رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

خمسين عاما على رحيل زكي رستم .. سر حبسه لفريد شوقي فى ثلاجة (الفتوة) !

* (زيدان) ملك الفاكهة كاد أن يوقف عرض (الفتوة) الذي تكلف 27 ألف جنية

* بعد عرض (الفتوة) فوجئ (فريد شوقي) بوقف عرضه بعد يوم واحد من العرض وبإغلاق دار السينما!.

* فريد شوقي وجد أن المحامي الذي جاء معه غير قادر على الدفاع عنه، فوقف ليدافع عن نفسه.

* ناقدة ألمانية تشيد بالفيلم وأبطاله، وتصف (زكي رستم) بالنجم العالمي.

زكي رستم في الفتوة

كتب : أحمد السماحي

نحيي هذه الأيام الذكرى 119 لميلاده، والخمسين لرحيل عملاق السينما المصرية (زكي رستم) الذي رحل عن حياتنا في 15 فبراير عام 1972، والكلام عن هذا العملاق لا يكفيه موضوع واحد، ولا اثنين، لأن موهبته كانت غزيرة وفياضة وتتجاوز المألوف، ويعتبر مثله مثل (أورسون ويلز، وتشارلز لوتون، ولورنس أوليفييه)، ويشعر المرء عندما يشاهده بالمتعة والنشوة، وأنه لا يمثل من أجل المال بل لعشق فن التمثيل ومن أجل إشباع هذا الحب الجارف لهذا الفن.

ولد (زكي محرم محمود رستم) في الخامس من مارس عام 1903، بقصر جده اللواء محمود رستم باشا بحي الحلمية بالقاهرة، والذي كانت تقطنه الطبقة الأرستقراطية في أوائل القرن الماضي، كان والده محرم بك رستم عضوا بارزا بالحزب الوطنيوصديقا للزعمين مصطفى كامل ومحمد فريد، ونشأ (زكي رستم) في قصر جده الذي كان من قادة الجيش المصري، وانتظم في صغره بالتعليم الأولى وواصل تعليمه بنجاح حتى نال شهادة البكالوريا ـ الثانوية العامة عام 1924 .

وعشق (زكي رستم) التمثل منذ صغره بسبب مشاهدته لمسرحيات (جورج أبيض) الذي عمل معه في فرقته، بعد حصوله على شهادة البكالوريا، واستطاع أن يكون من الممثلين المتميزين رغم صغر سنه، وانتقل بعد ذلك إلى فرقة (رمسيس)، ثم فرقة (فاطمة رشدي)، ثم اتحاد الفنانيين، واستقر به المقام بالفرقة القومية المصرية عام 1935 .

المغلم أبو زيد ملك السوق يسخر من هريدي مع تابعه حسن الباردوي

قصة الفتوة

أعمال مسرحية وسينمائية كثيرة قدمها (زكي رستم) وأبهرنا من خلال تقمصه الشديد لكل الأدوار التى جسدها، وهذا الأسبوع في باب (فيلم لا ينسى) نتوقف مع فيلمه المهم (الفتوة) الذي يبدأ عندما تستعرض الكاميرا السماء، وبعد العناوين تظهر هذه العبارة: (وقعت حوادث هذه القصة أيام أن كانت فئة قليلة تتحكم في أرزاق الناس وأقواتهم)، ثم تتحرك الكاميرا إلى أسفل فنرى النيل وبه مركب شراعي تحمل (البلاليص والقلل) وترسو بجوار الشاطئ ويينزل منها (هريدي/ فريد شوقي) ويحيي المراكبية، ويبدأ رحلته فى القاهرة، وتحديدا من سوق الخضار الذي يحتكره (أبوزيد/ زكي رستم) الذي وصل إلى أرباحه بطرق غير مشروعه في التجارة، حيث يسحب الفاكهة عندما يقبل الناس على الشراء ليرتفع الثمن، ويستخدم طريقة عكسية عندما يريد أن يذبح تاجرا منافسا له فيأمر ببيع الفاكهة بسعر التراب حتى يقضي على منافسيه.

