رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(خط دم) .. خطوة متعثرة على طريق الرعب العربي!

أحمد السماحي

بقلم : أحمد السماحي

عرض منذ أيام قليلة على أحد المنصات الإلكترونية فيلم (خط دم) تأليف وإخراج وإنتاج الأردني الفلسطيني (رامي ياسين)، وهو ثمرة الشراكة بين كل من (إيميج نيشن أبوظبي – Image Nation Abu Dhabi) و(ستوديوهات mbc – mbc Studios) و(ماجد الفطيم)، والتي سبق أن تم الإعلان عنها لأول مرة في مهرجان كان السينمائي 2019.

نوعية جديدة على السينما العربية

الفيلم من نوعية أفلام مصاصي الدماء، وهى نوعية جديدة تماما على السينما المصرية والعربية، وإن كان لدينا بعض النماذج القليلة التى قدمها المخرج المصري الراحل (محمد شبل) خاصة فى أول أفلامه (أنياب) الذي كان أقرب إلى الفانتازيا الغنائية، وسينما مصاصي الدماء هى سينما معروفة وموجودة فى العالم كله بل أنها نوع مهم جدا من أنواع السينما ومعترف به من النقاد والمشاهدين معا، إلى حد تأليف الكتب الجادة عنها، بل وإقامة المهرجانات الدولية أيضا، ولكنهم يضعونها بالطبع تحت اسم أكثر اتساعا هو أفلام الرعب لتشمل أفلام (دراكولا وفرانكنشتاين) وكل ما يثير فزع الناس.

وإذا كان منطقيا مفهوم أن تكون هناك نوعيات للأفلام الرومانسية مثلا أو التاريخية أو البوليسية أو الخيال العلمي وأن تنجح وتجذب انتباه الناس، فليس مفهوما على الإطلاق أن تكون هناك أفلام رعب أي أن كل مهمتها هى أن تثير فزع مشاهديها وتوقف شعر رأسهم، ثم أن تنجح رغم ذلك ربما أكثر من كل الأنواع الأخرى وكأن الانسانية أصيبت بلوثة عقلية ونفسية تدفع البعض لأن يذهب بقدميه وبفلوسه ليرى مصاصي الدماء والجثث الغارقة في الدماء، إنه مزاج سادي وسوداوي غريب جدا ومثير للدهشة لناس تعذب نفسها بلا سبب.

التوأم في حضن أبيهما بعد أن ضخ الدم في شرينهما

من هنا لم أشعر يوما ما بأي نوع من الترحيب لهذا النوع من الأفلام مهما كان مستواها الفني وجودة صناعتها، ومهما ادعت أنها تناقش هذه الفكرة العميقة أو تلك، لأن هذه السينما تخاطب جمهورا مترفا ومدللا، حل كل مشاكله ويريد أن يتغلب على ملله وفراغه بهذا النوع المريض من سينما التلذذ بالعذاب والسادية!

السينما حالة من المتعة والجمال

السينما حالة من المتعة والفن ومشاهدة الجمال، ومن واجبها أن تقول للجمهور كلمة مفيدة توقظه بدلا من أن ترسله على الغيبوبة، ولكن ليس من حق أي ناقد أو متذوق أن يفرض تصوراته الخاصة على صانعي الأفلام بالطبع، بل عليه أن يسلم بحق كل فنان في التعبير عن اهتماماته وأن يجرب ويغامر كما يريد وعلينا أن نحاسبه فقط على نتيجه عمله حتى المختلفة عن تصوراتنا وعلى الأسس الفنية والموضوعية وحدها.

أفيش الفيلم

خط دم .. وخيبة الأمل

فيلم (خط دم) من الأفلام التى عرضت مؤخرا وأصابتنا جميعا بخيبة أمل من حيث الأداء والمضمون، لكنها خطوة لا يجب أن نسخر منها كما حدث مؤخرا على مواقع التواصل الإجتماعي، خطوة لها مالها وعليها ما عليها!، وتدور أحداث الفيلم حول والدين ثريان (ظافر العابدين ونيللي كريم أو نادر ولمياء) يلجأن إلى خطة غير محسوبة لإنقاذ حياة أحد توأمهما (مالك) بعد أن تتركه حادثة أليمة شبه ميت في غيبوبة طويلة لمدة 18 شهر و8 أيام، ويقرر الوالدان اتباع طريقة غامضة وهى استقدام دم أحد مصاصي الدماء من رومانيا في محاولة يائسة لإعادة ابنهما إلى الحياة، ويعود الولد للحياة فعلا، لكنه عندما يستعيد الوعي تتغير تصرفاته وتصبح غريبة ووحشية، حتى أنه يكتسب صفات مصاصي الدماء يتغذى على الدم، ومع الأحداث نكتشف أن الأب (نادر) هو الذي أعطاه دمه، بعد أن أصبح هو أحد مصاصي الدماء (Vampire) وتنقلب حياة الأسرة رأساً على عقب بعدها.

