بقلم: محمود حسونة
(أحمد سعد) عمل الواجب، الواجب الذي ينبغي أن يفعله كل مقتدر محب لوطنه حريص على أن يتجاوز عثراته، مدركا لأبعاد المؤامرات التي تحاك ضده، منتبه إلى أن خلخلة بنيانه هدف يسعى له أعداؤه، خائف على مستقبل الوطن ومستقبله الشخصي ومستقبل أولاده.
واع إلى أن غد الأوطان لا ترسمه فقط الحكومات، ولكن جميع أبنائه، فالوطن ليس مجرد مكان نعيش فيه ولكنه موروث وحاضر ومستقبل، أرض وعرض، شرف وكرامة، واقع وحلم، ذكريات وآمال، هوى وهوية، أمان واستقرار، سكينة وطمأنينة، نرسم ملامحه ويرسم ملامحنا وملامح أبنائنا وأحفادنا، يتغلغل فينا ماضيه ونحلم به ومنه للمستقبل.
لا يخفى على أحد أن مصر تمر بأزمة اقتصادية، سعر الدولار يحلّق، وخلفه تلهث الأسعار، وترتفع نسبة التضخم، أزمة كثيرها مفتعل ومخطط له وقليلها حقيقي، ولكن الضجيج حولها لا محدود.
يزايد المشككون في قدرة مصر على الوفاء بالتزاماتها تجاه المدينين، وهى التي لم تعرف عبر تاريخها سوى الالتزام تجاه كل من له حق عليها، ويستغل المتربصون الأمر ويسعون لتوظيفه سياسياً عبر قنوات الجماعة الإرهابية وإعلاميو وذباب المرشد الالكتروني.
كلام كثير وفوضى على مواقع التواصل، تصور لمن لا يعرفون مصر التاريخ والحضارة، الدولة الوحيدة في العالم التي لم تتغير حدودها منذ آلاف السنين، تصورها لهم أنها على شفا الانهيار، غير متعظين من دروس التاريخ ولا مدركين أن الشعب الذي ثار في 30 يونيو على ثورته في 25 يناير لا يقبل بأي حال أن يقع وطنه مهما كانت التحديات.
فطرية تصرف (أحمد سعد)
الأزمة التي تعيشها مصر دفعت المغني (أحمد سعد) لأن يبادر من خلال فيديو عبر حسابه الشخصي على أحد مواقع التواصل معلنا تبرعه ب 50 ألف دولار لدعم الاقتصاد المصر.
وذلك من خلال كلمة تكشف فطرية تصرفه حيث قال: (طبعاً إحساسي أن مصر بتمر بمشكلة اقتصادية أصبح شيء بيسبب ليا أرق ويتعبني جداً، ودايماً بفكر أنا في إيدى إيه أعمله).
وأضاف (أحمد سعد): (الصراحة حسيت إنى لازم أعمل حاجة وقررت إني أتبرع بمبلغ 50 ألف دولار من أجر حفلاتي اللي بقبضها بالدولار خارج مصر لصالح الاقتصاد المصري، وده شيء أكيد لا يذكر لحجم الاقتصاد عندنا..
ولكن هي مبادرة طالعة مني ولا حد وجهني ولا حد قالي أعمل أي حاجة ده شيء طالع من نفسي حتى أنا مش عارف لسه أديهم لمين أو أعمل إيه، ولكن هو شيء عشان أحس إحساس كويس تجاه مصر بلدي حبيبتي..
وأي حد هيعمل زيي هيحس إحساس حلو بنفسه وأكيد بلده هتحس بيه حتى لو هي حاجة صغيرة، ويارب كل حاجة وحشة تبعد عننا ونقابل كل حاجة حلوة).
كلام (أحمد سعد) تصدقه وتحسه طالع من القلب، ورغم ذلك لم تنتبه له برامج المكلمات اليومية التي تتزاحم بالغث على الفضاء المصري.
وبمعنى أصح فقد تجاهله سادة هذه البرامج وصناع القرار التليفزيوني باستثناء الإعلامي أسامة كمال في برنامج (مساء dmc) ليؤكد أنه دوماً الإعلامي الذي لا يعمل وفق أجندات ولا حسابات مصلحية.
ليس غريباً أن يتجاهل الإعلاميون الذين يهرولون وراء أخبار الزواج والطلاق والنميمة والخناقات والفضائح مبادرة )أحمد سعد( الذي وضعهم وغيرهم من أصحاب الثروات في موقف حرج.
ولا يجدون أمامهم سوى الهروب من الحديث في هذا الأمر حتى لا يشيدون بما لا يفعلون، ولا ينتقدون فعلاً لا يستحق سوى التقدير، ولا ينتقصون من رصيدهم المتلاشي المزيد.
(أحمد سعد) ليس أغنى فنان
(أحمد سعد) ليس أغنى فنان في مصر، وليس أغنى شخصية عامة في مصر، وليس الوحيد الذي يغني في الخارج ويتقاضى أجره بالدولار، ولكنه أثبت بهذه الخطوة أنه فنان يحس بأزمات بلاده، ولا يريد أن يقف متفرجاً عليها وسهام اللئام تصوب إليها من كل حدب وصوب.
ورغم فعل (أحمد سعد) فهو ليس أول من يتبرع لصالح مصر، وكلنا نعرف أن نجم كرة القدم وفخر العرب في الملاعب العالمية محمد صلاح من السباقين لمؤازرة بلاده، يتبرع في صمت ويبني بلا ضجيج، ويعول أسراً من دون أن يعرف أحد.
وقد سبق وتبرع لصالح صندوق تحيا مصر، وتبرعاته تتجاوز مصر إلى الأشقاء وآخر تبرعاته كانت لصالح غزة وشعبها المحاصر والموجوع من جراء العدوان الإسرائيلي الغاشم عليه.
قد يكون لدينا فنانون يتبرعون في صمت، ويؤازرون مصر من دون أن يدري أحد، ولكن الإعلان عن مثل هذه السلوكيات من شخصيات عامة يمكن أن يشكّل تحفيزاً للآخرين لسلوك مسلكه.
الفنانون ليسوا ملائكة ولا شياطين، هم منا ونحن منهم، ينتظرون التصفيق عندما يصيبون، ويستحقون التصويب عندما يخطئون، و(أحمد سعد) من الفنانين الذين نالوا التصفيق أحياناً ونالوا النقد أحياناً.
لديه أخطاء معروفة للجميع، ولديه أغنيات اخترقت القلوب واستحسنتها الأذان، ونال ما يستحق في الحالين، وهو من النجوم المثيرين للجدل، ولكنه هذه المرة عمل الواجب مع وطنه فعمل معه الناس الواجب ورفعوه فوق الأعناق على مواقع التواصل.
أما الفريق الآخر المتمثل في كتائب المرشد والذين لا يريدون أي خير لبلادنا فمن الطبيعي أن يزعجهم فعله ويسخرون منه، الفريق الثالث والذي يتمثل في الإعلاميين المهرولين وراء أخبار النميمة فقد التزموا الصمت المريب.
وهذا هو عهدهم مع كل فعل أو خبر أو حدث لا يستهويهم ولا يستهوي مشغّليهم.