رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

حلم الحب المستحيل يتحقق بين (معتصم النهار ورولا بقسماتي) في (خرزة زرقاء) !

كتب : محمد حبوشة

رغم محاولاتها الحثيثة لإثبات وجودها بيم الدرامات العربية فإن المسلسلات اللبنانية تبذل جهدا كبيرا في أن تؤدي حرفة (الدراما) على طريقتها الخاصة في طرح موضوعات شائكة أوغريبة أو حتى محرمة، لكنها في كثيرٍ من الأحيان لا تنجح في الوصل لأهدافها المرجوة، لأسباب كثيرة من بينها أنها تطرق درب المستحيل ، وذلك على جناح المزج بين المسلسل التركي مع مشاهده المبهرجة وممثليه الوسيمين والمسلسل السوري مع حرفة ممثليه الأدائية وقصصه الدرامية الاجتماعية العميقة.

(خرزة زرقا) هو مسلسل لبناني للمخرج جوليان معلوف، والكاتبة كلوديا مرشيليان؛ والذي انتهى عرضه منذ أسبوعين تقريبا هو ليس أياً من الاحتمالين، وإن كان يحاول، لأنه ببساطة  يحكي قصة معتادة، مكررة، ممجوجة لربما آلاف المرات في الدراما حول العالم العربي، وحتى اللبناني ذاتها، قصة تلك الفتاة التي تترك حبيبها الفقير كي تتزوج الرجل الغني بضغطٍ من عائلتها. وهنا الخطأ الأوّل الذي لا يجب أن تقع فيه (صانعة) دراما مثل كلوديا مرشيليان.

كلوديا للأسف نسيت تماما أننا في عام 2021، ما يعني أن الفتاة المغلوبة على أمرها التي تتزوّج الرجل الثري، هذه باتت من (الماضي البعيد)، وهذا يدفع للسؤال: ألا تشاهد مرشيليان فتيات التوكتوك؟ والانستجرام؟، ففتاتها بطلة (خرزة زرقاء) اختارت وستختار أن تكون مع الرجل الثري، بعيداً عن الحب الذي لا يطعم خبزاً؛ الحب الفقير مع شخص (معتر) بحسب اللغة الدراجة الشامية الشعبية، هذا ما وقعت فيه الكاتبة منذ اللحظة الأولى فقد مالت نحو قصة كلاسيكية مغلفة بتيمة رومانسية مستهلكة.

وأصرت في القصة و السيناريو أن هناك العاشق الولهان الذي لم ينسى حبيبته وصدمته الأولى، وهذا أيضاً يدخل تحت بند النمطية (كلاسيكي/ معتاد/ مكرر) للغاية، وهو مايشير إلى عدم انتباه (مرشيليان) إلى أننا نحنُ في عصرٍ آخر، يموج بالتحولات المذهلة ويميل إلى السرعة في العلاقات وبنيانها، وحتى طبيعة الحياة نفسها، ومن ثم فإن هذه النمطية في الحب كما العلاقات المراهقة قد انتهت إلا في عقول صنّاع الدراما في العالم العربي.

قد لا يموت الحب بشكل كلي، لكنه يأخذ أبعاداً مختلفة وطرائق أخرى، بمعنى: لن ينتظر البطل حبيبته العائدة بعد سنوات عصوراً طوالاً، هذا كان يحدث في خمسينيات حتى سبعينيات القرن الماضي، في عصرنا؟ لا، طبعاً القصة لا تبتعد أكثر من هذا إلا بمقدار حاجة النص: الأب الذي يموت سريعاً، والذي يترك رسالة (على شريط فيديو) لابنته شارحاً ما يحدث، مع العلم أنه كان قادراً على أن يحدث ابنته مباشرة من فوق سرير المرض؛ لكن (ألعاب) الدراما تفترض خلق هذا (الوهم)، وفي أحد أطراف المشهد المموج دراميا نجد هناك الثري – زوج الابنة – الشرير – في صورة نمطية منهكة ، والإبن (المريض نفسيا) الذي لا نفهم ماهيته سوى أنه (يحب الاغتصاب)، دون أدنى مبرر أخلاقي أو غير أخلاقي .. وتلك للأسف صور/ شخصيات أكل الزمان عليها وشرب.

