رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمود حسونة يكتب: انتهى سباق (رمضان) ولا يزال الجدل مستمراً

بقلم: محمود حسونة

انتهى شهر (رمضان)، وانتهى السباق الدرامي المحموم والذي شاركت فيه كل الجهات المعنية بصناعة الدراما في العالم العربي، شركات وشاشات ومنصات، نجوم ومؤلفين ومخرجين وفنيين.

الكل دخل سباق (رمضان) مدعياً أنه الأفضل حتى لو كان متيقناً أن بضاعته فاسدة خاوية مملة، وبعد انتهاء السباق بدأ أصحاب المصالح في فبركة استطلاعات رأي لاختيار من يريدون مجاملتهم على أنهم الأفضل والأحسن.

والحقيقة أن الجمهور قال كلمته، بل كان يقولها يومياً ويعلن عن ما أعجبه وما لم يعجبه، أشاد وانتقد عبر السوشيال ميديا وفي حفلات الإفطار والسحور، قال رأياً شفافاً من دون أي دوافع أو مصالح.

ولذا فإن استطلاعات الرأي التي تسعى لمجاملة هذا وتلك لم تعد لها مصداقية ولم يعد يلتفت لنتائجها سوى من تختارهم ومن يفبركونها.

رغم أن الجمهور قال كلمته واختار الأفضل وتجاهل الأسوأ من أعمال تم عرضها ودخلت سباق (رمضان) بضجيج مفتعل أملاً في أن تلفت إليها الأنظار، ولكنها خرجت من السباق في صمت تجر أذيال الخيبة بعد أن انصرف عنها الناس وتعاملوا معها كأنها لم تكن.

ورغم ذلك فإن حالة الجدل لم تنته، وتعتمد مدة بقائها على مدى تأثير بعض ما عرض على المشاهد ومدى استحواذه على مشاعرهم، بصرف النظر عما إذا كان بالإيجاب أو بالسلب.

بعض الأعمال الدرامية في (رمضان) تستفزك وتحب أن تتحدث عنها بالسلب، وبعضها يستحوذ عليك وتحب أن تجعل من نفسك داع إليها، وفي الحالتين فقد نجحت هذه وتلك في أن تستثير عقلك وتحفزك فكرياً وتدفعك للدخول في جدل تقول خلاله رأيك وتستمع إلى آراء الآخرين سواءً متوافقة معك أو مختلفة عنك.

من أكثر الأعمال الدرامية إثارة للجدل في (رمضان)، مسلسل (الحشاشين)، الذي أخذ جمهوره معه ليتجول به في عمق التاريخ، يعود به إلى القرن الحادي عشر ويطلعه على أن الدجل باسم الدين ليس صنيعة زماننا ولكنه موروث جيلاً بعد جيل.

الجدل حول حسن الصباح ومسلسل (الحشاشين) بعد (رمضان) سيطول

حسن الصباح رجل من التاريخ

نعم حسن الصباح رجل من التاريخ ولكن من يشبهونه في حياتنا كثر، يتاجرون بالدين ويستبيحون الدماء ويهدمون الأوطان، مفسدون في الأرض يتوهمون أنهم مصلحون، عانينا منهم كما عانى السابقون من الصبّاح وكل الصباّحين على مر الزمان.

بعضنا يختلف مع المسلسل مضموناً ويرفض تصوير الصبّاح على أنه صاحب كرامات، يشفي المرضى ويحرك المشلولين ويتنبأ بالمستقبل وكأنه مطلع على الغيب.

ورغم ذلك فكثيرنا معجب بالحوار المعبّر الذي كتبه السيناريست (عبد الرحيم كمال)، ومعجب جداً بإخراج (بيتر ميمي) وبالمجهود الإبداعي لفريقه الفني، ومنبهر بأداء (كريم عبدالعزيز) وآخرين من شركائه في تمثيل شخصياته المختلفة.

