الفنان الذي فقد ظله
بقلم : محمود حسونة
اعتدنا في مثل هذه الأيام أن لا صوت يعلو على صوت شهر رمضان بكرمه وعطائه وطقوسه ومسلسلاته وظواهره الدينية والدنيوية، ولكن هذا العام جاءنا وقد علا صوت الغرور الذي أصاب أحد نجومنا، بعد أن تمكن منه الداء وأصبح العلاج مستعصياً وفشلت كل أنواع الأدوية في الحد من أعراض المرض الذي بدأت ظواهره قبل سنوات، وازدادت حدته خلال العام الأخير ليتمكن منه ويتحكم في سلوكياته وتصرفاته قبل رمضان بأيام.
محمد رمضان بدلاً من أن يكون أيقونة جيله ومصدر إلهام للشباب الباحثين عن أمل، جعل من نفسه مصدر إحباط بتعاليه وتكبره على زملائه قولاً وفعلاً، فهو لا يترك مناسبة إلا ويمارس غروره على الفنانين أولاً ثم على الشعب المصري كله ثانياً، ودائماً ما يتحدث وكأن الله لم ينعم على أحد بما أنعم به عليه، وكأن جماهيريته لم يصل إليها أحد من مجايليه ولا من الأجيال السابقة واللاحقة له، وكأنه امتلك وحده مفاتيح الموهبة ومفاتيح خزائن الأرض، ومفاتيح قلوب الناس.
هو يدعي ذلك من دون علم بعواقب ادعاءاته، فمن خلقه خلق غيره، ومن أنعم عليه أنعم على باقي خلقه، والعاطي الوهاب لم يقصر عطاءه ونعمه على أشخاص أو فئات أو شعوب، بل لا فرق عنده بين عربي ولا أعجمي ولا أبيض وأسود إلا بالتقوى والعمل الصالح.
أيضا علمنا رب العزة في كتبه السماوية أن من يتبطر على نعم الله عليه فسوف تزول من وجهه عاجلاً أم آجلاً، فما بالكم بمن يلقي بالأموال سواء وهمية أو حقيقية في حمام سباحة، وعندما يحد نفسه مخاصراً بغضب الناس يبرر ذلك بأنه مشهد من كليب سوف يرى النور يوم وقفة العيد، وكأن الناس بلهاء، رغم العلم بأنه من السهل عليه اليوم أن يصنع كليباً خصيصاً ليضم إليه هذا المشهد حفظاً لماء الوجه.
الموهبة وحدها لا تكفي لصناعة نجم يحظى باحترام وتقدير الناس، ولو لم تقترن بالذكاء والتواضع والقدرة على مخاطبة الناس واحترام مختلف الفئات الجماهيرية فلن تدوم بل قد تكون سبباً في هلاك صاحبها وتعاسته فيما بعد، وليت محدثي النعمة من نجومنا يتعلمون ممن سبقوهم ويتخذون من نجم كبير اعتلى العرش منفرداً لمدة نصف قرن من دون أن يصيبه الغرور الاجتماعي أو داء العظمة الوهمية، والكل يعرف أنني أتحدث عن عادل إمام الذي سيظل ملكاً على عرش الفن ومالكاً لقلوب عشاق السينما والدراما والمسرح.
كل الناس تعلم أن محمد رمضان لديه أسطول من السيارات والكثير من الأموال والعديد من العقارات، ولكن لا أحد يعلم شيئا عن ما يملكه باقي الفنانين سواء من نجوم اليوم أو الأمس، لأن لا أحد منهم محدث نعمة وغير مستوعب لما أنعم الله به عليه، بل لدينا من تضمهم قوائم (فوربس) لأغنى أغنياء العالم ولا يمتلكون سوى سيارة واحدة أو اثنتين، لأنهم يدركون أن المال نقمة إذا تحكم في الانسان ولم يحسن إدارته.
بعد صدور الحكم بإلزام محمد رمضان بدفع 6 مليون جنيه تعويضاً للطيار أشرف أبو اليسر الذي فصل من عمله بسبب سماحه له بالتصوير في مقصورة الطائرة بعد أن أوهمه أنها صورة شخصية للذكرى واستغلها على مواقع التواصل، وكأن محمد رمضان هو الرجل الذي فقد ظله، وأصبح ينتقل من معركة لأخرى، وكل من ينتقده هو “حاسد له وحاقد على نجاحه”، حتى كانت واقعته مع عمرو أديب الذي توعده أن يتولى تربيته من جديد، لتتوالى بعد ذلك فيديوهات محمد رمضان التي تسيء لعمرو أديب؛ وليس دفاعاً عن الأخير القول أنه لم يرتكب جرماً حين أدى دوره كإعلامي بانتقاد فيديو إلقاء الفلوس في حمام السباحة شأنه شأن آلاف الناس على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتتزامن سلوكيات من يعتبر نفسه (نمبر وان، الأسطورة، البرنس) التي زلزلت الأرض تحت أقدامه ولا بد أن تنال من جماهيريته التي ستبدأ مرحلة الهبوط حتى لو أستغرق ذلك بعض الوقت، تتزامن مع عودة النجمة شريهان من خلال إعلان تحكي فيه قصة آلامها وأوجاعها؛ تعود بنفس القوة التي عهدناها منها قبل الاختفاء نحو 19 عاماً بفعل السرطان الذي أصاب غددها اللعابية، تعود نجمة قوية كما اعتدناها، بعد ان تعرضت لحوادث وأحداث يمكن أن تهدم جماعات، ولكنها بالإرادة والعزيمة هزمت المرض مثلما تصدت للمتآمرين والمتربصين من قبل.. تعود قوية ولكن في صمت وبلا أي مقدمات لتفاجئ جمهورها ولتخطف العقول والقلوب مرة جديدة بأدائها واستعراضاتها وبحكاياتها التي لن تنسى.
محمد رمضان موهبة تقتل نفسها، وشريهان موهبة تتحدى المرض وتواجه الصعاب، بإرادتها تنبعث من جديد بعد سنوات من الغياب، لتؤكد أن الموهبة الحقيقية لا تموت مهما كانت التحديات طالما يمتلكها شخص سوي.