رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(سامر برقاوي).. قدم أعمالا ستظل راسخة في الدراما السورية

بقلم: محمد حبوشة

الكاميرا تعتبر ألف باء عند المخرج (سامر برقاوي)، حيث يجسد من خلال هذه الأبجدية لغته الصورية محملا إياها الكثير من الأفكار والدلالات، فاللقطة القريبة لها معطيات درامية تختلف عن اللقطة العامة.

وزوايا الكاميرا هى لغة ودلالات كما هو الأمر بالنسبة لحركة الكاميرا والتي تنبض هى الأخرى بالمعاني التي ترسم الخطوط العامة لأفكار المخرج (سامر برقاوي).

فزوايا الكاميرا عند (سامر برقاوي) يمكن تضمينها دلالات تساعد على تأكيد الموضوع وإعطاء حلا إخراجيا لموضوعات معينة ضمن حيز المشهد الواحد.

فعلى سبيل المثال اللقطة الرأسية تفيد بتصغير الشخص وبخفضه إلى مستوي الأرض بينما تعطي الزاوية المنخفضة إحساسا بالتفوق والحماسة، كما شاهدنا ذلك في أعمال (الهيبة، الزند، نص يوم، لو، أنا، لهبة الموت)، وغيرها من أعمال تصدرت مواسم رمضان الأخيرة.

(سامر برقاوي)، يمكن تضمينه دلالات تساعد في استخدامها في العمل الإخراجي لكونه ترتيب  الموجودات داخل إطار الشاشة وجعلها وحدة مترابطة ضمن سياق ذي أبعاد جمالية، وفكرية أو فلسفية أو الكل مجتمعة.

وهذه الموجودات تقدم صورة مشحونة بالمعاني تخلق استجابة لدى المشاهد ومن أهم ما يحق

لاتقل عناصر التكوين عند (سامر برقاوي) أهمية في إمكانية إسهامها

قه التكوين هو توجيه مشاعر المتلقي في رأيه، وحكمه، إن التكوين بعناصره ووسائله يمكنه أن يشكل عوامل مساعدة لتحقيق حلولا إخراجية تبض بالمعاني والدلالات التي تؤدي بالنتيجة إلى المساعدة على تحقيق وحدة الموضوع.

خصوصية التكوين لدى (سامر برقاوي)

وهنا تكمن خصوصية التكوين لدى (سامر برقاوي) وخطورتهما، فالتكوين الثابت قد يتحول إلى فوضى بصرية في حالة الحركة، وهذا يتطلب إذن تحديد الحركة أو ترتيبها، فالتكوين يعني ترتيب المناظر وتحديد الحركة داخلها وإعداد الإضاءة المناسبة والتصوير والتولي بحسب مايقوم به (سامر برقاوي).

وقد يعتبر هذا الأمر من التحديات التي تواجه المخرج التلفزيوني، لكنه بذات الوقت يمنحه أفقا واسعا من التعبير والدلالات على اعتبار إن التكوين المسرحي يمتاز بالثبوت بينما في السينما والتلفزيون فانه متحرك.

ولا تقل عناصر التكوين أهمية في إمكانية إسهامها، إذا ما استخدمها المخرج (سامر برقاوي) بشكل واعٍ وممتلئ المعاني، في العملية الإخراجية فالخطوط تقوم بدور فاعل في الربط بين الموضوع والمحتوى الذي تريد الوصول إليه في الصورة.

ولهذا فإن نجاح أي صورة يرتبط ارتباطا وثيقا باستخدام الخطوط الأساسية التي تكون معبرة عن المحتوى وطبيعة الموضوع، ومن هنا فإن المخرج (سامر برقاوي) يشبه إلى حد كبير قائد الفرقة الموسيقية، فلكل آلة صوتها الخاص وطريقة خاصة للعزف عليها وتؤدي ما لها من جمل موسيقية.

ولكن قائد الفرقة الموسيقية (سامر برقاوي)، هو الذي يناغم بين مستويات عزف تلك الآلات كلها، وتعزف الجملة الموسيقية ذاتها ولكن يصعد هنا آلة ويخفض أخرى والمخرج يمتلك أيضا كل وسائل وعناصر قيادة العمل الفني وهو على دراية بما تملكه كل وسيلة من إمكانية دلالية تعبيرية.

