رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

هند صبري .. نجمة تونسية تألقت في ساحة الفن المصري

استطاعت أن تجعل لنفسها أسلوبا خاصا بها يميزها عن غيرها

بقلم : محمد حبوشة

يعد التركيز شيئا مهما جدا للممثل، فيجب أن يكون الممثل قادرا على زج نفسه في مواقف خيالية لحجب جميع المؤثرات الخارجية عنه، موهما نفسه بأنه لا يمثل بل يقوم بدور حقيقي، وحتى يتسنى له فعل ذلك، يجب عليه التركيز والاستماع للممثلين الآخرين المشاركين له في العمل والاستجابة لما يقولون بشكل جيد، ويتطلب ذلك منه أيضا التركيز على كل لحظة بدلا من ملاحظة الحدث وانتظار ما سينتج عنه، ربما لا يستطيع الممثلون استخدام كامل مهاراتهم وقدراتهم في التمثيل، بغض النظر عن مستوى موهبتهم، دون تبني طريقة عمل ثابتة بل يجب على الممثلين استخدام أكبر عدد ممكن من مناهج التمثيل حتى يستقروا في النهاية على واحد أو على مجموعة من تلك المناهج التي تناسب مواهبهم وقدراتهم.

وضيفتنا في باب (في دائرة الضوء) لهذا الأسبوع النجمة الكبيرة (هند صبري) واحدة من الممثلين الذين الذين اختاروا منهجا خاصا في الأداء من خلاله يعنون جيدا بالتركيز والقدرة على زج نفسها مواقف خيالية تكفل لها التجسيد الحي من خلال اعتمادها على الأحاسيس الداخلية التي يجب أن تجند في تصوير الشخصية والموقف، ويطلق على هذا المنهج أحيانا منهج (ستانسلافسكي) نسبة إلى المخرج الروسي قسطنطين ستانيسلافسكي، حيث تقوم بتحليل خصائص الشخصية المختلفة مثل: (المظهر والوظيفة والمكانتين الاجتماعية والاقتصادية والسمات العامة)، بعد ذلك، يقوم بفحص هدف الشخصية وتصرفاتها في العمل الدرامي على مستوى الحركة والإشارة، وهما الطريقتان اللتان تصور فيهما طريقة مشي الشخصية المسرحية وقامتها وإشاراتها ومميزاتها الجسمانية الخاصة، صحيح أن المخرج يعرض إطار حركة الشخصية العام، غير أنها تعتبر نفسها هى المسؤول الأول عن إخراج هذا النموذج التجريدي إلى حيز الوجود، وذلك بقدرتها على فهم هدف كل دافع عاطفي وراء كل حركة تقوم بها في تجسيد الشخصية.

تجيد التغريد دائما خارج السرب

تملك (هند صبري) ميزات الصوت التي تعني بها خصائص الشخصية الصوتية،  فهى تحدد قبل دخولها (البلاتوه) الميزات المرغوبة في الصوت وتوائم صوتها بناء على هذه الميزات، فيمكن أن يتطلب دور معين طبقة صوت حادة؛ بينما دور آخر قد يتطلب صوتا ناعما مريحا، ومن ثم يتحتم على الممثل أن يدرس متطلبات كل مشهد على حدة، فقد تكون بعض المشاهد حالمة، وهذه تتطلب صوتا ناعما خافتا؛ أما المشاهد الصاخبة فتتطلب أصواتا مرتفعة جهورية وحادة، فمعظم الشخصيات تتغير أو على الأقل تتطور أثناء عرض العمل الدرامي، ويجب على الممثل في مثل هذه الحالة أن يعكس هذا التغيير أو التطور، إن الحاجة للمحافظة على بناء الدور مهمة جدا في الأعمال العاطفية؛ فلو بدأ الممثل دوره بوتيرة عاطفية مرتفعة أكثر من اللازم فسيجد صعوبة حقيقية فيما بعد في رفع هذه الوتيرة إلى مستوى أعلى، ويفشل الدور، لأنه سيكون بعد ذلك رتيبا ومملا، لذا فهى من الممثلين الذين يبدأوا على مهل حتى يتسنى لهم أن يكسبوا تمثيلهم قوة وتشويقا تمشيا مع متطلبات النص المكتوب.