ومن خلال الصراع الذي ينشب بين (أبوزيد) هذا التاجر الجشع، وبين منافسيه الخائفين الضعاف، تنمو حوادث القصة، ويدخل الشاب (هريدي) المنافسة مدفوعا من زوجته (حُسنه) مؤيدا من الناس، وبعد أن يقبض على زمام السوق، أصبح صورة أخرى من (أبوزيد) فركب رأسه وتنكر لزوجته وأصدقائه، وأمر بسحب الفاكهة ليرفع الأثمان، وعرف الأبواب الخلفية والنساء الواصلات واشترى الألقاب وأصبح وغدا كبيرا كما كان (أبوزيد)، وتنتقل القصة بعد ذلك لنرى معركة بين فريق (أبوزيد) وفريق (هريدي)، ثم تكون نهاية الفيلم مثل بدايته فنرى شابا قويا يدخل السوق لأول مرة يصفعه صعلوك على قفاه فيستدير متعجبا كأنه يقول إنه جاء ليرتزق لا ليدخل معركة، وتسير إليه (معلمة) وتدفعه في صدره، وتقول له نفس العبارات التى قالتها (تحية كاريوكا، لفريد شوقي).

هريدي في بداية وجوده في مصر

نقد وكواليس

يقول المخرج صلاح أبوسف في حوار له عن الفيلم: (تركت نهايته مفتوحة، لأن الاشتراكية لم تكن قد رسخت أقدامها بعد في بلدنا، والاشتراكية وحدها هى القادرة على القضاء على احتكارات تجارة الخضار في الأسواق، وتحت ظل العلاقات الاجتماعية التى كانت سائدة لم أستطع أن أقول بأن المشكلة محلولة، لذا فإن النهاية لم تكن نهاية، إنها نابعة من البداية، لقد كانت دوامة).

وقد كتبت مقالات كثيرة كانت كلها تشجيع وكلها أشادت بأبطال الفيلم خاصة (فريد شوقي وزكي رستم، وتحية كاريوكا)، فكتبت الناقدة الألمانية (إريكا ريشتر): قام بدور (هريدي) الممثل الحيوي الذكي (فريد شوقي) أحد أشهر الممثلين المصريين، وهو يقدم لنا (هريدي) في البداية ساذجا لا يعرف كيف يسلك في هذا العالم الذي يحيط به، ونراه يضع قروشه في صندوق الرسائل بالشارع، على اعتبار أنه يريد أن يوفر في صندوق البريد، وبالرغم من سذاجته يجعلنا نحس أنه إنسان سيشق طريقه، وبالفعل ونجح في تجسيد القوة.

وجسدت (تحية كاريوكا) دور المعلمة (حُسنة) بكل براعة وكانت مثال لبنت البلد الشعبية في ملابسها وحركة جسدها، وتقمصها المتميز للدور، أما (زكي رستم) أو المعلم (أبوزيد) فهو ممثل عالمي لا يقل موهبة عن أي نجم عالمي من حيث تكنيكه، وحركة جسده، واستخدامه الرائع لصوته ونبراته، وتغيير ملامح وجهه حسب الموقف، كل هذا يمثله ببراعة (زكي رستم).

حسنة تشد من أزر هريدي في المزاد

زكي رستم والثلاجة

يتذكر نجمنا الراحل فريد شوقي بعض ذكرياته مع الأسطورة (زكي رستم) مع الناقد التونسي الكبير (خميس الخياطي) فيقول: زكي رستم رحمة الله كان أستاذا عظيما، فهو ليس ممثلا (صنايعي) بل أستاذ ونجم، وكان حريص على أدق أدق التفاصيل، ومنذ تقابلنا في فيلم (صراع في الوادي) كنت أطلبه وأحرص على وجوده معي فى كل فيلم أقوم بإنتاجه، وحدث إننى مرة وأثناء اشتراكنا فى فيلم (الفتوة) جاء مشهد المفروض أنه يحبسني في ثلاجة الخضروات ويكمل مونولوجه وتمثيله وأنا لا أظهر كل اللقطة عليه هو.

فحدث أننى تسللت من ديكور الثلاجة ووقفت مع المخرج (صلاح أبوسيف) وراء الكاميرا، لأستمتع بأدائه وانفعالاته، وفجأة لمحني بطرف عينه فصرخ بعلو صوته: (ستوب، ايه اللي طلعه ده بره الثلاجة؟!) فقلت له: (جرى ايه يا أستاذنا الكاميرا معاك أنت، ولن تراني، ووجودى غير مؤثر ولا مُجدي)، فقال للمخرج: (لو سمحت خلي فريد يدخل الثلاجة حتى أشعر أنه يموت بداخلها!، لأن الإحساس بيطير مني، وأنا حاسس أنه خارج الثلاجة ويشاهدني، مش هأعرف أمثل!) وبالفعل احترمنا وجهة نظره أنا وصديقي المخرج (صلاح أبوسيف) ودخلت الثلاجة حتى يندمج فى أداء المشهد.

