي، وخرج للنور عام 2006  وبعد رحيله بعدة شهور.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.