رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(الأرض).. ملحمة (يوسف شاهين) التى أبرزت قدرته التكنيكية المذهلة

كتب : أحمد السماحي

من أهم أفلام السينما المصرية التى لديها شعبة كبيرة عند الجمهور المصري والعربي فيلم (الأرض) الذي أوصل مخرجه (يوسف شاهين) إلى العالمية، كما ذكر هو في حوار له مع أستاذنا قصي صالح الدرويش، فى مجلة (سينما).

حيث قال: فيلم (الأرض) هو الذي عرف الآخر بي، فكان الفنان والناقد الفرنسي (جان لوي بوريه) موجود بالمصادفة في لبنان أيام الحرب، وينزل فى (أوتيل) وعندهم صعوبة فى الخروج منه، وعرض فيلم (الأرض)، ورأه وانبهر به، وكتب مقالا مازلت أحتفظ به، وبعدين عزمني لليونيسكو ومن يومها مشيت الحكاية.

عرض الفيلم عام 1970، وعرض معه في نفس العام 47 فيلما من أبرز هذه الأفلام “غروب وشروق، الحب الضائع، السراب، نار الشوق، أشياء لا تشترى، كانت أيام، فرقة المرح، نحن لا نزرع الشوك، دلال المصرية، الأشرار، لصوص على موعد، حب المراهقات، باحبك يا حلوة، سوق الحريم، نهاية الشياطين، هاربات من الحب، أوهام الحب” وغيرها.

غلاف رواية الأرض لعبد الرحمن الشرقاوي

قصة فيلم (الأرض)

تدور أحداث فيلم (الأرض) عام 1933 حيث كان الفلاح المصري يعاني من تسلط الحكومة والإقطاع، وفى إحدى القرى يتحكم الإقطاعي محمد بك فى حياة الفلاحين فيستحوذ على مياه الري أكبر فترة، فتزدهر زراعته، ويحدد للفلاحين عشرة أيام فقط لري أراضيهم ثم يخفضها إلى خمسة أيام، ولا يكتفي بذلك بل يعلن أنه سينتزع قطعة من أراضي الفلاحين لشق طريق يصل قصره بالطريق العمومي.

 وعندئذ يهب الفلاحون للدفاع عن أرضهم وعلى رأسهم  محمد أبوسويلم (محمود المليجي) الذى أشترك في الحرب ضد الإنجليز، ويتزعم أحد شباب الفلاحين عبدالهادي (عزت العلايلي) تيار الثورة داخل القرية، وينضم إليه محمد أفندي (حمدي أحمد) الذي يذهب إلى عمه الشيخ (حسونة) يحيي شاهين، الأستاذ بالأزهر من أجل مساعدتهم لرفع الظلم، لكنه لا يفعل أي شيئ، ويتمكن الإقطاعي من أغرائه بإستبعاد أرضه من الأرض المنزوعة.

أثناء ذلك تدور في (الأرض) قصة حب بين  وصيفه (نجوى إبراهيم) إبنة محمد أبوسويلم، وعبدالهادي، تتطور الأحداث عندما يرسل الإقطاعي رجال البوليس لإرهاب الفلاحين ويصاب (أبوسويلم) خلال تصديه للبوليس ويضربه المأمور ويجرجره على الأرض أمام أهل القرية حتى يكون عبرة لهم، لكنه ظل متمسكا بأرضه التى أفنى فيها حياته.

…………………………………………………………………………….

أبو سوليم يتوسط داره في لحظة تأمل

نقد فيلم (الأرض)

لست أذكر عدد المرات التى شاهدت فيها (الأرض) ولكنني وجدت نفسي مشدودا لمشاهدته في التليفزيون وأنا الذي أحفظه عن ظهر قلب وكأنني أشاهده لأول مرة وأكتشف عالما جديدا من الصور والأصوات التى تحملني إلى كوكب آخر.