نيللي كريم حاولت أن تجتهد دون جدوى

الشكل على حساب المضمون

حقق المخرج (رامي ياسين)  مستوى جيد من القدرة التكنيكية على مستوى الإضاءة والموسيقى والمونتاج وحركة الكاميرا ومكان التصوير، ولكن كل هذا جاء على حساب المضمون وفقر الانتاج، فلم نشاهد سوى (4 ممثلين فقط نجمين وطفلين) والجارة التى قامت بأدائها بشكل جميل وفهم (إيمان يونس)، وظهور شحيح لنموذجين آخرين منهما المخرج والمنتج (رامي ياسين) مع طفلين آخرين (ولد وصبية)، وديكور واحد تقريبا تجري فيه معظم الأحداث! ولا أدري سر فقر الإنتاج مع وجود كيانات ضخمة مشاركة فى الإنتاج؟!.

أسئلة تحتاج إلى إجابات

صدمة وذهول غير محسوب

لم يجب الفيلم على كثير من الأسئلة أهمها كيف عثر البطل (نادر) على مصاص الدماء؟ وكيف تحول الأب (نادر) إلى مصاص للدماء؟!، وهل تحول قبل أن يسافر إلى رومانيا لجلب الدماء أم تحول هناك؟!، خاصة أنه قال لزوجته بعد عودته أثناء فتحها الثلاجة لتطمئن على الدماء أنه أعطى دمه لابنه (مالك)، ولماذا ترك الأم والأب نجلهما (مالك) الذي تحول إلى مصاص دماء مع شقيقه الطبيعي دون مراقبة؟، أو لماذا قررت (لمياء) أخذ قطة جارتهما (الحشرية) تحديدا لنجلها ليمص دمها مع أنه لا يوجد أكثر من قطط وكلاب الشوارع؟!، ولماذا تركت الأم نفسها فجأة فى نهاية الفيلم لابنيها ليمصا دمها؟! مع أنها اصطحبتهما إلى مزرعة بعيدة عن القاهرة لحمايتهما وحتى لا يعرف أحدا بقصتهما، هل يأست من الحياة معهما؟ هل علمت بتعرض زوجها للضوء وبالتالي للوفاة؟ أسئلة كثيرة لم يجب عليها الفيلم!!.

أداء الأبطال

جاء أداء أبطال الفيلم (نيللي كريم وظافر العابدين والتوأم) بلاستيكيا باردا خاليا من الروح والحرارة، حتى أن كثير من كلمات (ظافر العابدين) لم تفهم وذكرتني بالنجمة (سهير البابلي) فى مسرحية (ريا وسكينة) عندما قالت: (شفتني وأنا خانفة، أصلي بحلو بالخنافان)، فالنجم التونسي طول الوقت يخنف وتتوه منه الكلمات ولا يسمعها غيره، نفس الأمر ينطبق على النجمة (نيللي كريم) التى جاء أداءها باهتا ويتسم بالبرود وليس البساطة!.

الأب والأم وتوأمهما

النهاية

ليس من حق أحد أن يحجر على أي فنان أو أن يكون وصيا عليه فيحدد له الأسلوب الذي يبدأ أو ينتهي به، أويختار له الشكل أو المنهج فهذا هو من صميم حق الفنان في المغامرة، وأي مغامرة تستحق الحماس والتشجيع بلا أدنى شك لكي نخرج كما قلنا من دائرة السينما المصرية والعربية التقليدية المستهلكة، المهم أن تقنعنا نتيجة العمل النهائية بأنها كانت تستحق المغامرة، وفيلم (خط دم) خطوة متعثرة فقيرة المضمون لم تقنعنا، لكنها ستظل مجرد محاولة للخروج من دائرة السينما التقليدية!.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.