رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

أسامة كامل يكتب : عشنا عصر (عبد الحليم) الجميل

بقلم الإعلامي : أسامة كامل

الفنان الكبير و المطرب العظيم و الصوت الذي لا يعوض و نحمد الله علي أننا عشنا في عصره (عبد الحليم حافظ) و أظن أن جيلي كله و أجيال عديدة لم يستسيغ أبدا أحد بعد رحيل (حليم) في ريعان الشباب، و ذلك بعد رحلة مرض و معاناة استمرت كل أعوام حياته الثرية و الجميلة و الغنية بالحب و العطف و الحنية بالمشاعر و أحاسيس بالشوق و اللهفة، و حتي اليوم حينما استمع إلي هذا الصوت الشجي الحزين أتذكر لحظات خالدة و حبيبات و خليلات و عاشقات و جميلات و حتي العاديات كنا كل يوم مع وجوه جديدة و علاقات قصيرة و لحظات نابضة و لم يكن هناك أهداف و لا مشروعات و لا ارتباطات و لكنها كانت مجرد لحظات و كان هذا هو الاتفاق الغير معلن.

كان صوت (حليم) و أغانيه تقدم لنا حالة من حالات الوهج و الاشتعال العاطفي.

كانت الفلوس قليلة و لكن لحظات السعادة لم تكن تقاس بالمال أبدا.

كانت المقاييس مختلفة و الموازين خالية من الحسابات المعقدة.

حلمنا معه حبا وعشقا وهياما

كانت مصر جميلة فعلا رغم كل الحروب و الهزائم و الخسائر و حتي بعد النصر و العبور كان الناس متشابهين و قريبين و بسطاء و الدنيا لم تكن بهذا التعقيد و القسوة.

كان حليم شابا فقيرا معدما مشردا تربية ملاجئ و لكن كان لديه أمل و حلم و تصميم و بقية القصة المعروفة، و لكنه ذكيا موهوبا لم يكن مثقفا بدرجة كبيرة، وكان نبيها و عارفا بأحوال المجتمع الذي يعيش فيه و يستخدم أدواته

و حينما قابل عبد الوهاب العملاق موسيقار الأجيال طبعا رفض أن يأخذ حسنة أو مساعدة، و من ثم أصبح شريكه في أكبر شركات الإنتاج الفني (صوت الفن) بعد ذلك بسنوات و رغم أن الساحة كان تموج بأساطين الطرب و الغناء إلا أن (حليم) سلك طريقا آخر و قدم فنا جديدا جميلا مع الموجي والطويل و منير مراد و غيرهم، و قدم كلاما مختلفا مع (مرسي جميل عزيز و مأمون الشناوي و محمد حمزة و صلاح جاهين ثم الأبنودي) و غيرهم.. كان حليم مختلفا لم يقلد أحد أبدا و حتي لما غنى لعبد الوهاب خرج من العباءة الوهابية ليكون هو نفسه.

كان عبد الحليم يصرف على فنه و يعرف قيمته و قدم الفرقة الماسية بقيادة أحمد فؤاد حسن و أحمد الحفناوي و أحمد عفت و أضاف أجهزة و آلات جديدة مع (عمر خورشيد و مجدي الحسيني و هاني مهنا) لم تكن مستخدمة من قبل، و استعان بتوزيع أندريا رايدر ثم علي إسماعيل.

كان حليم يبحث عن الكلمة و اللحن و قدم روائع المبدع (كامل الشناوي) ثم اكتشف حداثة (نزار قباني) وهذا بالتوازن مع مرحلة (بليغ حمدى و محمد حمزة) ثم (الأبنودي).

