رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(نجاة الصغيرة).. في محبة سيدة المشاعر الدافئة

بقلم : محمد حبوشة

هى سيدة المشاعر والأحاسيس الدافئة الجميلة التي تنساب مع صوتها وأنت تحلق معها في عوالم سحرية نابضة بالحب والحنان، وكما هو معروف فالحب هو حياة القلوب، وما أروع العيش وأنت تغوص مع (نجاة الصغيرة) في ضوء حبك وتطير على جناح صوتها في نسيم هواك كفراشة تبتسم وتنثني بين الصخور.

كصبي يلهو وراء الفراشات الملونة، وعلى إيقاع نبرات (نجاة الصغيرة) العذبة الدافئة حتما ستقول بينك وبين نفسك: بقربك أن أصبح أسعد مخلوق في هذه الدنيا وأفضلهم حظا على الإطلاق، دعني أتنفسك، فحبك يهيمن على إحساسي ويصيب قلبي برعشة لا تنتهي، قد يكون التعود أكثر وجعا من الحب.

فحين نحب يمكن أن ننسى، ولكن إن اعتدت على أحد لن تتخلص منه بسهولة، خاصة إذا كان الاعتياد على إيقاع صوت (نجاة الصغيرة) .. فكيف إذا اجتمع الحب والاعتياد في قلب شخص عاشق لفنها الغنائي الأصيل.

امتلكت الشجاعة الفنية في تقديم نفسها للأجيال الجديدة

نجاة الصغيرة).. مشاعر وأحاسيس

إطلالتها المميزة من خلال (مهرجان جوي أوورد) قبل يومين، حين تغنت (نجاة الصغيرة) بأجمل ما قيل عن المشاعر والأحاسيس في (عيون القلب) يؤكد أن الحب لا يحتاج إلى رص كلمات ولا حفظ مقطوعات وأشعار وإنما يحتاج الصدق في المشاعر إذا تعثرت  وتلجلجت في حديثك مع من تحب إعلم أنك تعشقه حد الخيال وأنت تردد كلمات أغنياتها التي تسمو بمشاعرك عاليا وهو داعب خيال الجمهور العربي كله في تلك الليلة الرائعة في (موسم الرياض).

فالحب مشاعر وليس كلمة، والحب من أكثر ما يسعد الشخص في حياته، وهو لا يعرف المتعلم من الأمي بل يعرف القلب الذي يتدفق منه المشاعر والأحاسيس الجياشة على طريقة (نجاة الصغيرة) التي بمقتضاها يرى المُحب محبوبه حيث يجد الدنيا تفتح ذراعيها له ويجد المشاعر تتحرك والأمواج تتلاطم ويقف لسانه عن الحديث.

وهذا ما يحدث لنا جميعا مع كل أغاني (نجاة الصغيرة)، فهى صوت الحب فى زمانها.. وفى زماننا.. وفى كل زمان.. هى القادرة أن تمنحك طاقة إيجابية تواجه بها عبث الحياة.. وقادرة أن تجعلك تشعر بجمال الحياة، وقادرة على خلق قلب جديد بين ضلوعك يعرف معنى جديدًا للحب والحياة، ولا أحد يستوعب ذلك إلا عشاق صوتها.. القادرون على تمييز الجمال.. وتمييز النقاء.

شابة تتطلع لمستقبل في الغناء والسينما
مضت كعصفورة في الغناء نحو أفق من الغيوم

صدق الحب لـ (نجاة الصغيرة)

صدق الحب يأتي من صدق قلب (نجاة الصغيرة) حين تبث إليك المشاعر كأنك من أوجدها تفضل البقاء بجوارها تستمتع بدفئ صوتها وكلماتها التي تنساب في عذوبة على لسانها، وعلى الرغم من ارتدائك معطفا فاخرا يقيك من برد هذا الأيام الشتوية.

إلا أنه يبقى عاجزا عن أن يمنحك دفئ المشاعر الفياضة من نهر إبداعها المفعم باللألئ والأصداف من كلمات راقية وموسيقى آسرة وصوت يجلب المحبة والحنين، ويبقى دفئ المشاعر عبر صوتها قريبا من قلبك ونبرتها محفوظه في ذاكرتك، لأنها تملك القدرة على أن تلتحف الدمعة و تغفو مع الأحزان، وهذا في حد ذاته إحساس جميل كله دفئ يمر عليك وأنت تبتسم وتقول: الله على هذاك الإحساس.

