رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

المسكوت عنه.. والتحالف النسائي

بقلم : محمود حسونة

في حياتنا الكثير من الأعمال المسكوت عنها، سواء مسكوت عنها احتراماً للعادات والتقاليد، أو مسكوت عنها لما يحيط بها من التباس يجعلها عرضة للاصطدام مع قيم الدين، أو مسكوت عنها لعدم توافر العناصر الإبداعية الجريئة القادرة على الخوض في المحظور مع الاستعداد الكامل لتحمل التبعات وخوض معارك للدفاع عن المواقف ووجهات النظر.

ولأننا مجتمع يرفض التغيير ويفضل الحياة النمطية ويؤمن بأنه “ليس في الإمكان أفضل مما كان”، فإن صناع الدراما لدينا على ذات نهج المجتمع سائرون وللتجديد رافضون، ولذا تأتي معظم أعمالنا نمطية الطرح ومكررة للمواقف. القضايا التي تثيرها دراما هذا العام لا تختلف عن قضايا دراما العام الماضي وقبل الماضي وقبل قبل قبل الماضي، لنكتشف أننا ندور في ذات الحلقة، وكلما شاهدنا عملاً قفز إلى الأذهان سلسلة من الأعمال القديمة والمستحدثة المحلية والعالمية مأخوذ عنها.

نادراً ما تجد عملاً يخرج عن المألوف، ودائماً ما يلقى هذا العمل الإقبال من المشاهدين التواقين إلى كل جديد، وكان من نماذج ذلك العام الماضي مسلسل “ليه لأ” والذي لعبت بطولته أمينة خليل وشاركها فيه محمد الشرنوبي ومحسن علم الدين وشيرين رضا وهالة صدقي، وقد أثار المسلسل في وقت عرضه الكثير من الجدل في المجتمع المصري، فالرافضين له اعتبروه دعوة لتمرد الفتيات عن سلطة الأهل والعيش في جلباب الأسرة، في حين اعتبره المؤيدون له دعوة لاستقلال الفتاة سكناً ومسؤولية وقراراً عن أهلها إذا وجدت أن ذلك سيمهد لها الطريق إلى مستقبل أفضل، ولكن مع الالتزام باحترام وتقدير الأهل، حيث دارت أحداث المسلسل حول شخصية الفتاة الثلاثينية “عالية” التي تسعى للهروب من قهر الأم وتهرب لحظة عقد قرانها لتعيش بعيداً عن الأسرة وتبحث عن ذاتها المفقودة من دون أن تنفلت اجتماعياً ولا سلوكياً، وفي الإطار ناقش المسلسل عدة قضايا اجتماعية جانبية لعل أهمها كان حق الفتاة في الزواج بمن يصغرها سناً إذا وجدت الحب منه، وعدم اعتراف مؤسسة الزواج الناجحة بالفوارق العمرية. 

حالياً تعرض منصة “شاهد VIP” الجزء الثاني من المسلسل وهو يطرح قضية جديدة من القضايا المسكوت عنها في المجتمع، وهي قضية احتضان الأطفال اليتامى والأحداث، متجاوزاً الكفالة، بأخذ الطفل لتربيته والانفاق عليه وتحمل مسؤوليته، فيما يشبه التبني ولكنه ليس تبنٍ التزاماً بقواعد الدين.

المسلسل يتمحور حول شخصية طبيبة العيون ندى التي تبلغ السابعة والثلاثين من دون زواج، وتلبية لعاطفة الأمومة بداخلها تقرر احتضان طفل من إحدى دور رعاية الأطفال، لتواجه عاصفة اجتماعية رافضة لهذا السلوك من منطلق أنها لا تعرف أهل الطفل ولا تعرف الجينات التي يحملها بداخله وما يمكن أن يكونه بعد الكبر، عاصفة من شقيقها وزوجته وصديقاتها وجميع المحيطين بها، ولكنها تصمد في وجه العاصفة مدافعة عن قرارها وخيارها بثبات وإصرار، وتنجح في أن تصبح أماً لطفل لم تنجبه، كانت هي في حاجة إليه وكان هو في حاجة إليها، ويفضح المسلسل موقف المجتمع من الأطفال الأيتام، حيث يبدو متعاطفاً معهم وعاطفاً عليهم من بعيد، ولكنه رافض للاقتراب منهم والتعامل اليومي معهم.

بجانب قضية الاحتضان ناقش المسلسل العديد من القضايا الجانبية المسكوت عنها درامياً، أهمها التنمر على الأطفال مجهولي النسب والأيتام.

الجزء الثاني من “ليه لأ” تلعب بطولته الفنانة منة شلبي صاحبة الموهبة المتميزة والتي وصلت في أدائها إلى حد الثقة الكاملة في ذاتها والأداء الناعم السلس الذي تنتقل فيه من موقف إلى نقيضه بسلاسة ومن دون ضجيج، وهي من الممثلات اللاتي تبرهن أن التمثيل لا يكون بالصوت فقط ولكنه بالعينين وتعبيرات الوجه ولغة الجسد، وشاركها في البطولة أحمد حاتم، والإخراج لمريم أبو عوف.

الجديد في المسلسل ليس فقط القضية التي يطرحها، ولكنه أيضاً في إسناد أدوار بطولة فيه للأطفال، أطفال يأخذون العقل ويستلبون المشاعر، فالطفل سليم مصطفى والذي جسد شخصية يونس الذي تتبناه طبيبة العيون ندى، يعد من عناصر نجاح المسلسل وأحد أسباب تعلق الناس به؛ تلقائية وبراءة وعقل ظل واستيعاب لأبعاد الشخصية كما لو كان ممثلاً مخضرماً رغم أنها تجربته الأولى، وشكل دويتو جميل مع الطفلة منى أحمد زاهر بشقاوتها البريئة ومشاكساتها لوالدها وخفة دمها.

“ليه لأ 2” لم يقتصر نجاحه على نيل إعجاب مشاهديه ولكنه امتد لإحداث تغيير مجتمعي مهم حيث أعلنت ودارة التضامن الاجتماعي زيادة الاقبال على احتضان الأطفال الأيتام والمجهولي النسب.

فعلاً “ليه لأ” و “لم لا” نواجه مشاكلنا ونرفع الغطاء عن قضايا نتوهم أن الخوض فيها عيب، ولكن العيب الحقيقي هو في الصمت عليها وتركها تستفحل وتصيب البعض منا، ولأن معظم القضايا المسكوت عنها تتعلق بالمرأة، فإن هذا المسلسل الجريء كان ثمرة جهود تحالف نسائي قرر أن يوظف قدراته الإبداعية في طرح هذه القضايا، والنبش في  أزمات المرأة والأسرة والكشف عن المستور المثير للأوجاع والقلاقل الاجتماعية، حيث أن التأليف هو ثمرة ورشة تشرف عليها مريم نعوم والحوار كتبته نادين نجم والإخراج للمتألقة مريم أبو عوف، وهو تحالف يستحق التحية والتقدير وننتظر منه المزيد.

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.