في الدراما السورية بفضل مخرجين أكفاء ومنهم بالطبع (سامر برقوي) بدأت اللغة السينمائية من كتابة النص، ثم انتقلت إلى لغة الإخراج السينمائي الرشيق والمدروس، من خلال بناء اللقطات الفنية والإيقاع الفني الجمالي.

وتحررت معه الكاميرا من عبء الاستوديو، بكتلته الثقيلة غير المنضبطة جماليا وتقنيا، وغير المناسبة لحركة الممثل الذي كانت تحكمه ثلاث كاميرات لتصوير المشهد أو أكثر.

تطور تقنية الكاميرا التلفزيونية، وتطور أجهزة المونتاج والصوت والإضاءة، جعل بالإمكان الخروج خارج الاستوديو، والتشابه مع السينما في تناول الطبيعة، بكل ألوانها وتضاريسها واتساعها وصدقها.

لذلك كانت اللغة السينمائية تحتاج إلى مخرجين سينمائيين أكفاء مثل (سامر برقاوي)، يجيدون التعامل مع رشاقة الكاميرا الواحدة، المتحررة للتو من سجن الاستوديو، هذا التطور التقني كان حافزا وحظا أوفر للمخرجين العاملين ىعلى الدراما التلفزيونية، بلغة سينمائية جديدة، كانت تشبه الإذاعة المصورة حينذاك.

اللغة السينمائية أنتجت خيالا سينمائيًا ولغة بصرية لدى (سامر برقاوي)

لغة الكاميرة الواحدة والجديدة

اللغة السينمائية أنتجت خيالا سينمائيًا ولغة بصرية، ربما جديدة على المسلسلات السورية، وأوجدت ممثلا تلفزيونيا محترفا، يستطيع التعامل مع لغة الكاميرة الواحدة والجديدة تقنيا، والتي تحقق المشهد مفككا.

ويكون على الممثل المحترف الذي يعمل مع (سامر برقاوي) أن يكون قادرا على جعل سلوك وحالة الشخصية الدرامية متصلا؛ ما جعل العمل الدرامي التلفزيوني السوري يؤول إلى السينما، مفارقا النمط الإذاعي الذي تأسس ونشأ في البدايات.

من المعلوم بأن الدراما التلفزيونية هى وريثة الدراما السينمائية بشكل عام، وذلك لأنها نشأت وترعرعت ونضجت وشبت على الطوق، وهى تطمح بأن تتشبه بالسينما، هذا الطموح كان مستمرا في البداية، إلا أنه بدأ يعلن عن نفسه صراحة في السنوات الأخيرة مستفيداً من التطور في تقنيات التصوير والمونتاج الإلكتروني.

والذي ساعد (سامر برقاوي) وغيره على استخدام الكاميرا المحمولة والتصوير خارج الاستوديو إضافة إلى التقنيات الرقمية التي تمتاز بحساسية عالية للضوء والتي باتت تسمح بالتصوير ضمن ظروف إضاءة طبيعية أو ضعيفة .

فشاشة التلفزيون اليوم صارت أشبه بالذي يستوعب كل ما يصب فيه ويطلب الزيادة، وقنوات التلفزيون تعمل على مدى الأربع والعشرين ساعة وهى في حاجة إلى برامج ومسلسلات على مدار الساعة.

وفي المقابل هناك جمهور يبحث عن السهل المريح والقصة المسلية، فهول يرغب بأي تعب أو عناء أثناء استرخائه أمام الشاشة بعد يوم طويل من الجري والمعاناة لحياته وفي سبيل تأمين لقمة العيش لأسرته.

ومن هنا أدرك المخرج السوري المبدع (سامر برقاوي) أن الجمهور ليس عنده أى استعداد للتفكير، بل هو مستعد لتقبل كل ما يعرض عليه من هذه القنوات غثها وسمينها، فاجتهد في إخراج مسلسلاته على التعامل مع الجمهور بحرفية.