لقد كان (الأرض) كوكبا آخر بالفعل بالنسبة لما تقدمه السينما المصرية الآن، أو لعل السينما المصرية الآن هى الكوكب الآخر بالنسبة لـ (لأرض)الذي كان يمكن أن يكون هو (كوكبنا الحقيقي).

وذكرتني إعادة رؤية (الأرض) بأشياء عديدة  فنحن هنا أمام قرية مصرية حقيقية وفلاحين حقيقيين يواجهون مشاكل حقيقية هي مشاكلهم أمس واليوم أيضا، وإن تغيرت بعض الصور، و(يوسف شاهين) الذي كان متهما دائما بأنه (خواجه)هو في هذا الفيلم فلاح مصري حتى النخاع، يقدم لمسات ولمحات كبيرة وصغيرة لا تصدر إلا عن فهم كامل على كل المستويات السياسية والإجتماعية والأخلاقية للفلاح المصري.

يوسف شاهين يوجه التعليمات من أعلى

قدرة (يوسف) التكنيكية المذهلة

وفوق قدرة (يوسف) التكنيكية المذهلة في صنع عمل كبير كهذا، فهناك أولا هذا الفهم الصحيح لمشكلة (الأرض) والفلاح، ولكن ما لابد أن نتذكره أيضا هو سيناريو (حسن فؤاد) الذي كان محاولاته الأولى والأخيرة فى السينما، ولسبب غير مفهوم توقف عن الكتابة للسينما بعد هذا الفيلم، وهو بالتأكيد خسارة كبيرة للسينما المصرية.

وإلى جانب (محمد أبوسويلم) أو(المليجي)العظيم فى قمة أعماله السينمائية كلها، و(يوسف شاهين) هو أفضل من يدير (المليجي)، فهناك جيش هائل من الممثلين الكبار والصغار، وهناك اكتشافات (يوسف شاهين) الجريئة التى لا تتوقف (نجوى إبراهيم، وعلي الشريف، وصلاح السعدني)، وهناك احتضانه المتكرر والواثق لموهبة عزت العلايلي.

و(الأرض) تأكيد آخر على أن ما ينقص (يوسف شاهين) كمخرج عظيم هو سيناريو عظيم، كما هو دليل على أن ما تحتاجه السينما المصرية من (يوسف شاهين) ليس هو الأساليب العالمية الحديثة والمركبة التى لن تصل إلى الناس لأنها ليست من عالمهم الحقيقي، وإنما هو مجرد العودة إلى البساطة.

الناقد سامي السلاموني – ( مجلة الأذاعة والتليفزيون) 5/ 4/ 1980

…………………………………………………………………………….

شاهين يرتب للمشهد قبل تصويره

مفاجأة جميلة حملت اسم (الأرض)

رغم أن المشاهد العربي كان قد تعرف على المخرج السينمائي العربي (يوسف شاهين) منذ أفلامه الأولى ابتداءا من (بابا أمين 1949)، مرورا بـ (صراع في الوادي 1954)، وصراع في الميناء 1956،باب الحديد 1958)، وانتهاء بـ (الناصر صلاح الدين 1963).

فإن هذا المشاهد لم يستطع منع نفسه من الإحساس بأنه أمام مخرج آخر تماما، أوعلى الأقل أمام مخرج استطاع أن يجدد نفسه وأسلوبه ولغته في وقت وجيز، وأن يقدم له تحفة سينمائية رائعة ومفاجأة جميلة حملت إسم (الأرض).

وإذا كانت معظم الأفلام المقتبسة عن روايات فى العالم بأسره لا في الوطن العربي فحسب، تبدو أضعف وأبهت من الأصول المأخوذة عنها، فإن فيلم (الأرض) وبعكس ذلك، يبدو أقوى وأكثر إحكاما بكثير من أصله الروائي، ويعود ذلك دون شك إلى العمل الجبار الذي بذله الفنان (حسن فؤاد) في تحويل الرواية إلى سيناريو وحوار.

