رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(غزة) أنهت الأسطورة.. (إعلام الحرب) يفضح ديموقراطية إسرائيل!

أحمد الغريب

بقلم: أحمد الغريب

في مطلع يناير من هذا العام اتهم (بنيامين نتانياهو) وسائل الإعلام الإسرائيلية بنشر التشاؤم بشأن التقدم في الحرب على قطاع غزة، وكشف هذا التصريح في حينه عن عُمق الفجوة بينه وبين المؤسسات الإعلامية على خليفة الموقف من مُجريات (إعلام الحرب) في القطاع.

الإعلام الإسرائيلي وبطبيعة الحال لم يقدم موقفا كاشفا أو فاضح للعدوان المتواصل من قبل الجيش الإسرائيلي في القطاع، باستثناء أقلام قليلة عبرت عن مقتها من تلك الحرب لما كبدته معها من خسائر بشرية في صفوف الفلسطينيين.

في الوقت الذي انصب اهتمام (إعلام الحرب) بتوجيه انتقادات لعدم قدرة الجيش وأجهزة الأمن الإسرائيلية على تحقيق أهداف الحرب وهى، إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين منذ السابع من أكتوبر داخل القطاع، والقضاء علي حركة حماس، والتفكير في اليوم التالي لانتهاء الحرب.

وهذا بالطبع لم يلق قبولاً لدى (نتانياهو) الذي راهن منذ بداية الحرب على اصطفاف إسرائيلي من وراءه ودعمه فيها أملاً في تحقيق ولو هدف واحد من أهدافه.

ومنذ اللحظات الأولي للعدوان على غزة، حاول (نتانياهو)، الترويج لرؤيته واستراتيجيته، عبر وسائل الإعلام اليمينية، ومنها القناة السابعة والقناة 14 وصحيفة (ماكور ريشون) والعشرات من المواقع الإلكترونية التابعة لتيار اليمين وللتيار الديني اليهودي في إسرائيل.

الناطق بلسان الجيش (دانيال هاجاري)

التوقف عن اعتبارها (حقيقة مطلقة)

كما حاول التأثير في مواقف الجمهور الإسرائيلي من خلال الحضور المكثف للناطق بلسان الجيش (دانيال هاجاري) بهدف الترويج للرواية الإسرائيلية في الحرب أملاً في إقناعهم بجدوى بقائه في السلطة حتى بلوغ أهدافه.

وفي ظل ما شهده الجيش الإسرائيلي منذ بداية الحرب وحتى الآن من خسائر سواء في العتاد أو الأرواح، فضلاً عما تسببت فيه من خسائر اقتصادية لا حصر لها وكذلك خسائر في علاقات إسرائيل الخارجية وحالة من التمزق الداخلي في المجتمع الإسرائيلي.

تعالت الأصوات بوجوب عدم التصديق المطُلق لكل ما يصدر عن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، (دانيال هاجاري) واعتباره أمراً واقعاً، وهو ما عبرت عنه الكاتبة (نيطاع أحيوطوف) بصحيفة (هآرتس) بدعوتها للتشكيك في تصريحاته، والتوقف عن اعتبارها (حقيقة مطلقة).

وكتبت أن (هاجاري) هو طرف في الحرب الحالية في غزة، وكل ما يقوله يمثل جهة ذات مصالح كثيرة في هندسة وعي الإسرائيليين والعالم، مؤكدةً أن (هذه الحقيقة لا يجب أن تنسى).

كما نقلت عن الإعلامية الإسرائيلية (عنات سرغوستي) إن (الإسرائيليين أصبحوا مدمنين على المؤتمرات الصحافية (لهاجاري)، متناسين أن الجيش الإسرائيلي يسيطر فعلياً على المعلومات وفقاً لمصالحه، وليس بالضرورة وفقاً لمصالح الجمهور الإسرائيلي.

أما الصحفي السابق في (قناة 13) الإسرائيلية (أمنون ليفي)، فقال إن الصحافة الإسرائيلية خانت عملها حين تحدثت عن 7 أكتوبر بالنسبة إلى إسرائيل، وأعمت الأبصار عما ألحقته الأخيرة بالفلسطينيين في غزة.

وكتب (ليفي): (لقد أعمتنا غريزة الانتقام الإنسانية والمفهومة، وجعلتنا نكمل، وأحياناً نشجع، الضرر الرهيب الذي لحق بمليونين و200 ألف إنسان، من تدمير منازلهم وتجويع أطفالهم.