مع صوت (نجاة الصغيرة) وأنت تهيم في دنيا الخيال والأحلام يمكنك أن تبث أشواقك إلى محبوبك كأسراب الطيور التي تبحث عن دفئ المشاعر وترتوي بماء الوجود، وحتما ستقول له : أشتاقك شوق الصحاري للمطر، شوق الليالي للقمر، شوق الثلج يلقى الدفى، اشتاقك بعد سموم الصيف تنتعش بربيعك.

ومن ثم تتساقط أوراقك بالخريف وعندما يحل الشتاء فقط تستكن وتبحث عن الدفئ .. هكذا هى الحياة مجرد حلم .. وهى تدعك قائلة اقترب مني فالرحيل الطويل أفقدني الدفئ في قلبي و بدأت أشعر بالبرد.

تطل عليك (نجاة الصغيرة) دوما في صباح عفي بثغرها الباسم ويبدو وجهها الوضاء تشرق شمسه، حيث يعلو جبينها البشر والسرور لتنشر الدفئ والنور فتغرد كالطيور، وتبدو في كل حالتها عاطفية جدا كمعطف شتاء ملتف حول جسد نحيل يتشرب منه الدفئ يتمنى أن يعيش معه حياة أفضل بلون أزهى بعيد عن الرماديات وقطع الجلد البالية.

فتلك النبرة الحنونة و المميزة جدا في صوتها تأخذ الوجدان و تبهج القلب، وهنا نحلق مع أغنياتفي لحظات من السمو والرقي، تلك الحالة هى التي شكلت أحاسيسنا منذ الطفولة وحتى اليوم.

انطلقت منذ بدايتها بثوب فني جديد يحمل بصمتها الخاصة

إطلالة (نجاة الصغيرة) في 2017

بصوتها الدافئ وإحساسها الذي طالما أطرب الملايين من محبيها، أطلت (نجاة الصغيرة) مع بداية عام 2017 ببريقها المعهود، لتبوح من جديد بكل ما تركه غيابها من شجن وطرب وحنين موسوم بألق الأصالة التي كرسها بكل جدارة صوت قيثارة الغناء العربي الحديث، ولم تعد نجاة الصغيرة، بالضبط، إلى الغناء، في مفاجأتها (كل الكلام).

بل أرادت، ربما، إطلالة مغايرة، بالصوت فقط، لتكون خير شاهد على زمن الرداءة الوفيرة في الوقت الراهن، من زمنها هى، وقد كان وقتا ذهبياً للأغنية العربية، ولكن كل ذلك لا لشيء إلا لنسمع نجاة تغني في عامها الثمانين، لنراها بكامل ناقتها التي نعرف، وبدفء حضورها البديع، وبشبابها الذي لا يغادرنا أبدا.

صوته (نجاة الصغيرة) لا يشيخ رغم عوامل الزمن وغبار السنوات العجاف في شكل وملامح الأغنية الحالية، بل يبقى مقيما على الحنان الغزير فيه، وعلى التمهل المطبوع به،  فمن منا في وسعه أن يعتزل السماع إلى (صاحبة السكون الصاخب)، كما وصكلفها محمد عبد الوهاب،.

ولم يكن موفقا تماما، وظل الأجمل من كثير لقبت ووصفت به تسمية كامل الشناوي لها أنها (الضوء المسموع)، فصوت نجاة مضيء حقاً يبعث فيك عندما تسمعه بعض نور في حواشيك، أيا كان مزاجك، والحقيقة أن سماع هذه الأغنية  – في وقتها – كان يستثير في الوجدان والروح رغبة بالسفر إلى كل نجاة الصغيرة.

ولما كانت من كلمات الراحل عبد الرحمن الأبنودي، فذلك ما قد يأخذنا إلى (عيون القلب) أيضا، بل إلى كلمات الأغنيات عندما يكتبها شعراءُ مجيدون، ولا نظن أن نزار قباني جامل نجاة، لمّا قال إنها الأفضل من بين الذين غنّوا قصائده، وعبّروا عنها.