ومن خلال ملاحظاتي الدقيقة لطريقة أداء (هند صبري) صاحبة القدرة الفائقة على الأداء الاحترافي، أستطيع القول بأنها ممن يلمون بالعواطف والمواقف والدوافع الإنسانية حتى يتمكنوا من القيام بأدوارهم جيدا، وأن يكونوا قادرين على التعبير عن هذه العناصر حتى يتم للمشاهدين فهمهم، انطلاقا من إن الممثل الجيد يبني في نفسه عادة ملاحظة الآخرين وتذكر طريقة تصرفهم، فلو قبل ممثل دور رجل عجوز، على سبيل المثال، فيمكنه التحضير للدور جزئيا بملاحظة كيف يمشي المسنون وكيف يقفون وكيف يجلسون، بعدها، يمكنه تطبيق هذه الحركات لتتماشى مع الشخصية التي يريد تصويرها، ويتعلم الممثل كيف يستجيب أناس مختلفون لنفس العواطف (مثل السعادة والحزن والخوف) بطرق مختلفة، وفي سبيل ذلك تقوم في كل عمل جديد لها بتطوير ذاكرة عاطفية تمكنها من استرجاع الموقف الذي أوجد عندهم رد فعل عاطفي مماثل لذلك الذي يودون تصويره، غير أن هذه طريقة تمثيل معقدة ولايجب استخدامها إلا بعد أن يطور الممثل فهما شاملا وعميقا لها، ويتعلم الممثلون فهم الآخرين بفهم ذواتهم وقدراتهم العاطفية قدر المستطاع، إنهم يصورون الآخرين باستعمال معلوماتهم عن أنفسهم وتطوير نوع من التحكم بالاستجابة بعواطفهم.

من الممثلين الذين يبدأوا على مهل حتى يتسنى لهم أن يكسبوا تمثيلهم قوة وتشويقا

(هند) من بين القلة من الفنانين الذين لا يمكنهم فصل وسائل التعبير لديهم عن أنفسهم، لأنهم يبدعون باستخدام أجسادهم وأصواتهم وميزاتهم النفسية والعقلية؛ أي أن إبداعهم لا ينفصل عن شخصياتهم، إنه لمن الصعب فصل موهبة الممثل وإبداعه عن شخصيته، غير أن التمثيل فن، وكما هو الحال في أي فن، فلا بد من توافر عناصر أساسية لدى الممثل، مثل المقدرة والدراسة والممارسة، وعلى مستوى الجسم والصوت، يحتاج الممثلون إلى أجساد مرنة مطواعة معبرة، ويتحتم عليهم استخدام أجسادهم لعرض مواقف عديدة ومتنوعة، ويمكنهم اكتساب هذه الخبرات بدراسة مقررات في الحركة على المسرح والرقص والمبارزة بالسيف، أو باشتراكهم في تمارين رياضية تتطلب الكثير من التنسيق والقدرة. إن الرقص والمبارزة بالسيف رياضتان مفيدتان لأنهما تزودان الجسم بالرشاقة والتحكم بالحركة، إضافة إلى ذلك، يستطيع الممثلون الذين يجيدون الرقص والمبارزة بالسيف الحصول على عمل أكثر من غيرهم، إن نفس متطلبات المرونة والتحكم والتعبير تنطبق على الصوت أيضا،ولهذت ترب نفسها على طريقة التنفس بطريقة صحيحة وعلى التنويع في إيقاع الصوت والنبرة. كما أنهت تجيد التحدث بلهجات مختلفة.

التجسيد الحي من خلال اعتمادها على الأحاسيس الداخلية

اجتهدت (هند صبري) منذ أن وطأت قدماها أرض مصر، فاستطاعت أن تجعل لنفسها أسلوبا خاصا بها يميزها عن غيرها من نجمات جيلها، وفي الوقت نفسه تحاول التمرد على ملامحها والابتعاد عن أي دور مكرر، حيث ترى أنها بحاجة لتقديم أدوار جديدة عليها وتبعدها عن ملامحها وشكلها، زمن ثم فتجيد التغريد دائما خارج السرب، وهى من أولئك الممثلين الذين يأخذون أنفسهم بالشدة فى التزامهم الصدق الى حد أنهم يبلغ التزامه 100%، وتلك هى الغاية القصوى التى تبلغ حد الزيف، لذا تراها دائما متزنة وغير متحيزة، وذلك انطلاقا من القاعدة الذهبية: (إنك تحتاج الى الصدق في الأداء بالقدر الذى يتيح لك الإيمان بما تفعله)، ومن هنا فهي على وعي جيدا بكيف تستخدم ذاكرتها الانفعالية بأن تحاول خلق شيئ من جديد بدلا من أن تبدد جهودها فى محاولة إحياء ما مضى؛ فهي لا تشغل بالها بالزهرة في أدائها وإنما يكفى أن تروى جذور الشجرة، أو تغرس بذورا جديدة ولا تفكر فى الشعور نفسه بل الى الظروف التى أدت الى هذا الشعور). 

