رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

بهاء الدين يوسف يكتب: حرب (غزة).. فنانون على خطى (جنوب أفريقيا)

بقلم: بهاء الدين يوسف

إذا كان موقف (جنوب أفريقيا) المشرف بمقاضاة إسرائيل في حرب (غزة) عبر محكمة العدل الدولية يستحق كل التقدير والاحترام الذي حصل عليه خصوصا في ظل الغياب شبه الكلي للمواقف العربية، فإنه يجب أن يفتح اعيننا على مواقف مشابهة من اهل الفن الاجانب.

فقد هب بعضهم للدفاع عن غزة في غياب الكثير من أهل الفن العرب المشغولين بالجري على (أكل عيشهم) أو أكل الجاتوه حسب نصيحة ملكة فرنسا الشهيرة ماري انطوانيت التي كانت تعيش في برج عاجي مع زوجها لويس السادس عشر لدرجة انها لم تكن تعرف أن هناك في بلادها من لم يكن يجد الخبر ليطعمه لاطفاله، لتكون أشهر من أصيبوا بمرض (الاغتراب عن الواقع)

نفس المرض أصيب به كثير من الفنانين العرب الذين ليس فقط فقدوا الإحساس بالناس واهتماماتهم، وإنما وصلوا الى مرحلة الاستهانة بأي معاناة يواجهها جمهورهم الذي صنع شهرتهم، وفي القلب منها حاليا المآسي الانسانية اليومية التي يكابدها أهلنا في (غزة).

الأمثال على هذه الحالة كثيرة ومنتشرة في أغلب أنحاء الوطن العربي، رغم أن الصورة ليست سودوادية تماما بوجود فنانين حقيقيين يشعرون بهموم الناس ويسعون للتخفيف عنهم ولو بالكلمات الطيبة وهؤلاء ايضا كثيرون.

ومثل حالة (جنوب أفريقيا) التي جندت قواها للدفاع عن مبدأ إنساني نبيل هو الحق في الحياة والذي كان يفترض أن العرب أولى بالدفاع عنه، بادر عدد غير قليل من الفنانين الغربيين بانتقاد ما يتعرض له أهل (غزة) من إبادة جماعية، بل وشارك بعضهم في مظاهرات مؤيدة لوقف الحرب فورا.

سكان (غزة) لم يبالوا بعواقب أفعالهم في مواجهة اللوبي اليهودي

سكان (غزة) لم يبالوا بأفعالهم

القاسم المشترك بين الدولة الأفريقية وهؤلاء الفنانين أن الطرفين وهما يقدمان على الدفاع عن سكان (غزة) لم يبالوا بعواقب أفعالهم في مواجهة اللوبي اليهودي الذي يعتبر الأقوى تأثيرا في السياسة والفن، بينما لدينا فنانين بادروا ببيع بعضهم البعض ليس من أجل مستقبلهم الفني وإنما لقبض حفنة دولارات زائدة عن (المعلوم).

إقرأ أيضا : بهاء الدين يوسف يكتب: لماذا تنجح (إسرائيل) عادة في كسب معارك الدعاية؟! (1)

هل المشكلة أن النجوم العرب المحدثين الذين تجاهلوا حقيقة أن الفن رسالة قبل أن يكون وسيلة للترفيه، وتحولوا إلى ما يشبه ماكينات الـ (ATM) كل ما يهمه تعبئة فراغهم الداخلي بالأموال؟!، أم أنهم مجرد انعكاس لحالة الانهزامية التي ضربت مجتمعاتهم وافقدت الشعوب شعورها بإنسانيتها؟!

لماذا افتقدت مجتمعاتنا نجوما مثقفين يدركون رسالتهم الفنية والاجتماعية ويسعون لقيادة التغيير نحو الأفضل، مثل الراحل نور الشريف وأحمد زكي وعاطف الطيب ومحمود يس وصلاح السعدني وغيرهم ممن قدموا اعمالا ساهمت في تحفيز همم الشعوب. 

لماذا لم يعد الفن العربي يقدم أفلاما من عينة (انتبهوا ايها السادة، البريء، سواق الأتوبيس، وناجي العلي)؟!، ولماذا ابتعد الفنانين العرب عن قضايا أوطانهم ومشاكل مجتمعاتهم ليكتفوا بتقديم التابلوهات الراقصة والهزلية التي كانت تقدم عادة في الملاهي الليلية وفي السيرك وليس على الشاشات؟!

ما يتعرض له أطفال (غزة) لفت انتباه أنجلينا جولي

ما يتعرض له أطفال (غزة)

هل ما يفعله الفنانون الأجانب نتاج عيشهم في مجتمعات تحترم الإنسانية وحقوق الانسان ولو بشكل جزئي وتمييزي؟!، ما الذي كان يضير نجمة مشهورة مثل (أنجلينا جولي) أن تكتفي بالصمت مثل حال الشعوب العربية.

وتأسى على ما يتعرض له أطفال (غزة) في منزلها بدلا من أن تعلن موقفا علينا مؤيدا جلب عليها الكثير من (وجع الراس) وأولهم من والدها الممثل (جون فويت) الذي اشتهر بأدوار الشر في أفلام هوليوود؟!

ما الذي يدفع نجمة مثل (سوزان ساراندون) للنزول في مظاهرات والبقاء لساعات طويلة في الشارع مع المؤيدين لوقف الحرب وإغاثة أهل (غزة)، متجاهلة المصير الفني الأسود الذي ينتظرها والذي طال قبلها فنانين تجرأوا على انتقاد اليهود.

مثل (بن أفليك) الذي تربص له النقاد الفنيون لسنوات بعد قوله أن حق الفلسطينيين في الحياة قبل حوالي عقدين من الزمن.

إقرأ أيضا : بهاء الدين يوسف يكتب: (هوليوود).. والفضائيات في خدمة المخطط الصهيوني (2)

الكلام يطول والأسئلة تزداد إلحاحا دون ردود مقنعة، وهو ما يعيد الى ذاكرتي الجملة التي تنسب للإمام (محمد عبده) بعد عودته من المنفى في فرنسا إلى مصر في نهايات القرن التاسع عشر والتي قال فيها (وجدت في الغرب إسلاما بلا مسلمين، بينما هنا يوجد مسلمون بلا إسلام).

يمكن إجراء تعديل بسيط في جملة الإمام الشهيرة لنجعلها أكثر انطباقا على مواقف الفنانين المتباينة من المجازر الإسرائيلية التي ترتكب في (غزة) لنقول أن في الغرب عروبة دون عرب، بينما لدينا عربا لاتجري في أوردتهم نقطة دم عربية، وربما تخلو تلك الأوردة من الدم على الإطلاق.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.