على مستوى الأداء، حدث ولا حرج في هذا المسلسل الذي شهد تطويلا مملا، ولهذا يمكنني القول وبراحة تامة بأن (معتصم النهار) هذا الذي تصر جهات إنتاجية بعينها فرضه كممثل رغم إمكاناته المحدودة للغاية، فهو لا يجيد التمثيل مطلقاً، فقط يمتلك الشاب السوري وجها (جامدا / ثابتا) لا يتحرك أبداً، في كل الحالات والمواقف؛ كما بدا لي في مجمل أعماله التي تبدو مكررة أدائيا، حتى أنه يعاني مفس الماعانة نفسها لأخذ (موقف) مما يحدث، لكن ذلك لا يظهر عليه. وهو منذ أدائه العادي في (باب الحارة) حتى في هذا المسلسل، لا ينجح إلا في توظيف شكله في صنعة الدراما لا أكثر ولا أقل.

على جانب آخر، حاولت (رولا بقسماتي) أن تكون على مستوى الشخصية، فهي لم تتكئ على جمالها، وهذه نقطة تحسب لها كثيراً في الدراما اللبنانية، حيث العارضات وعمليات التجميل أسياد الموقف، ولهذا نجحت (بقسماتي) في تقريب الشخصية من المشاهد في غالبية مشاهدها، حتى إنها تتفوق دائماً في المواجهات بينها وبين معتصم النهار، الذي يبدو (ساهماً) وأضعف منها أدائياً في أيٍ من مشاهدهما المشتركة، تبدع في مشاهدها القاسية جدا مع بديع أبو شقرا.

وللأمانة نجحت (كارمن لبس) كعادتها في أن تكون خارج نطاق المنافسة الأدائية محلياً، فيكفي تأمل مشهدها مع ابنتها (عاليا / رولا بقسماتي) كي نفهم حرفتها العالية وقدرتها على تقمص الشخصية وارتدائها بكل سهولة على المستوى الداخلي والخاراجي .. باختصار كارمن هي ربما أفضل من أنجبت الدراما اللبنانية حتى الآن كممثلة تعرف كيف تتلون في أدائها من عمل إلى آخر، ومن شخصية إلى أخرى كما ظهر ذلك في مسلسل 2020.

أما (بديع أبو شقرا)ف في اعتقادي أنه هو البطل الحقيقي لهذا المسلسل على قدر ملله وطوال حلقاته التي كانت تدور في حلقة مفرغة من خلال قصة ملفقة وتفتقد لحبكة درامية، لكني رأيت (أبو شقرا) في هذا المسلسل ممثلا عالميا يؤدي بحرفية عالية، من خلال غرقه الكامل في شخصية (الشرير) التي رسمها له النص – على ضعفه – إلا أنه أضاف كثيرا من جانبه في التعامل مع شخصية (وليد) رجل الأعمال المريب، ولأنه أحد رواد المسرح الكبار في لبنان فقد لمست حضور الانتباه المسرحي الذي يلازمه في أدائه طوال الحلقات.

وفي هذا يعرف (أبو شقرا) – كما لاحظت من أدائه الاحترافي – الفرق بين الانتباه الشكلي والانتباه الابداعي، فالأول هو ذلك الانتباه الذي يجعل الممثل يدرك الموضوع حسيا بدون أن يستطيع هذا الموضوع أن يستدعي إلى ذاته أي قدر من الاهتمام، وبتعبير آخر فإن الانتباه الشكلي هو انتباه يتم بدون مشاركة الخيال، وهو تقريبا لا يختلف في الجوهر عن الانتباه الحياتي عندما يكون الأخير موجها إلى موضوع غير ممتع، وهو ما بدا واضحا في ميله إلى تسليم (آيلة) ابنة (زين) من زوجته عبر من قبل  علاقة عابرة، رغم تعلقه الشديد به، فهو الذي رباها 7 سنوات من عمرها.

