رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(محمد عبده).. فنان العرب فوق هام سحب المجد في عيده الماسي!

بقلم: محمد حبوشة

يبقى فنان العرب (محمد عبده) علامة بارزة في الغناء الشرقي الرصين، ليس هذا فحسب، بل يظل معبرا حقيقيا عن الخلجات والمشاعر المبطنة بالدفء النابع من فرط موهبة آسرة تقوى على خطف القلوب والأبصار في زمن التيه الغنائي.

وفي خضم التحولات الهائلة التي يشهدها عالم اليوم، أصبحنا بإزاء مفارقات مخجلة أحيانا في الغناء، مقابل استئساد ثقافة السوق بما يميزها من تهافت وتبسيط وتسطيح وتبخيس وتتفيه، لكن يظل (محمد عبده) أيقونة الأصالة الطاغية في قلب هذا المشهد المرتبك.

في زمن التفاهة: (من التفاهة وهناك حاليا نظام كامل للتفاهة فعلا) الكم مقابل الكيف/ السطح التافه مقابل العمق الجوهري/ الاستهلاك المتهافت مقابل الإنتاج البناء، فضلا عما تتعرض له ثقافات الشعوب من اختراقات وتهجمات مختلفة الأشكال والألوان لحساب ثقافة واحدة أوحد، لكننا نجد (محمد عبده) ماضيا في مشروعه بثقة وروية.

إقرأ أيضا : (محمد عبده) يكرم عبدالرب إدريس وكدرس في (لحن المملكة)

ففي غياب مشروع مجتمعي واضح يشكل قاعدة  ضمور في المشروع الثقافي العربي ككل، إلا أن (محمد عبده) يبرز لنا من خلال تراكم إبداعي في مشروعه الغنائي الفاتن على مستوى الكلمة الموحية واللحن الصادق في التفاتات واضحة نحو الشجن المجبب.

ولعل تجربة (محمد عبده) حاملة القيم، وكابحة للنوازع الشريرة التي تعم البشر، والمرتقية بالإنسان من مستواه الحيواني أو الاستهلاكي حتى إلى مجاله الإنساني الاجتماعي الحقيقي.

ويبدو لي أن (محمد عبده) ينطبق من قاعدة: (ليس بالخبز وحده يحيا البشر، وإنما بالثقافة والمعرفة وقيم الحق والخير والجمال، ودون ذلك حيوانية حقيرة حتى لو بلغ الإنسان ما بلغ من تقدم أو رفاهية.

ينظر عدد من خبراء الفن العربي إلى المطرب السعودي (محمد عبده) باعتباره (أسطورة فنية استثنائية)، لقدرته على جمع محاسن الطرب العربي وإمساكه بمجد الأغنية من أطرافها الأربعة.

فهو الذي غنى التراثي والفولكلور واليمني والصنعاني والعدني والنجدي والبدوي، ثقيله ورجزه، والحجازي بمجساته البديعة.

إلى جانب ذلك، تفرد (محمد عبده) بمواويله البديعة وسلطنات سجوعه التي تحلق بشجون الأفئدة في دروب الأماكن وأزقة الذكريات والطرقات العتيقة وعطور الأزمنة، ولهذا استحق لقب (فنان العرب) بجدارة.

(محمد عبده) اهتم بالتراث الغنائي، والصنعاني منه على وجه الخصوص

(محمد عبده).. والغناء الصنعاني

عندما نتطرق لفن (محمد عبده) الخاص بالتراث الغنائي، والصنعاني منه على وجه الخصوص، فلا نقصد أنه أجاده فقط من دون سواه، فهو يتميز بكونه فنانا شاملا، جمع ما تفرق في غيره، مثل الصوت العذب الذي ينسل في الصبابة رقة وشجنا.

وهو الملحن الذي قدم ألحانا عظيمة سواء التقليدية منها أو الكلاسيكية في سن مبكرة، كموهبة فنية جمعت بين جمال الصوت والقدرة الفائقة على التلحين.

إلا أن اللافت أكثر هو إجادته للون عرف بصعوبته وجذوره العميقة، وجدده مصحوبا بالتوزيع الموسيقي الذي أضاف له جمالاً ورونقاً بديعا.

إقرأ أيضا : محمد عبده وعبد اللات يشعلان زفاف الأمير الحسين ولي العهد الأردني

و(محمد عبده) يمتلك نوع من الغناء له مميزات تقنية وجمالية عدة، وذات إيقاع ثقيل، إضافة إلى تميز كلماته وشعره، مما جعله متفردا عن الألوان الغنائية العربية الأخرى.

وقد عدته منظمة (يونيسكو) من روائع التراث الثقافي اللامادي الإنساني، بهدف المحافظة عليه وصيانته.

وعلى ذكر تجربة (محمد عبده) اللحنية، فأجمل أغانيه هى التي من ألحانه، مثل (أنشودة المطر، صوتك يناديني، جمرة غضى، الرسائل، إلى من يهمها أمري، حبيبتي ردي سلامي، يا شبيه صويحبي، يا زهور العشب)..

وغيرها من الأغاني التي لحنها غيره، على غرار (ليلة خميس، كلك نظر، صمت الشفايف، لنا الله، درب المحبة، عيون الليل، أيووه، اغنم زمانك، كل ما نسنس، وغيرها كثير.