الجدل حول حسن الصباح ومسلسل (الحشاشين) بعد (رمضان) سيطول وسيمتد لأنه مسلسل ترك بصمة في مشاعر وفي عقول مشاهديه.

الدراما عندما تخرج عن المألوف تترك أثراً فيمن يشاهدها، ومن الأعمال المتجاوزة للنمطية في موسم (رمضا) مسلسل (صلة رحم)، الذي ناقش قضية حساسة، محرّمة دينياً ومجرّمة قانونياً ومرفوضة اجتماعياً.

ورغم ذلك فهي الأمل للمحرومين من نعمة الإنجاب، إنها قضية تأجير الأرحام، التي لا يمكنك أن تقبلها في المطلق التزاماً بالتعاليم الدينية، ولكنك لو وضعت نفسك مكان من لا طريق سواها أمامهم لكي ينعموا بالأبوة أو الأمومة فسوف تتعاطف معهم إنسانياً.

ومن هذا المنطلق فإن طرحها درامياً كان بمثابة إلقاء قنبلة في فضاء مسكون بالصمت لتحدث دوياً هائلاً ومزلزلاً، وهذا ما فعله السيناريست (محمد هشام عبية)، الذي اختار أن يتحدث عن أمر مسكوت عنه، ليقدم قضيته بحرفية عالية لا تتجاوز التعاليم الدينية ولا تخرج عن القانون.

ولكنها فقط تدعو للتفكير وإعمال العقل، المسلسل ليس سوى دعوة للتفكير في وجع المحرومين من الإنجاب، وأيضاً التفكير في الفتيات اللائي دفعتهن سذاجتهن أو ظروفهن للحمل بطريقة غير مشروعة وينبغي فضحهن ووأدهن أو التجاوز عن الغلطة الأولى ومنحهن فرصة للتعلم والعودة للطريق المستقيم.

وهي دعوات عبّر عنها المخرج (تامر نادي) بحرفية عالية وقدمها بإيقاع سريع واستخرج من أبطاله أفضل ما لديهم تمثيلاً وفي مقدمتهم (إياد نصار) الذي قدم واحداً من أفضل أدواره.

شخصية متوترة عصبية تائهة وضعت إياد نصار في مكان مختلف

(إياد نصار) طبيب التخدير

الدكتور حسام طبيب التخدير الذي تسبب في فقد زوجته لجنينها واستئصال رحمها ويقرر وحده استئجار رحم سيدة للتكفير عن ذنبه في حق زوجته ومساعدتها أن تكون أماً وأن يكون هو الآخر أباً.

وهو القرار الذي يرفضه كل المحيطين به، شخصية متوترة عصبية تائهة وضعت إياد نصار في مكان مختلف على خريطة الفنانين أصحاب المواهب العالية، وكذلك تألقت أسماء أبو اليزيد وقدمت (يسرا اللوزي) المطلوب منها.

مسلسل آخر يتلاقى مع (صلة رحم) إبداعاً وطرحاً هو مسلسل (بدون سابق إنذار)، ويتناول قضية تبديل الأطفال في المستشفيات عقب الولادة، وفي هذا المسلسل يتم اكتشاف هذه الحقيقة بعد ثماني سنوات بالصدفة.

وهو ما يثير تساؤلاً حول علاقة الوالدين بالولد الذي كبر أمام أعينهما وتعلقا به، وهل يعيداه لأهله الحقيقيين ويستردان ابنهما أم يلزمان الصمت أم يلجآن لحل ثالث، قضية تضع المشاهد في حيرة حتى تكون المفاجأة في الحلقة الأخيرة.

هذه المسلسلات الثلاثة هى الأفضل في رمضان تمثيلاً وتأليفاً وإخراجاً والأكثر إثارة للجدل الإيجابي، وكل منها يستحق الكثير من الكلام الذي يمكن أن يقال عنه.

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.