رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

د. ثروت الخرباوي يكتب: سلسلسة (الحشاشين) والحساسين (3)

الجزء الثالث.. فسيخ العامية ولا شَرْبات الفصحى

بقلم المفكر الكبير الدكتور: ثروت الخرباوي

دعنا نتفق أن مسلسل (الحشاشين) هو عبارة عن لوحة فنية جيدة أو أعلى بحسب أنه حدوتة وحسب، لا أكثر ولا أقل، وهو لوحة فنية أقل من المتوسطة بحسب أنه تاريخ أو من وحي التاريخ.

ولكني كنت أتمنى أن تحصل هذه اللوحة على درجة الامتياز مع مرتبة الشرف، فلو كان مسلسل (الحشاشين) حدوتة لا علاقة لها بالتاريخ لشاهدته وأنا في قمة الاستمتاع، فأنا أحب أبطال هذا العمل وخاصة النجم كريم عبد العزيز والنجم فتحي عبد الوهاب.

كما أنه حدوتة عجيبة ومشوقة ومبهرة إذا كانت مجردة من التاريخ، والحواديت تخلب ألبابنا دائما خاصة إذا ما جاءت من أغوار الأزمنة القديمة، نتخيل فيها جداتنا وهي تحكي فتقول (كان يا ما كان في سالف الدهر والأوان) ويا سلام على تلك الحواديت التي شكلت خيالنا وأطلقت أفكارنا.

فعندك مثلا مسلسل (جودر) الذي قام ببطولته الفنان الرائع (ياسر جلال)، وتميز معه فريق العمل كله، ووصل مؤلف العمل (أنور عبد المغيث) إلى أعلى درجات الإجادة في الحوار والسيناريو.

ولأنه كاتب مسرحي لذلك أبدع، ولا أظنه إلا أن يكون أديبا حقيقيا، وقد أدهشني الفنان المبدع (مجدي فكري) بروعة تمثيله لشخصية (شميعة)، وكذلك الفنان الكبير (محمود البزاوي) الذي قام بدور والد (جودر).

وقد كان للمؤلف كل الحرية في نسج قصته بخياله كما يشاء، وكان له أن يخرج عن سياق القصة التي في ألف ليلة ويذهب بها إلى مناحي مختلفة، وأن يطلق على الشخصيات الأسماء التي يراها دون أن يتقيد بالأصل الوارد في القصة المأخوذة من (ألف ليلة)، وإن شاء الله سأكتب عن هذا المسلسل بعد هذه السلسلة.

ولكن من يقترب من التاريخ، توثيقا، أو دراميا أو من وحي التاريخ فعليه الإلتزام بالتاريخ فيما ثبت، وله أن يضيف  بخياله الدرامي الشخصيات التي يراها كما يشاء، فلا يغير من الأسماء الحقيقية في التاريخ، فيطلق على (مرزوق) اسم (مزروق) مثلا.

وخذ بالك من الراء والزين هنا فإننا سنعود لها في المقال القادم، ولا يجوز له تحت مسمى وحي التاريخ أن يغير في الأحداث، فيجعل مثلا شخصيتين تاريخيتين أصدقاء ورفاق طريق وهم في الحقيقة لم يلتقيا أبدا.

لا تغرك البرامج الموجهة التي تجعل من فسيخ (الحشاشين) شربات

فسيخ (الحشاشين) ليس شربات

وقد اتفق معك أن المشاهد العادي، وكلنا عاديون، قد يُعجب بمسلسل (الحشاشين) إذا استقبله بحسب أنه حدوتة من الخيال، والحقيقة أن معظم من أعجب به لم يلتفت إلا إلى تلك الحدوتة المسلية، ولم يعجب به إلا لوجود ذلك النجم بطل العمل صاحب النجومية الكبيرة.

فضلا عن التصوير والمناظر الطبيعية المبهرة، ولكن من يشاهده وهو يعرف التاريخ سيصاب بصدمة كبيرة من الخيال الذي غيَّر التاريخ، وغيَّر الأسماء، وغيَّر الأحداث، وغيَّر طريقة الموت أو القتل، مع أن كل هذا ثابت تاريخيا لا مجال للتلاعب فيه.

ونصيحة مني لا تغرك البرامج الموجهة التي تجعل من فسيخ (الحشاشين) شربات، ولا تغرك كلمات ومقالات الإشادة والمدح، فالمتنبي مدح (كافور الأخشيدي) ثم هجاه بعد ذلك.

ومن مدح الرئيس مبارك في حياته انقلب عليه وهجاه بعد تركه لكرسي السلطة، ومن يمدح فلانا الآن ويعتبره ملاكا أنزله الله من السماء سيهجوه أشد الهجاء في المستقبل وسيصفه بالشيطان الرجيم.

فنحن في الحقيقة من أهل الباطنية!!، نمارسها في حياتنا دون أن نشعر!، ذلك أن كثيرا ممن يمدحون إنما ينتظرون عطاءً من هنا أو هناك، أو يمدحون لأنهم تلقوا الأوامر بذلك، أو يمدحون نفاقا وتزلفا.

أو يمدحون لأنهم لا يعرفون شيئا عن التاريخ وأحداثه فاستمتعوا بالحدوتة المشوقة، والتصوير الرائع، وبعض مشاهد (مُصورة) مسروقة من أفلام أجنبية تم دمجها مع المسلسل لترفع من شأنه، وليذهب التاريخ إلى الجحيم وبئس المصير.

ومع ذلك دعك من هذا كله لأن لي مؤاخذات كثيرة بخصوص لغة مسلسل (الحشاشين)، تلك اللغة التي أجراها المؤلف على ألسنة الممثلين، فقد قالوا إنهم اهتموا بأن تكون لغة المسلسل بالعامية المصرية حتى يصل العمل إلى دائرة أكثر اتساعا من الجمهور.