وأذكر أنه فى مشهد زواجي فى نفس الفيلم وصل إلى البلاتوه وهو حالق ذقنه ويرتدي جلباب جديدا ورائحة عطره تفوح منه، وحين سألته عن سر شياكته اليوم فقال: (إني آت إلى فرح وعلى أن أذهب إلى الحلاق وارتدي أجمل جلابية عندي) هكذا كان يتأثر لهذه الدرجة بشخصياته.

هريدي عندما اشتغل بدل الحمار في بداية وجوده في سوق الخضار

…………………………………

زيدان ملك الفاكهة كاد يمنع الفتوة

بعد عرض (الفتوة) في سينما (الكورسال) فوجئ الفنان (فريد شوقي) بوقف عرضه بعد يوما واحدا من العرض وبإغلاق دار السينما، وبإعلان رفع قضية مستعجلة ضده، وعن هذه القضية يقول فريد شوقي في مذكراته: كارثة لم أكن أتخيلها، لقد أنفقت على إنتاج (الفتوة) 27 ألف جنيه ووقف عرضه خسارة فادحة، ووقف محامي (زيدان ملك الفاكهة) يقول: أن الفنان فريد شوقي أنتج هذا الفيلم ليشوه سمعة واسم (زيدان) ملك الفاكهة وهذا التشهير سيضر أولاده الذين يدرسون بالجامعة.

ووجدت أن المحامي الناشئ الذي جاء معي غير قادر على الدفاع عني، فوقفت لأدافع عن نفسي، فقد ألهمني الله فى هذه اللحظات بأقوى الحجج وكأني محام قديم له خبرة طويلة في دنيا القضايا والمحاكم، وقلت: يا حضرة القاضي إذا كنت قد تعمدت التشهير والإساءة للحاج (زيدان) كما يقول محاميه فليس عندي مانع اطلاقا من مصادرة الفيلم، ولكني فى هذه الحالة أطالب بالتحقيق الفوري مع الحاج (زيدان) وأولاده، أن كل ثروته جمعها عن طريق السراي والرشوة، إنه يحتكر السوق معتمدا على علاقته الطيبه القديمه بالسراي، لكن بطل فيلمي لا علاقة له بالحاج (زيدان) انه من نسج خيالي، يا حضرة القاضي إما أن تحكم لي بالبراءة أو تحكم بمحاكمة عائلة (زيدان) لأنهم جمعوا ثروة ضخمة عن طريق رشوة السراي الملكية.

وانتهيت من دفاعي عن نفسي وتعلقت عيناي بشفتي القاضي الذي قال أخيرا: (اتفضل براءة)، وأعيد عرض فيلم (الفتوة) الذي حقق نجاحا كبيرا، ولا يزال يعرض حتى الآن كنموذج للأفلام الواقعية في مصر، بل وعرض في باريس وموسكو أيضا، ويدرس كذلك لطلبة المعهد العالي للسينما.

حسنة .. شخصية قوية بميت راجل

…………………………………

الأفلام التى عرضت عام 1957 :

عرض عام 1957 مجموعة من الأفلام المتنوعة وصلت إلى 41 فيلما حسب موسوعة الناقد السينمائي الكبير (محمود قاسم) وهذه الأفلام هى (الفتوة، فتى أحلامي، ليلة رهيبة، هارب من الحب، بنات اليوم، لواحظ، نساء في حياتي، بيت الله الحرام، غرام المليونير، أرض السلام، لن أبكي أبدا، الكمساريات الفاتنات، رحلة غرامية، الجريمة والعقاب، أرض الأحلام، المتهم، أنت حبيبي، الحب العظيم، طاهرة، سجين أبوزعبل، تمرحنة، بورسعيد، ابن حميدو، بنت الصياد، حياة غانية، اسماعيل ياسين في جنينة الحيوانات، المجد، وكر الملذات، عشاق الليل، الوسادة الخالية، علموني الحب، صراع مع الحياة، لا أنام، نهاية حب، اسماعيل ياسين في الأسطول، أنا وقلبي، تجار الموت، طريق الأمل، رد قلبي، إغراء.  