شغف بالغناء يتملكها منذ الصغر
براءة ورومانسية حالمة

صوته (نجاة الصغيرة) ليس كلثوميا

ثمّة حنانٌ خاص في صوت (نجاة الصغيرة)، لا تزيّد (أو لا شطط)، وعلى أغلب الظن هنا إن مقاديره الوفيرة لم تتوفر عند غيرها، ومن غريب في سيرتها الفنية أنها كانت كلثوميّة الهوى، وأنها، في طفولتها وصباها الأول، كانت تقلد أم كلثوم، وتشتهي أن تصل إلى شهرتها، غير أن صوتها لا يناسبه أن يصير كلثوميا.

فليست (القوة) من خصائصه وميزاته، وإنما البساطة اللينة، الأقرب إلى فيروزيات بعيدة، لذا تبقى (نجاة الصغيرة) وتظل خيط حرير في نسيج الفن المصري العربي، يعود في أصالته وصدقه إلى مرحلة عربية كان فيها الفن أو الكثير منه يشبه خبز الفقراء واستراحاتهم الهانئة في الغناء والموسيقى والمسرح بعد عناء العمل.

والبحث عن اللقمة الكريمة، وعرق الإنسان الذي يعتز بكرامته وكبريائه، ورغم أنه يعود إلى بيته منهكا وضعيفا أحيانا، إلا أن الفن كان يساعده على التمسك بقوة روحه وإرادته وحياته التي تستحق أن تعاش.

تجلس في حجر جدها محاطة بابيها وبعض من أهلها

ولدت (نجاة الصغيرة) – بحسب ما ذكر موقع النغم الأصيل – في قلب القاهرة، في منزل متواضع في حي عابدين، وكان والدها محمد حسني البابا خطاطا بارعا، نال شهرة واسعة، غير أنه كان رقيق الحال، وكانت أمها مغلوبة على أمرها، والجو العائلي مشحون بالمشاكل.

ومن ثم تم طلاق والدتها وهي في سن الرابعة من عمرها، عاشت مع والدها منزوية معظم الوقت خوفا من تسلطه، وكانت سلوتها الوحيدة الغناء، فكانت تغرد مثل عصفور محبوس في قفص، تقلد عبد الوهاب وأم كلثوم في صوت طفولي عذب.

وعندما وصل صدى صوتها إلى والدها أسرع بها إلى المسارح ومتعهدي حفلات الغناء لاستغلالها، فلم تذهب للمدرسة مثل أقرانها، ومن حفلة إلى أخرى انطلقت وراء والدها لتقلد أم كلثوم التي حفظت أغانيها عن ظهر قلب، وقلدتها في حركاتها وخلجاتها وانتزعت تصفيق وإعجاب الجمهور.

في عام 1944 نجح والدها في أن يدرج اسمها في حفل وزارة المعارف الذي كان من المفترض أن تحييه أم كلثوم واعتذرت عنه في آخر لحظة لتكون (نجاة الصغيرة) هى البديل المنقذ لمنظمي الحفل.

ومن هنا تم اعتماد موهبتها وتزداد الحفلات وتقدم وصلات غنائية في مسرح بديعة مصابني وتمثل دورا صغيرا في فيلم (هدية) إخراج محمود ذو الفقار، ورغم موهبتها الطاغية إلا أنها ظلت الفتاة الصغيرة النحيلة مغلوبة على أمرها راضية صابرة على والدها الذي يدفعها للغناء في الملاهي في ظل ظروف قاسية.

مع كامل الشناوي في جلسة استماع لبعض الكلمات
جلسه مع عبد الوهاب عربها للغناء

(نجاة الصغيرة).. موهبة تستحق الرعاية

ولعل هذا الأمر قد دفع بمحمد التابعي وفكري أباظة ومحمد عبد الوهاب بمطالبة الهيئات الفنية لإنقاذ الطفلة وحماية صوتها من الاستغلال، واعتبارها موهبة تستحق الرعاية والاهتمام، وعندما ازداد استغلال والدها لها الذي أرهقها في الحفلات كانت تلجأ إلى عبد الوهاب الذي تعرفت إليه في الإسكندرية وكان يهدئ من روعها ويحثها على الصبر.

بدأت الحياة تبتسم قليلا لها في عام 1955، عندما تزوجت (نجاة الصغيرة) في سن 17 عاما من (كمال منسي) صديق شقيقها، وبعد أن خلعت ثوب الزفاف خلعت أيضا ثوب (أم كلثوم) الذي ارتدته لتنطلق بثوب فني جديد يحمل بصمتها، وساعدها زوجها فكان يحضر لها من المؤلفين والملحنين أغاني تليق بها وبصوتها العذب.