نجاح الدراما التلفزيونية من وجهة نظر المخرج (سامر برقاوي) يعتمد على التعامل مع النص الدرامي كنص أدبي مستقل بذاته، وهو وإن كان جزءا من عملية إنتاجية أوسع يشارك فيها المخرج والممثل ومدير التصوير بنصيب كبير، إلا أنه يحافظ على مكانته بين هذه العناصر.

تُفرح المخرج السوري (سامر البرقاوي) تقييمات منصفة تقدر جهده وتضعه في المكانة اللائقة

الدور القيادي الفني للمخرج

فالدور القيادي الفني للمخرج مثلا لا ينفي أهمية وإبداع مدير التصوير ومدير الإضاءة، وكلاهما يمكن أن يؤدي إلى نجاح العمل الفني أو فشله.

إن مركزية دور المؤلف في العمل الروائي ومركزية دور المخرج في العمل الدرامي والسينمائي حجبت الرؤية عن تقييم جوهر الأعمال نفسها وتقييم بقية الأدوار الإبداعية للفريق.

فنظرية المؤلف في السينما التي ظهرت في أربعينيات القرن الماضي كانت تريد أن يقوم المخرج بدور المؤلف الروائي وليس أن يقتبس منه، ولهذا عبر الناقد الفرنسي (ألكسندر أستروك) عن هذه الوظيفة بقوله (الكاميرا قلم).

وقد نجحت السينما إلى حد بعيد في أن تستخدم الكاميرا كقلم فعلا بينما دار المخرج الدرامي التلفزيوني في العالم العربي في فلك الاقتباسات الأدبية مع استثناءات قليلة مثل حالة (سامر برقاوي) في ذهابه إلى التفكير خارج الصندوق.

تُفرح المخرج السوري (سامر البرقاوي) تقييمات منصفة تقدر جهده وتضعه في المكانة اللائقة، لكنها ليست هاجسه، بقدر أن تشكل الصورة تعبيرا كاملا عن أفكاره.

فمنذ اختياره المهنة، وعمله جار على تطوير الأدوات لتسهيل تناول المواضيع الأكثر تعقيدا، ربما أكد ذلك في مسلسلة الآخير (تاج) الرمضاني تألقه، حين صور الجمال على أصنافه: المكان والمشهد والوجوه والتحولات.

ولد (سامر برقاوي) في سوريا، حاولت عائلته أن يتخصص في دراسة الطب، إلا أنه درس تخصص إدارة الأعمال في جامعة دمشق وحصل منها على شهادة البكالوريوس في عام 1994.

اهتم المخرج (سامر البرقاوي) بالديكور والمجسمات الكرتونية منذ أن كان صغيراً، حيث عمل كمساعد مخرج برفقة (سيف الدين سبيعي، والليث حجو، والمثنى صبح)، وكان ذلك في مسلسل (الثريا)، ثم استمر بالعمل كمساعد مخرج لمسلسلات أخرى، مثل؛ (مسلسل ذكريات الزمن القادم، ومسلسل خان الحرير).

بدأ المخرج (سامر برقاوي) عمله في سهرة تلفزيونية بعنوان (الوصية)، والتي صحبه إليها صديق والده، ثم حاول كتابة سيناريوهات خاصة به من خلال دراسته لكتب في هذا المجال، إلا أنه لم يكمل العمل عليها.

وتحول بعد ذلك للمجال الإخراجي، وأتاح الفنان (أيمن زيدان) الفرصة للمخرج (سامر برقاوي) بإخراج أول عمل له، بالرغم من عدم وجود سابق معرفة بينهما، في مسلسل (الوزير وسيادة حرمه)، وقد يدهشك يا عزيزي أنه هو الذي قام بإخراج  المسلسل السوري (بقعة ضوء – الجزء السادس)، ومسلسل (مرايا).

وعمل (سامر برقاوي) كمساعد مخرج برفقة (سيف الدين سبيعي، والليث حجو، والمثنى صبح)، وكان ذلك في مسلسل (الثريا)، ثم استمر بالعمل كمساعد مخرج لمسلسلات أخرى، مثل؛ (مسلسل ذكريات الزمن القادم، ومسلسل خان الحرير).