…………………………………

الأحداث التى حدثت عام 1957 :

خلال السطور القليلة القادمة نبرز أهم الأحداث السينمائية التى رصدها الناقد السينمائي (علي أبوشادي) في كتابه (وقائع السينما المصرية في مائة عام)..

* شاركت مصر في هذا العام في العديد من المهرجانات الدولية حيث شاركت بفيلم (أرض الأحلام) إخراج كمال الشيخ في مهرجان (كارلو فيفاري)، وشاركت بفيلم (الفتوة) إخراج صلاح أبوسيف في مهرجان (برلين)، و(نساء في حياتي) إخراج فطين عبدالوهاب في مهرجان (فينيسيا).

* فاز فيلم (لن أبكي أبدا) بطولة (فاتن حمامه وزكي رستم) وإخراج حسن الإمام بجائزة المركز الكاثوليكي.

* تم عرض 40 فيلما خلال العام وقدم ثلاثة مخرجين أفلامهم الأولى وهؤلاء الثلاثة هم عبدالغني قمر الذي قدم فيلم (بنت الصياد)، وزهير بكير (صراع في الحياة)، والسيد بدير في (المجد).

* قدم مجموعة من المخرجين أفلام مهمة حيث قدم صلاح أبوسيف فيلمه الكلاسيكي الكبير (الفتوة) الذي فضح فيه آليات الاستغلال الرأسمالي من خلال دراما قوية، فكريا وفنيا، وتدور حوادثها في سوق الخضار، ويقدم عزالدين ذوالفقار فيلمه (رد قلبي) عن الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التى شكلت أسبابا قوية لقيام ثورة 23 يوليو 1952 .

* كما قدم (عز الدين ذوالفقار) أيضا فيلمه (بورسعيد) الذي يتناول فيه أحداث العدوان الثلاثي الغاشم على مصر في عام 1956، وهو الموضوع ذاته الذي تناوله (نيازي مصطفى) في فيلمه (سجين أبوزعبل) بسذاجة شديدة، وينتج المنتج والمخرج حلمي حليم فيلم (أرض السلام) إخراج كمال الشيخ بطولة عمر الشريف وفاتن حمامه عن مشاركة الفدائيين المصريين في القتال ضد العدو الصهيوني من أجل تحرير أرض السلام.

* صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 116 لسنة 1957 بشأن تحديد الرسوم الخاصة بدعم السينما، والقرار الوزاري رقم 658 لسنة 1957 بتحديد الرسم الذي يحصل عند منح ترخيص الرقابة بعرض الأفلام المستوردة داخل البلاد، وقدره 150 جنيها عن كل فيلم طويل، وخمسة جنيهات عن كل فيلم قصير.

* تم إنشاء مؤسسة دعم السينما بالقرار الجمهوري رقم 495 لسنة 1957 وهى أول مؤسسة عامة للسينما في مصر والوطن العربي.

* صدر القرار الوزاري رقم 699 لسنة 1957 من وزير الشئون البلدية والقروية بشأن الاشتراطات العامة الواجب توافرها في دور السينما، وبتحديد مساحة غرفة آلة العرض، وأن تنشأ هذه الغرف من مواد غير قابلة للاحتراق.

اعلان عن فيلم (الفتوة) في المجلات الفنية

…………………………………

بطاقة فيلم الفتوة :

إنتاج : أفلام العهد الجديد

قصة : محمود صبحي

سيناريو : محمود صبحي، نجيب محفوظ، وصلاح أبوسيف

حوار : السيد بدير

تصوير : وديد سري

ديكور : أنطون بوليزويس

موسيقى : فؤاد الظاهري

مونتاج : حسين أحمد وجلال مصطفى.

تمثيل : فريد شوقي، زكي رستم، تحية كاريوكا، ميمي شكيب، توفيق الدقن، فاخر فاخر، محمود السباع، حسن البارودي، محمد رضا، لطفي الحكيم، أحمد الحماقي، عبدالعليم خطاب، عبدالغني النجدي، نعيمة وصفي، كمال ياسين، نظيم شعراوي، سلوى محمود، والطفل هناء، وضيوف الشرف (هدى سلطان، ومحمود المليجي).

هريدي ونظرة غضب من أبو زيد وحسنة تطمئنه
هريدي يبيع البطيخ في بداية عمله

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.