لتنطلق كالسهم المضيء وتنجح في سد الفراغ الذي تركته ليلى مراد باعتكافها، وشادية باتجاهها للتمثيل، واختفاء أسمهان وفتحية أحمد ونجاة علي، التي اضطرت نجاة إلى تسمية نفسها بـ (نجاة الصغيرة) بسببها.

بدأ الجمهور يتذوق أغانيها وصفق لموهبتها الأصيلة، وذاقت (نجاة الصغيرة) طعم النجاح لأول مرة في حياتها وشعرت بأن الناس يحبونها لصوتها وموهبتها وليس لتقليدها أم كلثوم، وفي غمار فرحتها بالزواج وسعادتها بثمرته منه (وليد)، فهو الزوج والحبيب ومساعدها الأول الذي يقتنص لها الألحان والكلمات لتقديمها لها.

أصبح مستشارها الأول الذي تأخذ برأيه في معظم الأوقات، وبعد أربع سنوات تحول العش الهادئ إلى جحيم لا يطاق وعواصف تقتلع الحب الكبير، فقد تحول الزوج إلى إنسان آخر كرهت معه تدخلاته السافرة في حياتها وفنها وسعت إلى تجاوز الأزمة بمحاولة الطلاق الودي.

في عز شبابها وتألقها الفني على غلاف مجلة (الجيل)
على غلاف مجلة (الفن)
على غلاف الإذاعة والتليفزيون

(نجاة الصغيرة) موعودة بالعذاب

ولأن (نجاة الصغيرة) موعودة بالعذاب والمتاعب – على حد تعبير عبد الحليم حافظ – فهى تخرج من كل أزمة تلحق بها بتناسيها مؤقتا لتلحق بقطار المنافسة الذي يسير بسرعة كبيرة، فقد أرادت أن تلحق بعبد الحليم حافظ، وفايزة أحمد التي استطاعت في فترة قصيرة تخطيها.

وأصبحت المطربة المفضلة عند الموسيقار محمد عبد الوهاب بعد أن استغلت خلافه مع نجاة بسبب رفضها العمل في فيلم من إنتاجه، وتأخذ منه خمسة ألحان رائعة ويصعد نجمها، أصيبت (نجاة الصغيرة) بحالة من الفزع التي دفعتها إلى تقديم أغنية (سامحني تبت خلاص) وبعد نجاحها انهالت عليها تعاقدات العديد من الشركات.

غير أنها في عز تألقها تعود مجددا إلى الاكتئاب والاختفاء من جديد، فقد ذهبت أغنية (أروح لمين) لأم كلثوم بعد أن حفظتها هى مع السنباطي.

ظلت (نجاة الصغيرة) تتطلع إلى نجاح أكيد بعد أن صنعتها أغنية (أسهر وانشغل أنا) التي قدمتها عام 1957، وجعلت الناس ينشغلون بها ويسهرون على أغانيها، وقد شجعت هذه الأغنية محمد عبد الوهاب الذي طلب من مأمون الشناوي أن يكتب لها أغنية قام هو بتلحينها بعنوان (كل ده كان ليه).

وبعد أن سجلتها صدمت بأن عبد الوهاب قدمها بصوته و(شربت هى المقلب الساخن)، ولكنها قدمت أغنية (أما غريبة) التي رفعت أسهمها وبدأت في جولة غنائية عربية رائعة وغنت من ألحان عبد الوهاب (العوازل ياما قالوا)، وبعدها أغنية (حقك على وسامح) من ألحان شقيقها عز الدين حسني.

تتوالى نجاحات (نجاة الصغيرة) وخاصة مع أغنيات من تلحين محمدعبد الوهاب وألحان بليغ حمدي، و(ساكن قصادي وبحبه) كلمات حسين السيد وألحان محمد عبد الوهاب، و(قدرت تنام) لمأمون الشناوي ومحمد الموجي، ثم رائعتها الجميلة (أيظن) التي أهداها لها الشاعر نزار قباني ولحنها محمد عبد الوهاب.

