رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

زركش.. غريب عنا متغلغل فينا

بقلم : محمود حسونة

ليس جديداً على الفنان يحيى الفخراني إصراره على السير وحيداً، واختيار طريق مختلف عن باقي الفنانين وعدم التنافس إلا مع نفسه؛ عبر مسيرته الفنية أراد الاختلاف وحققه، واختار التميز وأنجزه، وذلك بفضل موهبته المتفردة وقدراته التمثيلية اللامحدودة، عندما يلعب تراجيدي يبكيك مهما كنت سعيداً، وعندما يلعب كوميدي يجبرك على الضحك مهما كنت تعيساً.

من يتصفح كتاب الفن الذي يحمل عنوان (الفخراني) سيجده مليئاً بالأعمال الناجحة، ويتأكد أنه جسد الأدوار المتناقضة، وعبر عن أعماق النفس البشرية ببراكينها وزلازلها باقتدار وتألق، وأنه سيظل واحداً من الفنانين الذين يدهشون الجمهور بأدائهم وتشخيصهم واختياراتهم المختلفة، وقد يجد رغبة لديه في اعادة مشاهدة أعماله للاستمتاع بإبداعه في كل شخصية جسدها أو اقترنت به، إبتداءً من “أبنائي الأعزاء شكراً” و”صيام صيام” و”ليالي الحلمية” و”زيزينيا” و”جحا المصري” و”الليل وآخره” و”ونوس” و”يتربى في عزو” و”الخواجة عبدالقادر” وغيرهم، وليس انتهاءً بـ “نجيب زاهي زركش” الذي نتابع أحداثه حالياً، فما زال في جعبة الفخراني الكثير الذي سيبهرنا سنوات مقبلة.

بعد مشاهدتي للحلقتين الأولى والثانية، من “نجيب زاهي زركش”، فكرت في التوقف عن متابعته وتسرب لي إحساس بأن الفخراني قد أفلس، وأنه كفى ووفى بما قدمه لنا على مدار نصف قرن إلا عام، ولكن الحلقة الثالثة شدتني إلى الرابعة التي سلمتني للخامسة، لأتحول إلى منتظر بشغف لجديده كل يوم، لأنه هو الوحيد الذي يضحكني من القلب في هذا الموسم ، وسط أعمال تثير مواجعنا وآلامنا واستغراب سلوكيات من يعيشون بيننا ولا يؤمنون بنا لا مجتمعاً ولا شعباً ولا وطناً.

الفخراني اختار أن يكون بسمتنا في أجواء الاكتئاب الوبائية الكورونية، وقد كان ما أراد، واستطاع من خلال “نجيب زاهي زركش” الغريب الاسم والسلوك والتصرفات والبعيد عن واقعنا والمختلف عن ملامحنا، أن يجبرنا على الضحك بل والقهقهة في زمن الأوجاع المتراكمة والأحزان المؤلمة، وأن يتغلغل فينا ويصبح موعدنا اليومي معه من أهم المواعيد التي ننتظرها بشغف.

نجيب زاهي زركش شخص غريب عنا وعن طبيعتنا، فاحش الثراء يعيش الحياة بملذاتها، ارتكب خلالها كل ما يخالف العقائد وعاش خارج الأطر المرسومة، أخذ فتاة ليل من أمام أحد الملاهي قبل 30 سنة لتعيش معه كما الزوجين دون زواج، ورغم ذلك لا يجد نفسه إلا عندما يختلي بكأسه ليلاً حتى يفقد وعيه ووقاره ويترك للسانه حرية الإفصاح عن الحقائق المكنونة التي يخفيها عن العالم، ولا يجد له ونيساً يفضفض أمامه ويشاركه سهرات الخمور سوى خادمه المخلص الأمين طريف، ويتخذه ليلاً صديقاً ونهاراً خادماً وسائقاً ومدير أعمال يصب عليه جام غضبه ويخاطبه بلغة لا تخلو من الاحتقار والإهانة.

شخص غريب عنا، اقتبسه السيناريست  عبد الرحيم كمال من مسرحية (السيد بونتيلا وتابعه ماتي)، للمؤلف الألماني برتولد بريخت، ومن فيلم “الزواج على الطريقة الإيطالية” الذي قام ببطولته مارسيلو ماستروياني وصوفيا لورين عام 1964، من دون أن يشير إلى مصادره الأصلية، ورغم أنه سلوك غير مستحب وقيمة عبد الرحيم أكبر من الوقوع في مثل هذا الخطأ، إلا أنه بثقافته الواسعة استطاع أن يقنع المشاهدين بأنه من إبداعه وكأنه ليس له أصول أجنبية.

موضوع المسلسل سبق أن قدمه يحيى الفخراني في مسرحية حملت اسم (زواج طلياني) وشاركته فيها دلال عبد العزيز عام 1998، وهو ما يؤكد أنه هو صاحب فكرة إعادة تقديمها في مسلسل وأنه كلف عبدالرحيم كمال بكتابته، وقد يكون ذلك إعجاباً بالأحداث التي لم تأخذ حقها في الانتشار الجماهيري خصوصاً أنها قدمت ضمن إطار مسرحية لم يشاهدها سوى من ارتادوا المسرح خلال ليالي عرضها.

العظيم في هذا المسلسل وبعيداً عن ضعف الحلقتين الأولى والثانية،أنك لا تشعر خلال مشاهدته بأي ملل رغم قلة عدد شخصياته والذين لا يتجاوزون زركش وخادمه وشقيقته وابنتها وابنها وخدمه والشباب الثلاثة الذين أنجبتهم شفيقة وأبلغته بأمرهم وهي على فراش الموت وأن من بينهم ابن له، ليعيش في صراع بين محاولات التعرف على ابنه ورغبة في استكمال حياته العبثية دون تغيير.

المخرج شادي الفخراني تألق في المسلسل، ويبدو أن الفخراني الأب أصبح يدرك أن ابنه هو الأكثر معرفة بقدراته والأكثر توظيفاً لمواهبه والأكثر تعبيراً عن رغباته، وهو ما تعبر عنه مشاهد “نجيب زاهي زركش”.

المستفيد الأول من هذا المسلسل هو الفنان المخضرم محمد محمود والفنانة الشابة رنا رئيس، فالأول رغم أنه مخضرم وعتيق في عالم التمثيل، إلا أن المسلسل يعد أول فرصة تليفزيونية حقيقية له للتعبير عن مواهبه التي لم يستغل سوى قشورها على مدى حوالي 30 عاماً، أما رنا رئيس فهي موهبة تشق طريقها إلى النجومية ودورها في هذا المسلسل يفسح لها الطريق ويمهد لها تحقيق الهدف. كما يتألق في المسلسل أيضاً الشبان الثلاثة الذين يلعبون أدوار مسعد وسعيد وسعد، ورغم أن أحدهم لفت الأنظار إليه العام الماضي وهو إسلام إبراهيم في مسلسل “بـ 100 وش”، إلا أنه مع هذا الثلاثي يثبت أقدامه ويؤكد مواهبه من خلال (نجيب زاهي زركش) وفي معية الكبير المبدع يحيى الفخراني.

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.