رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

حسين نوح يكتب : الخلاص من شاوشانك Shawshank Redemption

بقلم الفنان التشكيلي الكبير : حسين نوح

لماذا يعتبر هذا الفيلم من أعظم وأهم الأفلام الأمريكية في تاريخ السينما، صدرعام 1994؟

سأحاول أن أستعرض معكم بعض الأسباب التي أرى منها أنه يستحق بل وكلما تراه فأنت أمام فيلم متكامل في معظم عناصره الفنية.

الفيلم من بطولة (تيم روبنز، والعملاق مورجان فريمان) والقصة لـ (ستيفن كنج) والسيناريو والإخراج لـ (فرانك دارابونت)، والموسيقى لـ (توماس نيومان)،  والقصة لنائب مدير بنك يتهم بقتل زوجته وعشيقها ويحكم عليه بالمؤبد لمدتين ويزج به في سجن شاوشانك لعتاة المجرمين.

بطلي الفيلم (فريمان وروبنر)

يستعرض معنا السيناريو حال السجن وكيف يرى الكثير من السجناء أنهم مظاليم ولكنهم تعايشوا وأصبح البحث عن علبة السجاير وإحضارها هو إنجاز كبيرعن طريق (ريد/ مورجان فريمان) مهرب الممنوعات المحكوم عليه بالسجن مدى الحياة، والذي استغل المخرج نبرات صوته التي يتميز بها وجعله يعلق كراويا على الأحداث منذ البدايه.

صادق (ريد) المحاسب (أندي) الذي طلب منه مطرقة صغيرة لتساعده على ممارسةهوايته في صنع قطع الشطرنج بالحجارة، ولم يمر الكثير من الوقت وطلب بوسترللنجمة (ريتاهيوارث) وأعقبها بآخر لـ (مارلين مونرو ثم أخيرا (راكيل ولش) بطلة فيلم (مليون سنه قبل الميلاد).

لفت نظر (ريد) الهدوء الذي تحلي به (أندي) وقدرته على تحمل كل الصعاب في صمت سواء تحرش من بعض المثليين فيقاوم باستماتة أوقدرته علي دخول الحجز الانفرادي والخروج في صمت عجيب.

إحدي المرات يستمع بالصدفه إلى معاناة كبير الحراس وهو شخص شديد العنف من مشاكل في الضرائب فيساعده ويعين أندي في المكتبة الخاصه بالسجن والتي يشرف عليها السجين العجوز (بروكس).

ويبدأ (أندي) إرسال خطابات متتاليه لحكومة الولايه ليحصل على تمو يل ويستجاب أخيرا لطلباته ويحصل على كتب واسطوانات موسيقية ويخرج العجوز (بروكس) بعد خمسين سنه سجن، ولكنه قد اعتاد حياة السجن ولم يتأقلم مع الحياة خارجه فينتحر شنقا ويرسل خطاب لأصدقائه في السجن يخبرهم بمعاناته.

يجلس (أندي) إحدي المرات في المكتب وهو يذيع إحدى الأسطوانات الموسيقية عمل لـ (موتسارت) على مسمع لكل المساجين ويستمع مستمتعا ويحاول كبير الحراس بل ومأمورالسجن (نورتون) أن يوقفاه ولكن عبثأ، ويدخل السجن الانفرادي ويندهش صديقه (ريد) من قدرته على اتخاذ قرارات أحيانا يراها البعض عجيبة.

يدور حوار عبقري بين (أندي) وصديقه (ريد) ويخبره أن الموسيقي كانت بداخله داخل السجن الانفرادي وأنه أراد للمساجين أن يستمعوا للموسيقي ففيها إحساس بالحرية والأمل، وهو القيمه المضافة من الفيلم والتي تعامل معها المخرج بوعي شديدان ما يميز الإنسان هو القدرة على زراعة الأمل بداخله وهو عكس تصرف (بروكس) فحتى حين أصبح خارج السجن فقد فقد الأمل وانتحر فالسجن أصبح داخله، وقد استعرض المخرج تأثير الموسيقي على وجوه المساجين ليؤكد مقولة (أندي) الذي يمثل العقل والأمل والإرادة.

يتواصل مأمور السجن مع (أندي) ليساعده على التهرب من الضرائب وغسيل أمواله، وقد استعان له أندي باسم مستعار تذهب إليه كل الأموال،  يأتي شاب (تومي) بتهمة السرقه ويقترب من أندي وريد، ويساعده أندي على النجاح في اختبارات محو الأمية، ثم GED ويعرف كيف اتهم أندي في مقتل زوجته وعشيقها فيندهش ويخبرها أن سجين كان معه في الزنزانة هو القاتل وهو رجل شبه مجنون، وحكي له مفتخرا أنه القاتل وكيف ضحك بشكل هيستيري وهو يخبرهان الزوجزج به الي السجن.

تيم روبنز .. بطل الفيلم

يقترب الأمل من (أندي) ويخبر المأمور (نورتون) الذي يرفض ويخشي أن يخرج (أندي) ويتركه وقد عرف فساده فيقرر سجنه شهرين انفرادي ويقتل الشاب (تومي) الذي أخبر أندي ببرائته، يخرج أندي من السجن الانفرادي ويخبر ريد أنه يريد بعد خروجه أن يعيش في قرية مكسيكية علي المحيط الهادي ويمتلك فندق صغير، واستهجن ريد الحديث مندهشا وطلب أندي منه أن يعده ويذهب لقرية قرب (باكستون) وبجوار حقل قش وشجرة بلوط يبحث عن لفافة تحت حجر أسود.