كان حليم يؤدي البروفات لأشهر و أيام طويلة حتي يخرج العمل جاهزا ومطبوخا و في كل الأوقات يستخدم الإعلام المحدود لصالح الأغنية و لا يمانع من نشر أخبار عن صحته ووعكاته الصحية و حياته الشخصية وحبيباته و هى أخبار مثيرة و تشد أذهان القراء و المعجبين و خاصة الشباب و الفتيات، و كان حليم يستخدم السينما لصالح فنه و أغنياته و رغم اشتراكه الضعيف في الأفلام الذي لا يزيد عن عشرة أفلام إلا أنها كانت محطات هامة بل بالغة الأهمية، و أجمع كل السينمائيين أن حليم كان ممثلا قويا جدا و مؤثرا يختار قصصه بعناية بالغة، وذلك من خلال قصص كبار الكتاب وأبرز المخرجين و الوجوه السينمائية الجديدة الجميلة، و يقف ندا بند أمام فاتن حمامة (سيدة الشاشة) و شادية (دلوعة الشاشة) و (لبني عبد العزيز وزبيدة ثروت و نادية لطفي و حتى ميرفت أمين (أوديت السينما المصرية) و كبار المخرجين و الفنانين و الفنيين.. باختصار: إن حليم قصة مصرية لا تتكرر.

رغم ألمه ومعاناته كانت الابتسامة لا تفارقه

كان أصدقاء حليم و خلانه كبار الصحفيين و الكتاب و بعض السياسين وكانت سهرات حليم مع (كامل الشناوي و إحسان عبد القدوس و علي أمين و مصطفي أمين و أنيس منصور و حتي محمود عوض و منير عامر ومفيد فوزي)، وذلك من خلال حدث مهم كل ليلة في القاهرة و بيوتات و فنادق و صالونات تضم الجميلات و المغرمات و العاشقات.

و كان حبه الوحيد سرا لا يعرفه أحد و إن تصدرت سعاد حسنى الصورة لأسباب إعلامية و كانت كل بطلات حليم شائعات كل المواسم حتي أن الفنانة زبيدة ثروت طلبت أن تدفن مع عبد الحليم في أيامها الأخيرة.

و كانت القاعدة أن عبد الحليم حافظ يحارب النجوم و الفنانين و كل المطربين رغم ضعفه و مرضه و لكن بعد رحيل حليم في عام 78 و حتي اليوم لم يعوضه أحدا علي الإطلاق، و ربما يظهر بعض المطربين في الحفلات أمثال (هاني شاكر و محمد ثروت و علي الحجار و مدحت صالح) و غيرهم ليقدموا بعضا من أغانيهم التي لا تساوي حرف واحد من أغاني حليم الخالدة ثم يستكملوا الحفلات بأغاني حليم.

اما الأستاذين (عمرو و تامر) و غيرهم فلا أحد سوف يتذكرهم أو يذكر أغانيهم الضعيفة الركيكة ذات النغمة و الطبلة و التصفيق من بعض التافهين أمثالهم.

غزا مشاعرنا وأحاسيسنا بأدائه الرومانسي العذب

و لقد قلت إن المجتمع الذي يسمح بالتكتك و الميكروباص و العشوائيات سوف يسمح بظهور (حمو و بيكا و شاكوش) و غيرهم.

إن القضية يا سادة ليست في طرب ردئ أو مطربين مسجلين أو مطربات جهلة أغبياء زي الست (شيرين) الذي كلما تحدثت أخطأت واعتذرت وأخطأت أو الست أنغام التي تتزوج كلما أتيحت لها الفرصة، و لا حتى آمال ماهر التي استقرت على الشيخ المخبول وتشاحنت معه من بعد.

أنها قضية مجتمع في حاجة إلي علاج عاجل من هذه التشوهات في غياب التعليم الحقيقي و الثقافة و الآداب و الصحافة و الإعلام رغم كل الوسائل المتاحة و بقوة و زيادة عن اللازم.

ربما يأتي يوما آخر و نرى أم كلثوم و عبد الوهاب و (حليم) الذي افتقده بشدة.

لقد عشنا في عصر عبد الحليم و لا حول ولا قوة إلا بالله.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.