يقدم لنا كل أحداثها وشخصياتها بلغة سينمائية مختزلة، متخلصة من التمطيط السردي، بل والخطابي أحيانا، الذي يطبع كثيرا من فصولها مع التركيز على الأحداث الأساسية والأبتعاد، قدر الأمكان عن القراءة الأساسية لتلك الأحداث، مفضلا عليها قراءة ذات طابع إجتماعي، ثقافي إن صح التعبير.

أهل القرية يدعون الله عز وجل بأن يزيل ظلم الانجليز

المضمون السياسي لـ (الأرض)

وإذا كان فيلم (الأرض) قد حقق إجماعا والتفافا حوله لا مثيل له في تاريخ السينما العربية، التقى فيه النقاد وعامة الجمهور فى مختلف البلدان العربية، فلعدة اعتبارات يندر توافرها أو اجتماعها في وقت واحد وعمل واحد، فهناك أولا قوة النص المقتبس من حيث مضمونه السياسي، وتضمنه لقيم كونية تخترق الزمان والمكان من قبيل رفض الظلم والعدوان والإنتصار للحق والخير، وهناك ثانيا عين مخرج زكي ذى قدرة فذة على تركيب مكونات العمل السينمائي، انطلاقا من االذي أجاد “حسن فؤاد” اقتباسه وكتابة السيناريو والحوار الخاصين به، ثم هناك ثالثا وأخيرا الظرف السياسي الذي عرض فيه الفيلم، والمتميز باندلاع حركات الاحتجاج الشعبية وتصاعدها في مختلف أرجاء الوطن العربي، فقد كان المشاهد العربي يرى من خلال أحداث الفيلم الذي تدور أحداثه في الثلاثينات صورة واقعه وقت عرض الفيلم ودعوة إلى التشبث بالأرض والتمسك بالهوية والدفاع عن الذات.

الناقد (مصطفى المسناوي) – مجلة سينما 2004

…………………………………………………………………………….

ينعي حظه العاثر لابنته وصيفة

رواية (الأرض)

صدرت الطبعة الأولى من رواية “الأرض” ضمن سلسلة الكتاب الذهبي خلال شهري مايو ويونيو عام 1954، وأثارت ضجة في وقتها لأنها كانت أول رواية ظهرت بعد ثورة يوليو 1952 تتعرض بالنقد لعهد ما قبل الثورة، ولأنها اتخذت من الريف مكانا لها بدلا من المدينة، ومع سعيها لأن تقدم لنا الأحداث والوقائع من زواية نظر القرية المصرية، دون أية إسقاطات ” حصرية” عليها، متخذة موقفا لا لبس فيه إلى جانب الفلاح والمستضعفين عامة ضد كل هيمنة إقطاعية.

…………………………………………………………………………….

يوسف شاهين يتحدث

يقول (شاهين)في حواره المنشور في مجلة (الفنون) عام 1971: أستطيع أن أقول هذه أول مرة أكتب سيناريو ينبع كاملا مني، كنت دائما أتدخل في السيناريو وأوجهه، لكن هذا السيناريو مني أنا.. لقد ساعدتني بالصدفة ظروف مالية في أن أتفرغ لكتابة السيناريو قبل التصوير.

…………………………………………………………………………….

بوستر الفيلم

بطاقة الفيلم:

قصة : عبدالرحمن الشرقاوي

سيناريو وحوار : حسن فؤاد

تصوير : عبدالحليم نصر

مونتاج : رسيدة عبدالسلام

موسيقى : علي إسماعيل.

إنتاج : المؤسسة العامة للسينما

تاريخ العرض : 26 / 1 / 1970

دار العرض : ريفولي

مدة العرض : 7 أسابيع

الإيراد الصافي : 13619

بطولة: (محمود المليجي، نجوى إبراهيم، عزت العلايلي، يحيي شاهين، حمدي أحمد، صلاح السعدني، علي الشريف، فاطمة عمارة، عبدالرحمن الخميسي، توفيق الدقن، عبدالوارث عسر، حسين إسماعيل، أشرف السلحدار، عبدالمحسن سليم).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.