أما الثاني فهو ذلك الانتباه الذي يكون الممثل أثناءه قادراً بمساعدة خياله على جعل الموضوع المطلوب ضروريا بالنسبة له مطلوبا مهما ممتعا، ويصعب عليه أن يرفع عنه نظره، كما جاء في مشاهده التعنيفية لعاليا عقب كل مرة تلتقي فيها (زين) أو تأتي سيرته على لسانها، ومن هنا يجب التأكيد على الممثل بأن يجعل انتباهه على الشاشة إبداعياً، وأن يبحث عن الكلمات اللازمة للجواب عن أي سؤال يتضمنه الحوار، وبهذه الطريقة وحدها سيكون باستطاعة الممثل أن ينطق مائة مرة ومرّة بكلمات حوار المؤلف وكل كلمة ولفتة وهمسة إذا كانت صادقة فأساس النص الدرامي هى جملة الحوار الدرامي وطريقة نطقها وتشكيلها في إطار فنّي.

وقد حضر كالمعتاد بقوة ممثلان قديران هما جهاد سعد وفاتن شاهين؛ والأول أثبت أنه على الممثل أن يعرف كيف يصارع كل مظاهر القوة المسيطرة السلبية وذلك بمواجهتها بقوة التركيز الإيجابي المسيطرة الثابتة، كذلك استخدام خياله بفاعلية فنية، لذلا فقد بدا لي (جهاد) في دور (أبو زين) أنه لا يتحكم في انتباهه الخارجي فقط مثل (النظر، السمع، اللمس، الشّم، التذوق) بل في انتباهه الداخلي أيضا (القدرة على التحكم بتفكيره وتوجيهه إلى الجهة المطلوبة)، وأنه يسعى طوال الوقت ليكون انتباهه إبداعيا لا شكليا عن طريق الإحساس أكثر، ومن ثم تجسيد هذا الاحساس ونقل الفكرة للخارج أي إلى المشاهدين وبصورة خلاقة تستمر حتى نهاية الحلقات، وبذلك نجح (جهاد) في الخروج من دائرة (النمطية) والدور المحدود إلى دائرة الإبداع وتطوير شخصيته وأدواره.

أما الثانية فيمكن الإشارة إلى دور (فاتن شاهين) باعتباره من أفضل أدوارها؛ في دور (الجدة) العميقة والمتفهمة، بعيداً عن التنميط السابق لها والذي حصرها في دور (الأم النكدية / الحزينة)، كما لابد من الإشادة بـ (زينب هند خضرة) التي لعبت دور المحامية (غيدا) على نحو جيد للغاية بحضور وجمال هادئ استطاعت من خلالهما أن تأسر قلوب المشاهدين، ويحسب أيضا حسن الأداء لطوني عيسى في دور (خليل)، ويوسف حداد في دور (فؤاد).

باختصار .. هو مسلسل فيه حسناته الكبرى على مستوى الأداء، وسيئاته الأكبر على مستوى نمطية القصة وتقليديتها، وتبقى مشكلته أنه كغالبية المسلسلات اللبنانية خلال آخر ثلاثين عاماً، لن تعيش أكثر من اللحظة التي تعرض فيها، ومع ذلك فهنالك أكثر من (ماستر سين) في الحلقات الستين، إلا أنني أتوقف أمام المشهد الأخير الذي يلخص فكرة الانتقام ومحاولة إعادة الأمور إلى سياقها الطبيعي كما جاء على النحو التالي:

وليد يطئمن على وصول عاليا وعامر بيته

وليد/ بديع أبو شقرا يتحدث إلى عاليا / رولا بقسماتي) كي يطمئن على وصولها البيت مقابل الإفراج عن أمها (نادية / كارمن لبس) وشقيقها خليل / طوني عيسى المحتجزين لديه.