وهى الأغنية التي لاقت نجاحا كبيرا، وكعادة عبد الوهاب معه سجل الأغنية بصوته وحدثت مشكلة مع (نجاة الصغيرة) لم يحسمها إلا نزار قباني نفسه الذي قال: إن الأغنية مهداة لنجاة، وليس من حق عبد الوهاب أن يسند كلماتها لنفسه أو لأي مطربة أخرى غيرها.

استطاعت توظيف الألحان للأداء الراقي والجذاب

(نجاة الصغيرة).. وعز الدين حسني

عرفت (نجاة الصغيرة) الكثير من الملحنين الذين لحنّو لها أغانيها، وتعاونو مع كل الصفات التي اتسم بها صوتها، وقدرتهم على فهمهم لقدرات صوتها وإخلاص كل منهم في وضع نغماته المعبرة في الألحان التي أدتها لكل منهم، وأكثرهم تتويجا لموهبتها شقيقها (عز الدين حسني)،

وهو الذي يعد أول من لحن لها، وهو واحد من الملحنين الكبار الذين تنتمي ألحانهم إلى الطرب الأصيل، وفي نفس الوقت جاءت مواكبة لإيقاع عصر الرصانة اللحنية، ولحن عز الدين حسني عدة أغاني لنجاة الصغيرة كان أهمها: (أنا عايزة ألعب وأغني، أنا ما زلت أهواه، حبيبي يا الله، غني يا كروان، هلال العيد،على طرف جناحك يا حمام).

وعلى الرغم من أن (نجاة الصغيرة) غنت كثيرا للحب وعذابه وللرومانسية، إلا أنها لم تذق طعم الحب والاستقرار في حياتها، وربما عاشته فقط على الشاشة من خلال السينما، فقد كانت مولعة بالسينما منذ صغرها، وإن كان ولعها بالغناء أشد فكانت تحب الأفلام وتحرص على مشاهدتها وكانت تذهب إليها نادرا بسبب صرامة والدها.

وعندما احترفت الغناء كان حلم السينما يراودها، ولم يكن حلم صاحبة الصوت العذب مجرد الظهورعلى الشاشة أمام ممثل مشهور، بل كانت تنظر إليها على أنها نافذة أخرى لنقل إحساسها ومشاعرها وصوتها إلى دائرة أوسع وأرض جديدة.

ومن هنا كانت أولى خطواتها نحو السينما، حيث بدأت بالأدوار الاجتماعية الرومانسية التي تناسب طبيعتها وصوتها الرقيق، ولم يكن ذلك بحكم اختيارها بل برؤية المخرجين الذين يعرفون جيدا أنها مطربة في المقام الأول، وكان أول أدوارها لتجسد دور طفلة في فيلم (هدية).

وعندما اشتد عودها وقفت أمام المطربة (نجاة علي) لتمثيل دور ثانوي في فيلم (الكل يغني)، وفي هذا الفيلم أطلق عليها الجمهور اسم (نجاة الصغيرة) للتفرقة بينها وبين نجاة الكبيرة بطلة الفيلم التي كانت تتمتع بشهرة واسعة.

في أحد أفلامها مع حسن يوسف وأمين الهينيدي ويوسف فخر الدين
مع محمود ياسين في آخر أفلامها (جفت الدموع)

(نجاة الصغيرة).. والشموع السوداء

واصلت المطربة صغيرة الحجم نحيفة القوام مشوارها مع الأفلام، فتمكنت من القيام بدور البطولة في فيلم (غريبة) الذي يعتبر البداية الحقيقية لها في السينما، ففيه أثبتت قدرتها على التمثيل والغناء معا أمام نجوم كبار مثل (عماد حمدي واحمد رمزي وعقيلة راتب).

واستطاع المخرج عز الدين ذو الفقار تفجير ما بداخل (نجاة الصغيرة) من قدرات تمثيلية في فيلمه الرائع (الشموع السوداء) مع صالح سليم، ثم قدمت 4 أغان من ألحان عبد الوهاب ومحمد الموجي وبليغ حمدي في فيلم (ابنتي العزيزة) أمام رشدي أباظة وعمر خورشيد من إخراج حلمي رفلة، ثم التقطها المخرج حسام الدين مصطفى ليوظف قدراتها الغنائية في فيلم (شاطئ المرح) وينجح الفيلم نجاحا كبيراً ويتزوجها حسام الدين مصطفى، غير أنه زواج لم يدم وسرعان ما انتهى بعد فترة.

