رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمد شمروخ يكتب : كرة القدم .. أفيون الشعوب الجديد !

مصر والسنغال .. منافسة للوصول لكأس العالم

بقلم : محمد شمروخ

هل علمت كرة القدم الشعوب فن تبرير الصفاقة؟!

هذا سؤال لن تصلح له إجابة إلا بأن كرة القدم قد صارت (أفيون الشعوب) حسب التعبير الذي أطلقه (كارل ماركس) عن العقائد التى يصوغها سادة المجتمعات البشرية لخداع الشعوب وإقناعهم بأن الخنوع في الدنيا هو سبيل الخلود في الآخرة!

نعم  أفيون الشعوب الذي صار وجبتها اليومية حتى قدمته على غذائها وتعليمها  وتراثها بل وسمعتها، فلست من أولئك الذين يرون في مصطلح (الشعوب) كيانا مقدسا لا يجرؤ أحد على الاقتراب منه، فما الشعوب إلا مجموعات من الأفراد وما يسري على الأفراد يسري على الشعوب من صفات الخير والشر والحسن والسيء.

بالضبط أقصد ما وقع عقب مباراة كرة القدم بين مصر والسنغال في نهائيات كأس العالم وشاهدناه على الشاشة.

فما حدث كان بمثابة تأثير لجلسة من جلسات التعاطى الجماعى لأفيون الشعوب الجديد، ولم يكن الجمهور السنغالى متفردا بهذه السلوكيات المنحطة تجاه فريق يلعب على أرضه، فقد رسخت الأجواء التى تحيط بطرق تشجيع كرة القدم لهذه السلوكيات حتى تساوى جمعهور أكثر الدول تقدما مع أكثرها تخلفا.

ولكن من الظلم أن نختص جماهير السنغال وحدها بذلك السلوك المعوج، ففيما يبدو أن ظاهرة البلطجة في التشجيع والصفاقة فى التهديد، صارت أعراضا ملازمة لكرة القدم، خاصة أنها أكبر الألعاب الرياضية جماهرية ويصعب السيطرة على الجماهير الغفيرة، خاصة أن العقل الجمعي الذي يتحكم في الأعداد الكبيرة، يبدو كعقل طفل يتيسر التحكم فيه وتوجيهه.

ولا يمكن أن ننسى تلك الفتنة التى وقعت بين جماهير مصر والجزائر في مباريات التأهل لمونديال 2010 والتى ركبت حصانها بعض أجهزة الإعلام العالمية والمحلية وكادت تحدث مجازر في المباراه الفاصلة بين المنتخبين بالعاصمة السودانية الخرطوم في نوفمبر 2009، حيث تم نقل المباراة لتكون على أرض محايدة وكادت تحدث كارثة نتيجة تعاطى الأمل في الصعود فصار أفيون كرة القدم هو المسيطر على كل العقول!.

أيامئذ عاشت الجماهير.. قاربت أجواء الحروب وسط تصعيد عمدى من جهات إعلامية ورياضية وسياسية في البلدين وكأنهما كانا يسعيان للصدام!

هل يمكن أن يوصف هذا الأمر بمباراة في الحماقة واللا مسئولية؟!

لكنها نتيجة حتمية للإدمان، والإدمان المعنوى قد يجاوز الإدمان المادى والتاريخ لا يفتأ يقدم أمثلة لا حصر لها في كل المجالات.

وسوف أورد لك بعض أمثلة على تلك الحماقات الشعبية بسبب صنم كرة القدم:

جماهير السنغال .. عنف وغوائية

فمن أكثر الكوارث عددًا لضحاياها، حيث وصل عدد من لقوا حتفهم 328 قتيلا، فى المباراة التى أقيمت بين منتخبي بيرو والأرجنتين في 24 من مايو 1964، بالتصفيات النهائية المؤهلة لكاس العالم وقتها، حيث وقعت الكارثة فى ملعب بمدينة ليما عاصمة بيرو، قبل 6 دقائق فقط من نهاية المباراة، عندما رفض حكم اللقاء احتساب هدف تعادل لمنتخب بيرو الدولة المضيفة، فثارت الجماهير البيروفية واقتحمت الملعب وحطمت المدرجات، فما كان من رجال الأمن إلا أن تصدوا للجماهير الغاضبة، باستخدام الرصاص والغاز المسيل للدموع، ما أدى لوقوع هذه الكارثة!.

ومثل آخر شهده ملعب بروكسل في المباراة النهائية من دوري أبطال أوروبا في 29 مايو سنة 1985 بين فريقي (يوفنتوس الإيطالي) و(ليفربول الإنجليزي) فقد أسفرت الاشتباكات الدموية بين جماهير الفريقين في المدرجات، عن سقوط أحد جدران الملعب مما أسفر عن مصرع 39 شخصًا، أغلبها من جماهير نادي يوفنتوس الذي حقق الفوز في نهاية تلك المباراة وحاز اللقب!.

وفى 15 من أبريل 1989، وبملعب هيلزبرة بمدينة شيفلد الإنجليزية، بمباراة نصف نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي بين فريقي ليفربول ونوتنجهام فورست، نتج عن خطأ تنظيمي من رجال الأمن ومنظمي الملعب الذين أغلقوا البوابة الرئيسية للاستاد مما تسبب في تدافع الجماهير مما أدى الى واحدة من أكبر الكوارث الملاعب الإنجليزية، حيث وصل عدد الضحايا إلى 96 قتيلًا وأكثر من 766 مصابًا!.

وهذه مجرد أمثلة وغيض من فيض ولست بحاجة لمداعبة أحزانك بما وقع عندنا في مصر بما يثقل على القلب سرده، فأنت تعرف دون حاجة لتذكيرك!.

