بقلم الكاتبة الخليجية: زينب علي البحراني
يمتاز الموسم الرمضاني بكونه أهم المواسِم لصُنَّاع الدراما والمؤسسات التي يقوم عملها على الاتصال الجماهيري وصناعة الترفيه في العالم العربي، ما يجعل منه الفُرصة السنوية الذهبيَّة التي تطمح كُل جهة من تلك الجهات لاقتناصها ومحاولة الفوز بأفضل مِنصة عرض تقبل حجز مكان لها في هذا السباق السنوي الذي تتصاعد فيه وتيرة المُنافسة بين البرامج والمُسلسلات، لكن العجيب أن المُشاهِد مازالَ يُصادف بعض السلوكيَّات التي لا تليق بمستوى تلك الصناعة ولا بالقيمة العالية لهذا المهرجان التلفازي المُهم!
من أبرز تلك السلوكيَّات المُلاحظة خلال الأعوام الأخيرة نسيان الاستعداد لتلك المهمة طوال عشرة أشهُر، وحين يأتي شهر شعبان يتذكَّرون – فجأةً – أن شهر رمضان قادم!.. عندها يبدأ البحث العشوائي السريع عن أي ممثلين، وأي كاتب، وأي فنيين، وربما أي مُخرِج وأي شركة إنتاج لسَلق بضع حلقات من العمل بسُرعة كي تُقدم للمُشاهِد الذي لم يعُد وعيه اليوم قادرًا على إكمال عمل غير فني بهذا المستوى الهابط، فينصرف إلى غيره مادامت الخيارات الأكثر احترامًا لعقله وسمعه وبصره وذائقته مُتاحة!
العام الماضي صادفتُ إعلانًا عن مُسلسل كوميدي خفيف من بطولة فنانتين يُمكن اعتباري من المُعجبات بهما، بذلتُ ما بوسعي – كأي مُشاهدٍ بريء – للبحث عن قناة وتوقيت عرض المسلسل، وضغطتُ وقتي الرمضاني المزدحم بالمهام والمشاغِل لمُشاهدة الحلقة الأولى من المُسلسل على أمل أن تَهَبني أحداثه دقائق من الترفيه الذي يُنسيني جانبًا من هموم الحياة واعبائها، وإذا بتلك الحلقة تُشكِّل صدمة على أكثر من صعيد أولها (النص) الذي بدا من تفكك الحوار فيه أن كُتابه لا خبرة لهم بالكتابة والتأليف، قدرتهم على التخيُّل ضئيلة، وذخيرتهم اللغوية ضعيفة إلى درجة أن بعض الممثلين الكوميديين القديرين في المسلسل اضطروا للارتجال بوضوح أكثر من مرَّة لتغطية ضعف هذا النص ورتق هذا الفتق! كما أن ضيق الوقت الذي تسبب به التصوير خلال الأيام الأخيرة قبل شهر رمضان ساهم في ضعضعة النص الذي كان يُكتب – على ما يبدو – يومًا بيوم خلال تصوير الحلقات بدل كتابته كاملاً وتقديمه للممثلين بفترة كافية قبل النطق بكلمة “أكشن”!
مُسلسلٌ آخر بطلته نجمة محبوبة لشريحة واسعة من الجمهور، بدأ المسلسل بداية قويَّة تكاد تكون مُكتملة الأركان خلال الحلقتين الأولتين اللتين تم تصويرهما قبل شهر رمضان بفترة، وما أن دخل التصوير شهر رمضان حتى بدأ مستواه ينخفض حلقةً بعد أُخرى إلى أن بلغ ذروة الهبوط خلال الحلقات العشر الأخيرة، بدا واضحًا أن هناك مشاهد نهارية تم تغييرها إلى ليليَّة بسبب ظروف الشهر والصيام، مشاهد أخرى خارجية تم تغييرها إلى داخلية، الممثلون الصائمون بدا عليهم الإرهاق في مشاهد تتطلب القوة والصراع، مشاهد المطاعم والمقاهي النهارية تم تصويرها في مطعم فندق دولي خمس نجوم باعتباره المكان الوحيد الذي يقدم طعامًا داخليًا خلال نهار رمضان للمسافرين، بينما الممثلين الذين تبدو آثار الصيام على وجوههم المرهقة يتبادلون الحوار أمام مائدة لم تُمس في مشهدٍ يثير مشاعر التناقُض!
في النهاية طفا استياء الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي وتسربت أخبار اشتعال خلاف بين كاتب السيناريو والمُخرِج، وهو ما كان من الممكن تفاديه بسهولة لو تم بدء العمل على المسلسل قبل الشهر الكريم ببضعة أشهُر على الأقل!
الموسم الرمضاني فُرصة قد لا تعوَّض للعاملين في هذه الصناعة إلا بعد عامٍ كامل، لذا يستحق بذل أقصى ما بالوُسع لتقديم أفضل ما يُمكن، فالمسلسل الذي ينجح في هذا الموسم قد يعيش طوال العام وتُعاد مُشاهدته مرَّات بعد مرَّات، والمسلسل الذي يسقُط سُرعان ما يموت في مكانه مورثًا خسائر معنوية ومادية هائلة يصعب تعويضها.