تاج
الزند
الهيبة
تشيللو

أعمال تظل راسخة في الدراما السورية

وأخرج (سامر برقاوي) عدة أعمال تظل راسخة في الدراما السورية مثل مسلسل (صرخة روح، مطلوب رجال، فوق السقف، نساء من البادية، بنت النور، بقعة ضوء الجزء 5، نحن هنا).

وعلى مستوى السينما أخرج عدة أعمال ومنها أفلام: (أمام سر، كيف وشلون، نور، كلام حريم، رسالة إلى الأب، الأم وطن، بوستر، فيلم أم الأرض).

وله أيضا العديد من الأعمال التي لاقت صدى واسع في الدراما السورية واللبنانية معا، ومن أهم هذه الأعمال: (تشيللو، الهيبة، لو، نص يوم، هوامير الصحراء، قلبي معكم، الزند، لعبة الموت، شبابيك، مطلوب رجال ، بعد السقوط، وأخير مسلسل (تاج) في موسم رمضان 2024.

حاز المخرج سامر البرقاوي على (جائزة أدونيا) كأفضل مخرج وذلك في عام 2010 وحصل على هذه الجائزة من خلال إخراجه لمسلسل (بعد السقوط)، وفي عام 2018 حاز عمله الهيبة على ست جوائز من خلال مهرجان الموريكس دور للدورة الثامنة عشرة، وحصل على الموريكس التقديري عن إخراجه للمسلسل.

ينجح (سامر برقاوي) في ترك الانطباع الإيجابي المطلوب لدى مشاهد أعماله الدرامية

أحرز خطوات مهمة

ينجح (سامر برقاوي) في ترك الانطباع الإيجابي المطلوب لدى مشاهد أعماله الدرامية، فتاريخه طويل في عالم الإخراج وأحرز خطوات مهمة، اليوم أصبح المتفرج يعرف مسبقاً العمل الذي يوقعه برقاوي ومنذ اللحظة الأولى.

فمهاراته لا تنحصر في التقنية رفيعة المستوى التي يتميز بها، بل أيضا في كيفية تفاعله مع العمل، فيسكب مشاعر وأحاسيس المشاهد تلقائياً ويخطفه إلى عالمه طوعا )فهل يراجع (سامربرقاوي) اليوم إنجازاته ويقيمها؟

يرد: (لم أكن من قبل أقوم بذلك، وأنظر إلى الوراء، حاليا وبعد أكثر من 20 مسلسلا ورحلة طويلة، تمكنت من أخذ استراحة المحارب، كي أتطلع إلى المنجز بشكل عام، فهذه القراءات ترد على أسئلة تراودني وتترافق مع تكثيف اطلاعاتي على علاقتي مع المشاهد..

وأعتقد أنني استطعت أن أولد علاقة وجدانية مع متابع أعمالي، على أمل أن أبقى عند حسن ظنه في المستقبل)، كما برهن (سامر برقاوي) مؤخرا، أنه صانع نجوم.

وأخيرا: لدى المخرج السوري (سامر برقاوي)، حب شديد وإخلاص لوطنه سوريا، إذ يأمل خلال الفترة المقبلة أن يقدم مشروعات خاصة ببلده، قائلًا: (الموضوعات التي تجذبني بعينها على المستوى الشخصي تكون مميزة في الأفكار وطريقة المعالجة بداية من النص وصولًا للحبكة والحكاية وسلاسة الإيقاع والحوار.

ويسعى برقاوي إلى تقديم موضوعات تلمسه شخصيا وتتلاقى مع مجتمعه، وتتحدث عن بداية تاريخ سوريا مرورا بجغرافيا البلد الممتدة والمتنوعة، وصولا للإنسان السوري في فترة ما بعد الحرب والمخاطر التي عاشها في هذه الفترة.

قائلا في هذا الصدد: (أطمح خلال الفترة المقبلة إلى الحديث عن الإنسان السوري والمراحل التي مرت عليه)، فتحية تقدير واحترام لهذا المخرج المبدع الذي أمتعنا بالعديد من الأعمال البراقة في لوحة الدراما السورية.

لو
أنا
لعبة الموت

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.