خليل يصرخ من خلف وليد مصوبا نحوه وقائلا .. وليد
وليد مذهولا من هول الصدمة التي لم يكن يتوقعها
ما قلت لك حتتمنى الموت وما تشوفه!!

خليل يصرخ قائلا : وليد

ينتبه وليد إلى خليل الذي يصوب عليه بمسدسه ويبدو في حالة ذهول لانضمام أفراد حرسه إلى خليل.

خليل : ما قلت لك حتتمنى الموت وما تشوفه!!

ينظر وليد إلى خليل في عجب ودهشة وتجحظ عيناه من هول الموقف إلى أن يطلق عليه خليل وباقي حرسة الرصاصات التي ترديه على الأرض قتيلا.

وليد يتلقى الرصاصات القاتلة في صدره
وليد ملقى على الأرض غارقا في دمائه

تصرخ نادية بآهات الخوف والرهبة.

يجرى خليل على أمه نادية ويفك وثاقها.

تحاول نادية الوصول لابنتها عاليا قائلة : حبيبتي ، لكن الشرطة تمنعها من الوصول.

تدخل عاليا في أحضان زين ليعلنا سويا بداية أولى خطوات تحقيق حلم الحب المستحيل.

عاليا وزين يصلان بعد أن قتل وليد
عاليا وزين يبدأن تحقيق أولى خطوات حلم الحب المستحيل
نادية تبكي الحال الذي اوصلها لتقيد حريتها
نادية تحتضن خليل وتبكي في حرقة

………………………………..

تمر سنة على حادث مقتل وليد

………………………………..

ويبدو في الكادر رحيل فؤاد من بيت نادية، وعائلة أبو ليلي، وعودة نور إلى عملها في تطبيب الحيوانات في مزرعة زين، وفي كادر آخر يبدو الجد (جهاد سعد) حاملا حفيدته من ابنته أمل، وغيدا تظهر في المحكمة لتمارس عملها كمحامية، ويخرج خليل من الحبس.

غيدا تظهر في المحكمة

…………………………….

وتنتقل الكاميرا وسط الطبيعة الجميلة المطرزة بدرجات ألوان الأخضر وتحت سماء زرقاء صافية يلتقي زين بعاليا حيث تقول له وهو مبتسمة : شو بيك؟

شو بيك

فيدخل زين يده إلى جيبه ليخرج سلسلة تتدلي منها خرزة زرقا كانت لأمه.

عاليا : واووو شو حلوة وتمد يدها لتأخذها.

زين يبعد السلسلة قائلا : استني شوي خلينا نحكي؟ .. هاي الخرزة الزرقة كانت لأمي تركتلي اياها .. راح أعطيك اياها وما باظن إن حدا ينسخها.

يذهب زين ليطوق عنق عاليا بالخرزة الزرقا مع موسيقى ناعمة وحالمة يأتي مع كلمات وألحان وغناء (محمد باش) قائلا :

شو تعبت أمحي الماضي أنا

وليالي دموع العين ما بتنتسى

مقدرت أحب غيرك وبقلبي أحبسها

واعمل متلك قوي وأعيش بأسى

وهلا بدك يعني رجعتى وآل بد تحكيلي

والجرح اللي بقلبي زرعته مين اللي بينسيني

أنا بعد لسه بحبك وعم فكر فيكي

ليك .. ايه عم فكر فيكي

وهنا يحتضن زين عاليا ويقبلها قائلا : بحبك .. بحبك .. بحبك، وينتهي المشهد والمسلسل بتحقيق حلم الحب المستحيل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.