إنها ظاهرة عالمية ساهمت فيها أقلام فئات معينة (مسخرة) من النقاد الرياضيين والإعلاميين المغرضين المدفوعين بالجهل والحماقة.. ولا أستبعد المؤامرة، فهناك أطراف لها مصالح كبيرة في الإيقاع بين الشعوب وإلهائها بالتعصب المقيت لتفريق طاقاتها بعيدا عن أهداف ما يتم التخطيط له على مستويات محلية أو عالمية!.

وربما تبدو أمثلة الحوادث السابقة مجرد (لعب عيال) بالنسبة لما حدث بين سلفادور وهندوراس في أمريكا الوسطى في صيف 1969، حيث قامت حرب حقيقية بالقوات البرية والجوية في جيشي الدولتين، عرفت بحرب كرة القدم أو حرب الـ (100 ساعة) والتى أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 3 آلاف شخص وإصابة حوالى 17 ألف شخص وخسائر مادية فادحة تعد بالمليارات!، وكان السبب مباراة بين منتخبي البلدين للتأهل لكأس العالم سنة 1970

كل هذا وكرة القدم مازالت تسيطر على عقول المليارات من سكان العالم، فهل هذه هى روح الرياضة التى ينبغى أن تقرب بين الشعوب؟!

لقد كنا نمارس التشجيع أو حتى التعصب الكروى كنوع من الفكاهة الملازمة للتنافس والذي لابد أن تنعكس عليه روح الرياضي، لكن شيئا ما قد يبدو أنه تم تطعيم اللعبة به، حتى صارت (عبادة) تنافس عبادات الأديان، لها كهنتها ومعابدها وعبيدها وصناديق نذورها وجيوشها وجماعاتها المتطرفة وفصائلها الإرهابية!

فمن أين أتت هذه الحماقة؟!

نرى مدربين ولاعبين ونقاد وإعلاميين يستدعون الجماهير علنا ويهددون بقوتها الهادرة التى لا يقوم لها شيء، ثم تقع الكوارث و………….. ماذا؟!

لا شيء.. تستمر إقامة الطقوس المتهوسة بعد تعاطى الأفيون الكروى وحوله تعقد صفقات بعشرات ومئات الملايين من الدولارات حتى صار سعر اللاعب أغلى من سعر الطائرة والمصنع والمزرعة!

لماذا؟!

……………. لا أحد سيجيبك!

كيف يمكن لأنظمة الدول أن تترك شعوبها ترتكب حماقات يمكن أن تأتى بنتائج فادحة أقلها خسارة صداقات وعلاقات تاريخية ومصالح سياسية واقتصادية، لكن صنم كرة القدم مازال متصدرا أكبر الهياكل لا يقترب منه أحد إلا بعد أن يتعاطى جرعة عالية من هذا الأفيون!

أعرف شخصيات ذات عقول جبارة تقف حائرة أمام هذه الظواهر رغم خبراتهم وحكمتهم، وأحيانا أرى رجالا ممعنين في الوقار لكنهم للأسف يتخلون عن وقارهم بسبب طغيان هذا الصنم مع تعاطى جرعات عالية التركيز من أفيونه الخاص!

أفيون أدى إلى توهم الطغيان.. طغيان يحول الجماهير إلى أدوات لإرهاب حقيقي وتراهم مستعدين لارتكاب أى جريمة في حق مشجعى الفريق المنافس، وأحيانا في حق أنفسهم ولا همهم سمعة استقرار بلدانهم وعلاقاتها بالدول الأخرى!

طغيان جعل كلمة رياضة قاصرة على كرة القدم وحدها حتى صارت أى ألعاب أخرى رياضة من الدرجة الثانية وتلهث لكى تبرز على الساحات الإعلامية والرياضية مكتفية بدورها الضئيل!

طغيان يرفع من شأن التافهين والحمقى والبلطجية، فيجعل منهم رموزا رياضية واجتماعية وأحيانا سياسية!

طغيان يصيب العقلاء بالخرس أمام تفشي البلطجة والبذاءة والجهل السطحية وفرضها على الوسط الرياضي والإعلامي والسياسي!

طغيان يجعل الدول تغمض عينها عن حماقات تصدر عن شعوبها وأجهزتها الإعلامية، حتى لو كان ضد مصالحها القريبة والبعيدة ويعرض أمنها واستقرارها للخطر!

اتسمت المباراة بالندية من كلا الطرفين
محمد صلاح وساديو ماني

وماذا عن مباراة مصر والسنغال؟!

الله وحده هو الذي كتب النجاة.

أولا للفريق المصري وجمهوره الذي صاحبه.

وثانيا لدولة السنغال التى كان يمكن أن توصم بوصمة عار تلحق بها لو انفلت زمام جماهيرها المتربصة.

ماذا نعرف عن السنغال والشعب السنغالى؟!

هههههههههههههه.. يبدو أن كل معلوماتنا أنها بلد اللاعب (ساديو مانى)، كما أن مصر فقط هى بلد (محمد صلاح) والأرجنتين (يلد ميسي).

إنه العار الحقيقي.. أن تنحط مكانة دول لها تاريخها وحضارتها وقيمتها ليصبح غاية رجاء شعوبها مشاركة في بطولة لا ينتظرون ولو أمل بعيد للاقتراب من الفوز بها!

ولكنه الطغيان الذي يضع لنفسه المقاييس، فلا يجسر أحد على مراجعتها لأن المقاييس تم صياغتها تحت تأثير الأفيون الجديد ذى القوة التخديرية الجبارة التى كادت تغيب كل شيء إلا الميزان ذا الكفتين الصغيرتين المائلتين دائما تحت قبضة بائع الأفيون الغامض!.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.