وكأنها في أدائها العذب تقول لك: (انظر! هذه الشخصية التي أؤدي دورها تتألم، ولكن مهلا! حذار أن تندفع فتتوحد به وتتألم معه لأن ذلك لا قيمه له، المهم هو أن نعرف، أنا وأنت ما الذي يجعله يتألم، ثم نفكر معا ونتدبر ونعمل ملكاتنا الناقدة، فاذا ما اقتنعنا بآلامه ذهبنا نبحث عن مسبباتها في وجوده الاجتماعي حتى نعمل على إزالتها، ومع كل ذلك فقد حققت أكبر معدل من الاندماج الانفعالي بالشخصية التي تتقمصها عبر مسيرته الفنية متحررة من الرخامة في الإلقاء – التي عادة ما تشغل المشاهد عن استيعاب معنى الكلمات – بل إنها كانت تضفي على صوتها وفرة من الزخرفة الصوتية التي تضفي نوعا من المصداقية في التعبير عن آلامها وأحزانها بعد فك قيدها واستعادة ذاكرتها وإطلاق حريتها في نهاية حلقات أي عمل تؤديه.

موهبة فطرية في الأداء باللهجة المصرية الشعبية

ولدت هند صبري في مدينة (قبلي) بالعاصمة تونس واسمها الكامل هو (هند محمد المولدي صبري) درست في كلية الحقوق وحصلت على شهادة جامعية في القانون وذلك في عام 2001، أكملت دراستها الجامعية بعد ذلك وحصلت على شهادة الماجستير في قانون الملكية الفكرية في عام 2004، وقدمت بعض الأعمال الفنية في بلدها تونس ثم اشتهرت كثيرا عندما انتقلت إلى مصر فقدمت العديد من الأعمال الفنية الناجحة والمتنوعة، وبدأت النجمة مسيرتها الفنية في فترة التسعينات وذلك عندما كانت في الرابعة عشر من عمرها، فقد شاركت لأول مرة في الفيلم التونسي (صمت القصور)، والذي تم عرضه في عام 1994، أما بداية انطلاقها كانت عندما رشحتها المخرجة المصرية إيناس الدغيدي لكي تقدم بطولة فيلم (مذكرات مراهقة) مع النجم أحمد عز، والذي تم عرضه في عام 2001، وقد أعطاها هذا الفيلم شهرة واسعة وخلال فترة قصيرة أصبحت واحدة من أشهر نجوم مصر وتونس أيضاً.

ازاي البنات تحبك

توالت أعمالها الفنية بعد ذلك وانطلقت في السينما والتليفزيون المصري بشكل كبير، في أفلام (مواطن ومخبر وحرامي) في عام 2002، إزاي البنات تحبك – 2003، عايز حقي – 2003، أحلى الأوقات – 2004، بنات وسط البلد – 2005، لعبة الحب – 2006 – ملك وكتابة، وعمارة يعقوبيان – 2006، الجزيرة – 2007، جنينة الأسماك – 2008، إبراهيم الأبيض – 2009، أسماء ، الجزيرة – 2011، الكنز، 2017، الفيل الأزرق ج2 – 2019، و كيرة والجن – 2021)، وشاركت في مسلسلات (لحظات حرجة – 2007، بعد الفراق – 2008، عايزة اتجوز – 2010، فيرتيجو – 2012، إمبراطورية مين – 2014، نيللي وشريها – 2016، حلاوة الدنيا – 2017 – هجمة مرتدة -2021)، وحاليا (البحث عن علا -2022)

