رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

الطاووس و الديناصور

بقلم المخرج المسرحي الكبير: عصام السيد

بعد ثورة 30 يونيو و أثناء وضع الدستور طالب الجميع بإلغاء وزارة الإعلام و تحويلها إلى مجلس أعلى لضمان حرية أكبر للصحافة و الإعلام ، و لهذا تم إنشاء  المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ، و لكن بمجرد إنشائه تحول المجلس من جهة المفترض بها الدفاع عن حرية الرأى الى جهة مصادرة و منع و مطاردة ، لأنه تناسى جميع أدواره و قام بدور الرقيب ،  ظنا منه أن ما ينقص الإعلام : أن يتسم بالأخلاق الحميدة . و مع ذلك لم يستطع ضبط الأداء الإعلامى حتى أن الحكومة اضطرت إلى إعادة وزارة الإعلام مرة أخرى، و لكن تحت غطاء ( وزارة دولة ) تجنبا لمشاكل دستورية.

و مؤخرا تورط المجلس – نتيجة ممارسة الدور الرقابى – فى قرار بالتحقيق مع منتجى مسلسل ( الطاووس ) الذى يذاع حاليا و المستوحى من قصة واقعية تسمى إعلاميا بقضية ( الفيرمونت ) ، معللا هذا التحقيق بتلقى شكاوى عديدة حول استخدام المسلسل للغة لا تتفق مع الأكواد التي أصدرها المجلس . و بمجرد نشر قرار المجلس سرت شائعة بإيقاف عرض المسلسل مما أثار المجتمع الفنى و الثقافى المصرى ، و كانت ساحة ثورتهم هى صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعى ، و بعيدا عن الصحافة خوفا من سطوة المجلس على الصحف و تحسبا لرد فعل قد يعيق عمل أى جريدة أو موقع .

و إذا نظرنا لهذه الكتابات سنجد ردود فعل قوية ضد المجلس ، لأن المسلسل لم يستخدم لغة تخرج عن حدود اللياقة ، بل على العكس أشاد به الجميع ، و قال مخرج سينمائى كبير أن على المجلس التركيز فى الاعلام و أن يترك الدراما لأهلها ، فمن المفترض أن المجلس  يعلم أن قانون الرقابة على المصنفات يلزم جهات الانتاج بتقديم سيناريو العمل كاملا قبل التصوير للموافقة عليه ، و هذه الموافقة شرط لاستخراج تصاريح أماكن التصوير ، و أن الرقابة على المصنفات تشاهد العمل لتجيز عرضه بالخارج ، و بالتالى فالجهة المنوط بها التدخل هى الرقابة على المصنفات و ليس المجلس الذى نصب نفسه رقيبا فوق الرقابة !! ، و هذا أمر فيه تجاوز و افتئات على مهام جهاز آخر من أجهزة الدولة.

أما أحد النقاد المخضرمين فقد رأى أن المجلس ترك مهمته الاساسية ( حسب قانون انشائه ) فى المحافظة على حرية الابداع و صار مقيدا لها ، بممارسته نوعا من (المكارثية الجديدة ) و أن مافعله المجلس لا يليق بمصر و إنما يليق بألمانيا النازية أو بأى بلد شمولى يعادى الديمقراطية.

و تساءل مجموعة من المخرجين و النقاد عن الأكواد المذكورة فى قرار المجلس و ما هى مواصفاتها ، و كيف وضعت و لماذا لم يتم إبلاغ شركات الإنتاج بها ، و من وضعها ؟ و الحقيقة أن هذه الأكواد عبارة عن مجموعة من المبادئ العامة ذات الطابع الأخلاقى تتلخص فى سبع نقاط أو مبادئ هى : الحفاظ على قيم وأخلاق ومبادئ وتقاليد المجتمع . عدم الخوض فى الأعراض أو تعميم الاتهامات . عدم الإساءة الى الآخرين و احترام الرأى الأخر. عدم التحقير من الأشخاص أو المؤسسات . الحفاظ على النظام العام والآداب العامة . تجنب ما يدعو إلى الإباحية أو يحض على الفسق والفجور . إبراز أهمية القيم والأخلاق ودورهما فى حماية المجتمع .

و قد تساءل كثيرون هل سيدة المسرح العربى سميحة أيوب ( أحدى بطلات المسلسل المذكور ) ستشارك فى عمل من الممكن أن يخالف تلك الأكواد أو يجرح الأسرة المصرية أو يفتت تقاليدها ؟ ، فى حين أن المجلس الذى يقول أنه ضد أى عمل يحض على العنف اللفظي والجسدي تغاضى عن مسلسلات البلطجة و العنف المنتشرة هذا العام و التى تستخدم ألفاظا سوقية و تعبيرات  تصلح للكتابة على التكاتك و لا تصلح للظهور على الشاشات ، و لم يتم التحقيق مع صناع تلك المسلسلات ، و تركوها ليحققوا مع مسلسل هادف تناول قضية هامة هى الاغتصاب فى ثوب محترم ، لم يشتمل على مشهد واحد مبتذل.

و عندما تم التأكيد على أن التحقيق تم بناء على شكاوى مقدمة للمجلس ، تنصلت فنانة معروفة – لابنتها علاقة بالقضية كشاهدة – من أن تكون قد طالبت بوقف المسلسل ، بل رحبت به و تحفظت على بعض ماجاء بوسائل الدعاية ، و لكنها أكدت أنها لم و لن تطالب بوقف المسلسل ، فأطلق البعض تفسيرات بأن محاولة الإيقاف تمت بضغوط من ( كبار نافذين ) لهم علاقة بالقضية المأخوذ عنها المسلسل ، و هكذا صار المجلس فى مرمى النيران وحده ، خاصة و أن بعضاً آخر قد ألمح إلى أن حملة الشكاوى وراءها الشركة التى تحتكر الانتاج الدرامى فى مصر التى ربما تحاول استخدام المجلس لمعاقبة المنافسين !!