اليوم الثاني تفتح الزنازين ويختفي أندي ويجن جنون المأمورويطالب بإيجاد أندي فورآ ويقذف بقطعة حجارة صورة بوستر (راكيل ولش) ويستمع لصوت فراغ بعد أن اخترق الحجر الصورة، وهنا عبقرية المخرج ففي خلفية ذلك المشهد المحوري نجد صورة (آينشتاين) وهو يخرج لسانه مبتسما، وهنا روعة الابداع لتأكيد أن العلم والعقل انتصرا، وقد تم ذلك بشكل شديد الرقي لتأكيد أن السينما صورة ويكتشف (نورتون) أن أندي وبالمطرقه الصغيرة ولمدةعشرين عاما حفر نفقآ خلفيته بوستر (ريتا هيوارث) ثم مارلين مونرو ثم راكيل ولش، وعبر خلال ماسورة الصرف الصحي حوالي خمسمائة متر ونجح.

ويقف في لقطة عبقرية من أعلى وقد تخلص من ملابس السجن وأصبح عاريا .. لقطة تؤكد انتصار الأمل والخروج بالعقل والصبر والعلم من سجن الحوائط إلى رحابة الحرية وقد أخذ معه دفتر حسابات (نورتون) الذي يحوي كل أسرارأمواله، ونجده في بنك يصرف الأموال بالاسم المستعار، فقد سحبها من كل البنوك وأرسل دفتر الحسابات إلى إحدي المجلات، وتأتي الشرطة وينتحر نورتون وقد تم القبض على كبير الحراس.

وبعد أكثر من محاولة لإطلاق سراح (ريد) وقد أصابه اليأس احيانآ، يأتي الإفراج ويذهب لنفس المكان الذي أعطته الولاية لإقامة (بروكس) وانتحر وكتب: هنا كان (بروكس) ويكتب (ريد): وأناكنت هنا.

لقطة لونج واسع: هل (أندي)على شط المحيط يعمل علي مركب خشبي دلالة علي الانطلاق، ويخرج (ريد) ويذهب كما وعده صديقه إلى قرية (باكستون) ويجد الشجرة ولفافة بها أموال ويذهب ليلتقي صديقه ولقطة للقاء الأصدقاء والمحيط أمامهم، ونتذكر كلمة أندي (المحيط لا ذكري له).

الفيلم تأكيد لانتصار الأمل على الشر وانتصار العقل علي العنف وانتصار الموسيقي وقيم الصداقة حتي لو بين أحجار وقضبان السجون.

الفيلم تأكيد لقيمة النص الجيد والسيناريو العبقري فترتيب الأحداث وتأخير معرفتنا أن الرجل (أندي) يعمل على الهروب جعل مشهد الاكتشاف لهزيمة المأمورالذي يمثل قمة اللإنسانية والعنف تباين يظهر قيمة نجاح الأمل عند أندي، فبالرغم من محاولة المأمور القاتل التخفي وراء مظهر ديني يحاول تأكيده فحتى الخزنة التي يضع بها أسراره وأمواله يضع أمامها كتابات من الإنجيل وأول ظهوره في الفيلم ممسكأ بالإنجيل في يده رغم فساده بكل المقاييس، وقد أكدالفيلم أن نهايته منتحرا استحقاق.

مورجان .. نجح في أداء دوره

ونأتي إلى التمثيل فهو حاله تقمص إبداعي بين العملاق مورجان فريمان وإبداع لـ (تيم روبنز) لاستنباط معالم شخصية الضحية، فيظهرمظاهر الظلم والقهر بالنظرات، وأيضأ التحدي حين يقرر إذاعة الموسيقى علي المساجين تحدي يصل للمشاهد بوعي وفهم من الممثل القديرلمكنون شخصية (أندي) زراعة فكرة أن (أندي) مهتم بعلوم الجيولوجيا والصخور والبحث الدائم عن صخور الغرض منها عمل قطع الشطرنج لكي يعرف المشاهد أن من يحفر ذلك الممر للهروب إنما هو مدرك لطبيعة الحوائط وخصائصها.

الموسيقي للواعي (توماس نيومان) الذي وضع الموسيقى مستخدما التشيلو والكمان بشكل أوركسترالي في استعراض الكاميرا للسجن لنشعر برهبة المكان الموحش، وهو عكس أول مشهد في الفيلم لحظة انتظار (أندي) لزوجته وعشيقها خارج المنزل وهو يحتسي الخمر في   مسدس فالموسيقي للحن غنائي في زمن الحدث 1940م.

هذا الفيلم دعوة لإعمال العقل وتصعيد الأمل والإرادة وقدرة الإنسان، وأننا أحيانا يكون السجن بداخلنا، وهذا الفيلم يكشف لناعدم عدالة الأرض وعدم وجود المنطق عند البعض والغالبية تعمل للمصلحة الشخصية وقد يتجاهل من حوله.

هذا الفيلم تأكيد أن الفنون وخاصة السينما قادرة على غرس قيم الأمل والتفائل وعدم اليأس وقدرة الإنسان على تخطي أكبر الصعاب إذا امتلك الإرادة، إنه الفيلم الذي استحق تصنيفه ضمن أعظم الأعمال في تاريخ السينما.

أرجوا لمن يعشق الإبداع السينمائي ولم يشاهد هذا العمل أن يشاهد عظمة الفن السابع.. ولي ملاحظة: لا تستطيع أي كتابة عن فيلم أن تغني عن مشاهدته.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.