مواطن ومخبر وحرامي
ملك وكتابة
عمارة يعقوبيان

تعتبر النجمة هند صبري من الشخصيات التي تهتم بالقضايا الاجتماعية والإنسانية فهي تشارك في برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة منذ عام 2009 وذلك لتساهم برفع الوعي حول مشكلة الجوع التي تعاني منها الشعوب العربية وهو ما دفع الأمم المتحدة إلى تعيينها كسفيرة لمكافحة الجوع في برنامج الغذاء العالمي، وبسبب جهودها في هذه المجالات وكذلك مكافحة الفقر تم اختيارها كواحدة من ضمن قائمة أقوى 100 امرأة عربية وذلك من خلال مجلة CEO Middle East في عام 2013، وقد ضمت القائمة مجموعة من نساء العرب اللاتي لهن بصمة مؤثرة في كثير من المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية والإنسانية أيضاً.

كذلك تعتبر هند صبري واحدة من أبرز 4 نساء ساهمن بشكل مباشر في الترويج لحركة انتفاضة المرأة العربية عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، وهي حركة تساهم في الدعوة للمساواة بين الرجل والمرأة وذلك طبقاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر من الأمم المتحدة، كما أنها تندد بحرية المرأة وشعورها بالأمان والاستقلال.

وحصلت (هند صبري) على جائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم (جنينة الأسماك) من مهرجان روتردام للأفلام العربية في هولندا وذلك في عام 2008، وحصلت على جائزة أفضل ممثلة في مهرجان أفلام السلام بهوليوود عن دورها في فيلم (أسماء) الذي تم عرضه في عام 2011، وحصلت على جائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم (الجزيرة) وذلك من المهرجان القومي للسينما المصرية في عام 2008، وفي عام 2012 انضمت للدورة الثانية لمهرجان Tropfest Arabia ويعد من أهم المهرجانات العالمية للأفلام القصيرة.

وقد أثبتت (هند صبري) أن الفن بالنسبة لها عبارة عن هوية شخصية لا تخرج من كيانها ولا تمتلك من الطموح ما يجعلها قادرة على التشرب من الثقافات الأخرى، وأكدت أن الفنان الذي لا طموح له قد يستطيع أن يجيد أيضا، لكنه لن يستطع مستقبلاً أن يجد نفسه وقد أصبح فنانا يتجاوز حدود بلده وثقافته لكي يصبح من الأسماء الكبيرة في عالمه، بل ربما بقي محدود العمل والمكانة حتى بما رضي به من حدود، هذا ما يفرق بين طموح فنان وآخر، واحدا يريد أن يصبح (نجما) أولا في بلده، وربما استطاع، والآخر يريد أن يصبح ممثلاً معروفاً ليس في بلده ولا حتى في منطقته فقط بل على صعيد عالمي.

الكنز
الفيل الأزرق
عايز حقي

هذا تماما ما أرادته النجمة التونسية المولد والنشأة ، مصرية الهوى والهوية، فلم تكتف بإثبات وجودها في بلدها فقط لأنها واحدة من هؤلاء الذين لا يمكن له أن يقتنع بالرقعة التي يحتلها، ولا ريب أنها كان ستحقق نجاحا كبيرا، لكنه الطموح، وليس السقف، هو ما يتطلع إليه الفنان، الطموح، على عكس الظروف، لا يعرف حدودا ولكل فنان الحق المتاح في أن يمارسه ومصر كانت دائما الميدان الذي ينفذ فيه الفنان أقصى طموحاته آنذاك واليوم.

وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام لفنانة كان لديها دائما السبب الرئيس في الانتقال إلى مصر وهذا السبب هو أن الفن في مصر كان متقدما وكان صناعة كاملة في أي شأن ثقافي أو فني، وكان لدى مصر السبب الرئيس أيضا في استقبالهم بالترحاب، إنه السبب ذاته الذي دفع هوليوود لاستقبال كل أولئك السينمائيين الأوروبيين والآسيويين الذين توجهوا إليها إما هربا من النازية وإما لأن لذعة (الحلم الأميركي الكبير) كان أكبر من أن تقاوم، مصر أيضا مثلت حلما مهما لدى طالبيها وهى لم تبخل مع (هند صبري) التي سرعان ما انطلقت في قلب السينما والدراما التليفزيونية وحققت بطولات مهمة دفعت بها نحو آفاق أرحب في ساحة الفن المصري.

عايزه أتجوز
إمبراطورية مين
حلاوة الدنيا
البحث عن علا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.