مسلسل (لاإله إلا الله) بأجزائه، كان ناظقا بالفصحي

مسلسل (لاإله إلا الله)

وأنا لا أعترض على هذا إطلاقا، فلتكن بالعامية، ولكن هل السبب هو ما قالوه فعلا؟! للأسف لا، فلدينا رصيد رائع من مسلسلات الفصحى والتي كانت لها شعبية كبيرة فوق التصور، مثلا مسلسل (محمد رسول الله) بالأجزاء الخمسة له.

وهو من تأليف الأديب الكبير عبد الحميد جودة السحار، وكتب له الشاعر الكبير عبد الفتاح مصطفى السيناريو والحوار، ولم يكن هناك بيت في مصر والعالم العربي إلا وقد شاهد حلقات هذا المسلسل الناطق بالفصحى وتفاعل مع أحداثه.

وكذلك مسلسل (لاإله إلا الله) بأجزائه والذي كتبته الأديبة الكبيرة (أمينة الصاوي)، وهو مسلسل ارتقى بنا بعربيته الفصحى والتي تميزت بالسهولة والبساطة وكان أبطال هذا المسلسل ينطقون العربية الفصحى بتمكن وإجادة كبيرة، خاصة أحمد ماهر وأحمد مظهر وعبد الغفار عودة وزوزو نبيل وفؤاد أحمد وعلي عزب.

 أما السبب الحقيقي عن عدم تقديم مسلسل (الحشاشين) بالفصحى، فهو في أغلب الظن، وبعض الظن حق، لأن الكاتب كان سيضطر إلى كتابة الحوار بالفصحى، والفصحى تأخذ وقتا كبيرا في التدقيق والمراجعة، وتحتاج أيضا إلى مدقق لغوي يراجع بعد الكتابة.

كما أن الحوار بالفصحى غير السرد بالفصحى، يسهل لنا أن نكتب سردا بالفصحى، ولكن الحوار بالفصحى يحتاج إلى إمكانيات وقدرات قد لا تكون متوافرة لدى المؤلف، وهذا لا يعيبه إطلاقا ولا ينتقص من قدره.

ومن باب العلم بالشيء يجب أن نعرف أن الحوار الذي يجري على ألسنة الأبطال يجب أن يتوافق مع ثقافة كل واحد من


شخصيات العمل، كلٌ على حدة، ففصحى شاعر كبير مثل (عمر الخيام) ستختلف حتما عن فصحى جندي لا يعرف إلا الضرب والطعن.

وفصحى شيخ وإمام كبير مثل (أبو حامد الغزالي) ستختلف عن فصحى (بلان) بسيط يعمل في حمامات عمومية، فصناعة الشخصية تستدعي صناعة اللغة التي يتحدث بها، فلا يمكن مثلا أن يخطأ (الغزالي) في نطق العربية بشكل صحيح.

ولكن اللحن والخطأ سيرد على لسان جندي بسيط، ولا يمكن أن يقع (الغزالي) في خطأ في آية من آيات القرآن وهو يلقي موعظة لتلاميذه، هذه أشياء تحتاج إلى جهد كبير ـ هذا إذا كانت في بال المؤلف ـ ولغة (حسن الصباح) الفصحى تحتاج إلى كلمات يشوبها الغموض والألغاز.

مخارج الحروف عندالمثثلين الجدد تخاصم الحروف وتعاديها

القدرة على التمثيل بالفصحى

وينبغي أن تدل في ذات الوقت على أنه صاحب ثقافة واسعة ومنطق في عرض أفكاره حتى يكون مقنعا لمن يستمع له من الأتباع، ومن أسف فإن (حسن الصباح) وكل من استدل من الشخصيات بالقرآن، كلهم وقعوا في أخطاء في تشكيل الآيات، وبعضهم نسي كلمات من الآيات، وهذا قرآن لا ينبغي أن نتهاون في قراءته بدقة.

ومن ناحية أخرى فإن (الفصحى) تستلزم أن يكون الممثلون لديهم القدرة على التمثيل بالفصحى، وهذا أمر لم يكن متوافرا في كل، وأكرر، في كل الممثلين في هذا المسلسل.

فكل مخارج الحروف عندهم تخاصم الحروف وتعاديها، القاف يتم نطقها كاف، والثاء يتم نطقها سين وهكذا، ويبدو أن الفصحى كانت تستلزم وقتا كبيرا لتدريب الممثلين عليها مع أهمية وجود مصحح لغوي.

ولكن يبدو أن الرغبة في سرعة عرض المسلسل حالت دون ذلك، ومع هذا فإنني أوافق على العامية بشرط أن تكون عامية الزمن القديم، وليست عامية زمننا الحالي.

ولنعترف أن العامية بالنسبة للمؤلفين أسهل وتختصر عند الكتابة الكثير من الوقت، وعموما سواء كانت عامية أو فصحى فهي تشبه المثل المصري (كله عند العرب صابون).

 وللعامية في مسلسل (الحشاشين) ستكون لنا مقالة قادمة، وسنكتب فيها تلك الأخطاء العجيبة التي وقع فيها المسلسل في أسماء شخصيات المسلسل، وفي نطق بعض الكلمات.

فهذا من أعجب ما رأيته في هذا المسلسل والذي إن دل على شيء فإنه يدل على استسهال المؤلف وعدم تدقيقه، ويبدو أنه كتبه على عجل، فلتنتظروني في المقال القادم لنستعيذ بالله من جَهَنم المؤلفين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.