رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

القناة الإخبارية المصرية.. القرار وحده لا يكفي

بقلم : محمود حسونة

“إيه الأخبار”، “إيه الجديد”، وبلهجات أخرى “شو الأخبار”، “شو الجديد”، “شو العلوم”؟ .. تساؤلات تفرض نفسها عليك وعليه وعليهم وعلى الجميع خلال اللقاء بالآخر أو الآخرين، وغالباً ما تكون هذه الأسئلة مفتاح الحديث، وقد تكون الإجابة هي محور الكلام معظم وقت اللقاء، وهذا هو الدليل القاطع على أن الهاجس الإنساني دائماً، وفي كل زمان ومكان، هو معرفة الخبر الجديد، والبحث في تفاصيله وعواقبه وتحليل مضمونه ومحتواه، كما أن الفضول الإنساني قد يدفعه لدفع أغلى الأثمان للتعرف على معلومة جديدة أو خبر جديد، ولن ننسى أن آدم وحواء دفعا ثمناً لفضولهما ووسوسة الشيطان لهما بشأن الشجرة التي طلب رب العزة منهما ألا يقتربا منها، وكان الثمن الأغلى منذ بدء الخليقة وحتى اليوم.

الدول الكبرى والصغرى وأجهزة المخابرات الناشطة عالمياً، تجند لديها اليوم جيوشاً من الجواسيس سعياً وراء الخبر والمعلومة، والشركات الكبرى تتصارع من أجل الخبر والمعلومة. وفي زمننا أصبحت المعلومات المتاحة للإنسان كثيرة بشكل مبالغ فيه، ولكن قليلها صحيح وكثيرها شائعات، وهدفها الأكبر إثارة البلبلة وزرع الشك وزعزعة الاستقرار ونشر الفوضى، ولم تعد المؤسسات والأجهزة هي وحدها من يروج المعلومة الهدامة أو الخبر الكاذب، ولكن أصبحت أنت أيضاً تساهم في ذلك سواء كنت تدري أو لا تدري، ويكفيك “تشيير” خبر كاذب من على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، لتكون شريكاً في صناعة الفوضى.

رغم أن وسائل نشر وتفنيد الأكاذيب والشائعات كثيرة ومتعددة، إلا أن الإعلام يظل هو المصدر الشرعي والوكيل الرسمي لنشر الأخبار والرد عليها وتحليلها، وستظل القنوات الإخبارية أهم أدوات الدول في الصراع الإخباري والمعلوماتي، وفي ظل هذا الصراع اختفى الخبر المحايد، وأصبح أستاذ الإعلام الذي يعلم تلاميذه الحيادية في صناعة الأخبار أستاذ “قديم” تجاوزه الزمن، فاليوم لا يوجد خبر محايد ولا توجد وسيلة إعلام غير منحازة، وأصبح للحقيقة وجوه متعددة، بعد أن أصبح الخبر الواحد تسمعه أو تقرأه أو تشاهده في كل وسيلة إعلامية بطريقة مختلفة، وذلك حسب مصادر تمويل هذه الوسيلة وميول وانتماءات القائمين عليها وهدفهم من منح هذا الخبر أو ذاك أولوية على غيره؛ كما أصبح من وظائف بعض وسائل الإعلام صناعة الأخبار المضللة وتلفيق الأكاذيب وتشويه الحقائق، ولنا في إعلام زمن الخريف العربي أسوة عندما كانت أهداف بعض الفضائيات العربية إسقاط الدول وخلق الفتنة بين أبناء الدولة الواحدة وبين الشعوب المختلفة.

هذه الحقائق هى التي دفعت دولاً لمضاعفة جهودها في مجال الإعلام الإخباري، سواء بهدف اتخاذه وسيلة للضغط على الآخرين وخلق مكانة لها بين الدول الفاعلة والمؤثرة مثل قطر التي فرضتها قناة الجزيرة لاعباً ومتلاعباً بالساحة العربية وخاصة في زمن الثورات الهدامة، أو بهدف الرد والتصحيح مثل قناتي العربية وسكاي نيوز عربية، أو بهدف التأثير على اتجاهات الرأي العام العربي مثل قنوات بي بي سي والحرة وروسيا توداي العربية وفرانس 24 وقناة سي جي تي إن الصينية وقناة تي آر تي التركية، وقناة العالم الإيرانية وقناة الميادين التي تمولها أيضاً إيران وتبث من لبنان، وارتضت مصر أن تظل غائبة في هذا المجال.

مصر صاحبة الريادة الإعلامية العربية، والتي تركت تأثيرها على كل عربي قبل ما يقرب من 70 عاماً عبر إذاعة صوت العرب، والتي شارك أبناؤها بشكل فعال في إنشاء ونجاح كل أو معظم القنوات سالفة الذكر، وصاحبة القمر الصناعي النايل سات، والتي تمتلك أضخم استوديوهات ومراكز بث تضمها أكبر مدينة إنتاج إعلامي عربي والزاخرة بالمواهب في مجالات الإعلام، ارتضت الغياب والغيبوبة عن هذا المجال، وقبلت أن تتحول من دولة تؤثر وتقود وتوزع المهام إلى دولة غير فاعلة في محيطها، وبعد أن بدأت تفيق من غيبوبتها السياسية وتستعيد مكانتها الريادية وتجلس على عجلة القيادة، أدركت أن إفاقتها السياسية لن تكتمل إلا بإفاقة إعلامية موازية، ولذا كان أهم ما في المؤتمر الصحفي للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية الأسبوع الماضي، الإعلان عن إطلاق قناة إخبارية إقليمية، تتابع أحداث المنطقة والعالم وينتشر مندوبوها في عواصم صناعة القرار الإقليمي والدولي، وفي مناطق الأحداث الساخنة حول العالم، ولها محلليها وإعلامييها الذين ينقلون الخبر وقت وقوعه من وجهة نظر مصرية، ويحللونه بما يتوافق مع النهج السياسي المصري، ويحولونه إلى خبر يخدم المصالح المصرية حتى لو كان عكس ذلك.

من المهم أن نصحح أخطاءنا، والأهم أن تتواكب مع نهضتنا العمرانية والتنموية والاقتصادية، نهضة إعلامية تخاطب الآخر وتأخذه ليتبنى الموقف المصري ويدافع عن وجهة النظر المصرية أياً كان لونه أو عرقه أو دينه أو انتماءه، وخصوصاً أن السياسة المصرية نجحت في إقناع الكثيرين خلال السنوات الماضية بأن مصر دولة سلام واعتدال وبناء ونهوض، وليست دولة تفجير للصراعات هنا وهناك.

في الماضي القريب أعلنت مصر عن قنوات إخبارية تخيلناها قنوات للمنافسة إقليمياً وعالمياً، وبعد إطلاقها فوجئنا بها قنوات تخاطب نفسها، ولا تبصر ما يحدث خارج مصر مهما كان تأثيره على داخلها، تقوقعت داخل الاستوديوهات التي تبث منها، فلم تحقق الهدف المنشود، وبعضها تم الإعلان عنه منذ سنوات وأصابه العجز قبل الإطلاق، وتحول إلى مجرد حلم كان ولا يزال على الورق فقط . لذا ليس عيباً أن نعترف بفشلنا فيما مضى ونتسلح بإرادة النجاح فيما هو قادم لنطلق قناة إخبارية تعيدنا إلى مكانتنا الإعلامية المفقودة وتسوقنا سياسياً واقتصادياً بما يليق بمصر، مركز الدنيا جغرافياً ورائدة حضاراته تاريخياً.

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.