و هناك من كتب ليذكرنا بأن المادة الثالثة من القانون المنظم لعمل المجلس تقول  أنه ( يُحظر بأى وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية ، ويحظر مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها ) ، فكيف يفكر المجلس فى ايقاف مسلسل فى سابقة هى الأولى من نوعها و خاصة أننا لسنا فى زمن الحرب التى تبيح للمجلس منع بث أى مواد ، كما أن المسلسل لا ينطبق عليه ما حدده القانون بالمنع من التداول كالمواد الإباحية ، أو التى تتعرض للأديان و المذاهب الدينية تعرضًا من شأنه تكدير السلم العام ، أو التى تحض على التمييز أوالعنف أوالعنصرية أوالكراهية أوالتعصب . و حتى هذه المادة لا تنطبق على المسلسلات ( بنص القانون ) و إنما على المطبوعات!!

و على الجانب الآخر فإن المجلس تنازل عن مهامه الأساسية التى ذكرها القانون ، و الذى ينص على أن : (علي المجلس ضمان ممارسة النشاط الاقتصادى فى مجالى الصحافة والإعلام على نحو لا يؤدى إلى منع حرية المنافسة أو تقييدها أو الإضرار بها و منع الممارسات الاحتكارية فى مجال الصحافة والإعلام ) . و مع ذلك يترك شركة واحدة تحتكر الانتاج الدرامى و البرامجى و استولت على بعض الصحف و القنوات التليفزيونية و احتكرت حتى سوق الإعلان ، و لا أحد يعمل إلا من خلالها او بموافقتها ، و تسببت عن عمد فى هروب المنافسين من سوق الإنتاج الدرامى سواء بالتوقف عن الإنتاج أو بالاتجاه إلى العمل خارج مصر ، و قد عدد أحد النقاد الاكاديميين الشركات التى توقفت و متى و كيف أوقفتها هذه الشركة.

و تنازل المجلس عن مهمة أخرى أساسية و التى نص عليها القانون ايضا و هى (ضمان احترام الوسائل والمؤسسات الإعلامية والصحفية لحقوق الملكية الفكرية والأدبية ) ، فرأيناه يغض الطرف عن سرقات أدبية تمت فى مسلسلات لم يُذكر عليها أسماء أصحاب الفكرة الأصلية أو أسماء الأعمال المأخوذة عنها ، بعد أن فضح البعض على صفحاتهم تلك السرقات ، بل تعدى الأمر الى سرقات أفكار الإعلانات ، كما رصدها الصديق الصحفى اللامع أحمد السماحى فى هذا الموقع ، أما لجنة الرصد فى المجلس فإنها لا ترى إلا المدخنين و أكوادا مطاطة و فضفاضة يطبقونها وقتما يريدون.

و حتى ما قاله المجلس فى بيان سابق صدر فى بداية الشهر الكريم حول حقوق المشاهد فى ألا تطغى الإعلانات على العمل الدرامى و تحذيره للقنوات بتقليل زمن الفواصل الإعلانية فلم نجد له أى صدى على أرض الواقع ، فلا القنوات قللت فترة الإعلانات و لا المجلس نفذ تهديده ، و كيف ينفذه و الشركة صاحبة القنوات هى الشركة المحتكرة للإعلانات ضمن احتكاراتها العديدة ؟ و هل يجرؤ المجلس على خوض معركة معها ؟.

كذلك أهاب البعض بالفنانين التضامن مع المسلسل المهدد بالإيقاف ، و ألا يتقاعسوا عن مناصرته و قارنوا بين اندفاع البعض فى الوقوف بجوار مسلسل ( الملك ) الذى أوقفته الشركة المنتجة قبل عرضه بسبب أخطاء تاريخية ، و بين تخاذلهم فى مساندة ( الطاووس ) لخوفهم من الوقوف مع شركة منافسة للكيان الذى يمنح و يمنع.

هذا ما كتبه المعترضون على تصرفات المجلس، و الذين يرون ازدواجية فى وجوده مع وجود وزارة دولة للإعلام ، و أنه لا ضرورة لوجوده من الأساس فى ظل عدم قيامه بالمهام المكلف بها ، و عدم استطاعته الوقوف فى وجه الاحتكار الحالى ، أسرد تلك الكتابات من باب أن ( ناقل الكفر ليس بكافر )  و أن المجلس يتسم بالديمقراطية و يتقبل النقد ، و لكنى أؤكد أن لى رأيا مختلفا عنهم .

أما ما أكتبه أنا ، فهو الشكر و التقدير و العرفان للمجلس الأعلى لتنظيم الاعلام الموقر لأنه استجلى الحقيقة و اكتشف أن مسلسل ( الطاووس ) قد حصل على الموافقات اللازمة من الرقابة على المصنفات الفنية ، و لذا قرر حفظ التحقيق مع المسئولين عن إنتاجه  ، و قد أعلن المجلس الموقر أن المسلسل لم يتم إيقافه سواء قبل إجراء التحقيقات او بعدها !! ، و لذا نسجد لله شكرا و نشكر المجلس على تدقيقه ، و نشكر لجنة الرصد  ، و نشكر إعلامنا المنضبط و نشكر الشركة المحتكرة على ما تقدمه من مسلسلات هادفة ، بلغة مهذبة ، مليئة بالنجوم و النجمات و الممثلين و الممثلات و أضافت لهم هذا العام : أسود و ثعابين و تماسيح ، و أمتعتنا بمشاهد العنف و الدم و حرق البشر أحياء.

و لله الأمر من قبل و من بعد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.