ويزداد إصرارها على مواصلة المشوار السينمائي لتقدم فيلم (سبعة أيام في الجنة)، لكن يبقى فيلمها الأخير (جفت الدموع) مع محمود يس الأكثر تأثيرا في حياتها السينمائية لتعتزل السينما قبل أن تعتزل الغناء برصيد 7 أفلام.

وذلك بعد مشوار حافل بمئات الأغاني الجميلة التي تعاملت فيها مع كبار الملحنين والمؤلفين، حيث امتلكت كما من الشجاعة الفنية وإعادة تقديم نفسها للأجيال الجديدة قبل أن تعلن انسحابها بشكل نهائي من الحياة الفنية تاركة خلفها إرثاً لا ينضب.

صورة خاصة مع ابنها الوحيد وليد

(نجاة الصغيرة).. خالدة في الوجدان

مضت رحلة عصفورة الغناء (نجاة الصغيرة) نحو أفق من الغيوم، واحتجبت عن الأضواء بعد رحيل شقيقتها الصغرى سعاد حسني، واكتمل ألبومها الغنائي مع الموسيقار محمد عبدالوهاب بقصيدة (أسألك الرحيلا)، ودخلت آخر معاركها الفنية مع السينارست ممدوح الليثي مؤلف مسلسل (السندريلا).

ونزعت الأقنعة عن حقيقة علاقتها بالشاعر كامل الشناوي وتتابعت الأحداث، حيث قدمت أكثر من 200 أغنية، التقت مع ألحان عبدالوهاب في نحو 23 منها، تنوعت ما بين القصيدة والأغاني الرومانسية، كما شاركت في أهم أعماله الوطنية (وطني الأكبر، الجيل الصاعد، والله وعرفنا الحب)،.

وكان موسيقار الأجيال دائم الثناء على صوتها، وقد سُئل قبل رحيله في عام 1991 (من هو أجمل صوت بعد وفاة أم كلثوم؟) فقال إنها (نجاة الصغيرة) التي سبق أن أطلق عليها (صاحبة السكون الصاخب).

ولا يختلف اثنان على أن الروائع الفنية مهما كانت اللغات التي تغنت بها تبقى خالدة في الوجدان ولا تموت أبدا، فهي صاحبة الصوت الدافئ الذي جذب الملايين عبر المعمورة وهى التي أبدعت أينما حلت وارتحلت، وهذا بفضل توظيفها للأداء الراقي والألحان الجذابة.

وتبقى الفنانة (نجاة الصغيرة) أحد القامات الكبيرة في أداء الفن العربي الأصيل بأدائها الراقي لألحان كبار الملحنين وتوظيفها للقصائد المؤثرة في المجتمعات العربية عن عمر 4 سنوات، وهى ربما المطرب تكون المطربة الوحيدة في العالم التي ظلت تغني لأكثر من 80 عاما.

هذا رغم اعتزالها بعض الوقت، إلا أنها عادت بصوتها وعلى مشارف الثمانين عاما قبل أربع سنوات في أغنية (كل الكلام) من كلمات عبد الرحمن الأبنودي، ولحن طلال المأخوذ عن لحن لعبد الوهاب.

ويبقى في مسيرة (نجاة الصغيرة) المبدعة في الأداء إرث ثري من الأغاني والأفلام التي تغذى بها المشاهدون والمستمعون عبر المعمورة .. فهى بمثابة قيثارة ظلت تختال بالألحان وأطربت أسماعنا وهزت وجداننا بالشوق عبر صوت المشحون الحب والشجن.

فضلا عن أنات الهوى من شفتيها تنساب لآليء نظمت في خيطها ألحان تختال فى خجل كبلبل صداح يشــدو فوق أغصان أحيت قلوبا بريئة كـانت على وشك الانتحار من شدة الأحزان .. فتحية تقدير واحترام لسيدة المشاعر الدافئة (نجاة الصغير).

مع أجمل الأمنيات بطول العمر كي تطل علينا من جديد بملامحها الجميلة والراقية وصوتها الذى طالما شدا بالروائع الغنائية، واقترب بإحساس صادق وناعم من وجداننا ليبهجنا، كما يشجينا، فمهما ابتعدت يبقى صوتها وإبداعها قريبا إلى نفوسنا، ونبقى على نفس الشغف فى الاستماع إليه والاستمتاع بحلاوته، حتى إن أطالت فى شدوها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.