وبقيامنا بذلك، أخطأنا بحق الفلسطينيين، وأيضاً بحق أنفسنا، ودعت (أحيوطوف) إلى التشكيك في كل المعلومات التي يطلقها مصدر (صاحب مصلحة)، كالناطق باسم (الجيش) الإسرائيلي، كي تسود الحقيقة.

الأمر امتد إلى رقابة صارمة على المحتوى الإعلامي المرتبط بتفاصيل الحرب على (غزة)

الرقابة العسكرية المشددة

هذا التشكيك جاء بالتزامن مع تقرير بالغ الأهمية نشره قبل أيام الصحفي الاستقصائي المعروف (حاجاي ميتر)، بموقع (محادثة محلية – سيحاه مَكوميت).

أكد فيه على أن الرقابة العسكرية لم تفرض سيطرتها على ما يحدث داخل الجيش الإسرائيلي فحسب، بل إن الأمر امتد إلى رقابة صارمة على المحتوى الإعلامي المرتبط بتفاصيل الحرب على (غزة)، و(كل) ما يتعلق بها.

مؤكداً على أن حجم تدخل الرقابة العسكرية في وسائل الإعلام الإسرائيلية يسير بطريقة صارمة وغير مسبوقة، لكل ما يتعلق بالحرب، ومشيراً إلي أن الرقابة العسكرية تفرض تعتيما مشددا على أي خسائر للجيش في غزة، ومنعت نشر مئات المقالات والتقارير العام الماضي.

ولفت إلى أن عدد المقالات الممنوعة من النشر في الصحف والمواقع بلغ 613 مقالا، أي 4 أضعاف ما جرى منعه عام 2022، وتم حذف 2703 مواد إخبارية من القنوات.

وقال (ميتر)، إن الرقابة العسكرية المشددة امتدت إلى ستوديوهات الأخبار، حيث يتواجد ممثلو الرقابة داخل القنوات، ويعملون على مسح وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي للبحث عن أي خرق للأوامر التي أصدروها بشأن ما يحظر نشره.

ولفت إلى أن التدخل الرقابي في الأخبار المقدمة بلغ من 20 بالمئة إلى 31 بالمئة، وفي نسبة الأخبار المرفوضة من إجمالي التدخلات الرقابية، من 7 بالمئة إلى 31 بالمئة، وفقا للبيانات التي قدمها الرقيب العسكري.

وقال إن الرقيب العسكري يتدخل عدة مرات في اليوم، لحجب أي أخبار أو معلومات يسعى الصحفيون لنقلها للجمهور الإسرائيلي، فيما يمنع نشر أي مقال يتناول قضايا أمنية.

رئيس الرقابة العسكرية، العميد (كوبي ماندلبليت)

العميد (كوبي ماندلبليت)

ونقل عن رئيس الرقابة العسكرية، العميد (كوبي ماندلبليت)، مواجهته للكثير من الضغوط السياسية والحزبية فيما يتعلق بقراراتها، وسعى رئيس الحكومة (بنيامين نتنياهو) للدفع بقانون من شأنه أن يزيد نشاط الرقابة، ويروج لاعتقال الصحفيين المخالفين.

وعلى مدار عقود طويلة ظلت إسرائيل تتباهي بأكذوبة أنها واحة الديموقراطية في الشرق الأوسط وظلت أسيرة لها، جاءت الحرب على غزة لتهدم معها أسطورة حاولت إسرائيل تكريسها والترويج لها.

لكن الثابت هو أن الحرب على غزة وكما كشفت عن حالة الضعف والوهن الذي أصابت قادة وجنود الجيش الإسرائيلي ودفعتهم لارتكاب جرائم حرب لا مثيل لها بحق الفلسطينيين.

راح ضحيتها حتي الآن أكثر من 36 ألف شهيد فضلاً عن أكثر من مائة ألف مصاب وعشرات الآلاف من المفقودين،  كشفت كذلك عن أسطورة الحرية الزائفة التي تغنت بها وحاولت إقناع العالم بها، وربما تحمل الأيام القادمة معها المزيد من الفضائح لإسرائيل وتكشف عنها المزيد من الأساطير التي تأسست عليها عبر (إعلام الحرب)!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.