فن (محمد عبده) ظهر نتيجة المزج بين الموشحات والإنشاد

(محمد عبده).. المزج بين الموشحات والإنشاد

ويرى عدد من الباحثين أن فن (محمد عبده) ظهر نتيجة المزج بين الموشحات والإنشاد الديني الذي يبدأ عادة بالدعاء، ثم التدرج في الغزل أو العتب، قبل أن يختم بالصلاة على النبي محمد، كما هو الحال في أغنية.

(يا مستجيب للداعي..

جب دعوتي بإسراع..

واشف جميع أوجاعي..

يا مرتجى يا رحمن).

ما يميز (محمد عبده) في غنائه الصنعاني على وجه التحديد، أنه أجاده حتى تشرب واستوعب مقاماته وألحانه وأبعاده، وأجادها إلى الدرجة التي يخيل إليك أنه نشأ وعاش بين جنبات باب اليمن أو أحياء صنعاء القديمة أو منازل الطين في بئر العزب.

ولعل أبرزها: (وامغرد بوادي الدور، لي في ربا حاجر، يا من عليه التوكل، يا مستجيب للداعي، بات ساهي الطرف، جل من نفس الصباح، نسيم بلغ، دع ما سوى الله، قال المعنى، يا نسيم الصباح، خطر غصن القنا، ضناني الشوق، يا بروحي من الغيد، مال غصن الذهب، الناس عليك ياريم، قريب الفرج، يا غصن لابس قميص، زل ريم الحجر) وغيرها.

ولهذا يمكن القول إن (محمد عبده) أجاد هذا اللون الصعب وتفوق على الفنانين اليمنيين أنفسهم من ناحية الأداء والكم والتجديد، ونقصد بالأخيرة، أنه أول فنان قدم الأغاني الصنعانية مصحوبة بالأوركسترا، وهى خطوة لم يسبقه إليها أي فنان.

في أغنية:

(قال المعنى سمعت الطير يترنم..

فهيج أشجان كان القلب ناسيها..

عن حب سيد الغواني دري المبسم..

ومن لها أعيان تسبينا سواجيها).

بدأها (محمد عبده) بموال شجي، ثم مقدمة موسيقية أضافت للأغنية جمالاً وشجناً، وكذلك الحال في أغنية:

(يامن عليه التوكل والخلف..

يامن له ألطاف فينا سارية..

يامن إذا تاب عبده واعترف..

يغفر جميع الذنـوب الماضية).

تلك التي أضاف لها تجديداً جعلها في مصاف الأغاني المطلوبة من الجمهور العربي الواسع في معظم حفلاته.

واصل (محمد عبده)، منذ ما بعد السبعينيات تحديدا، تجديد الأغاني الصنعانية ببراعة

(محمد عبده).. تجديد أغنية السبيعينيات

واصل (محمد عبده)، منذ ما بعد السبعينيات تحديدا، تجديد الأغاني الصنعانية ببراعة، إذ قال في إحدى لقاءاته التلفزيونية عندما سئل عن سر نجاحه في تجديد اللون اليمني، (يبهرنا ويطربنا اللحن اليمني لما فيه من أصالة وعمق).

مضيفا: (غنيت أمام الرئيس الحمدي (حكم من 1974 – 1977) غناء يمنيا بالأوركسترا، وهو معروف أنه لا يغنى إلا بالعود والإيقاع، وقال لي: (أكيد أن لك صلة وثيقة بهذا اللون، وإلا لما استطعت أن تغنيه بهذا الشكل).

إقرأ أيضا : مفاجأة 2023 بسبب (صوت الأرض) فنان العرب محمد عبده يلحن لـ عبدالمجيد عبدالله

وتابع: (هذه الألوان نشأت وتربيت عليها، وقبل أن أبدأ حياتي الفنية كنت أسمع التراث اليمني بشغف ونهم، وكنت على صلة وثيقة بالأغنية اليمنية، ولهذا عندما غنيتها لم تكن غريبة علي)

(محمد عبده) هو مطرب وملحن سعودي ولد في محافظة الدرب عام 1949 وعانى في طفولته من اليتم والفقر، كان يأمل بأن يسير على درب والده ويصبح بحارا، لكن في صباه قرر التوجه إلى الغناء والموسيقى.

بدأ مسيرته الفنية في ستينيات القرن الماضي. على الرغم من طفولته الصعبة، إلا أن شغفه بالغناء دفعه لتطوير موهبته حتى أصبح أحد أشهر الفنانين في العالم العربي.

اكتسب لقب (مطرب الجزيرة العربية) مبكرا وحقق نجاحا كبيرا لأغانيه في جميع أنحاء المنطقة العربية وليس في اليمن أو الخليج وحدهما.

كانت طفولة (محمد عبده) صعبة للغاية، عاش الفقر والحاجة، وذاق مرارة العيش بعد موت والده

طفولة (محمد عبده) صعبة للغاية

كانت طفولة (محمد عبده) صعبة للغاية، عاش الفقر والحاجة، وذاق مرارة العيش بعد موت والده ولم يكن حينها يتجاوز السادسة عشرة من عمره.

المفاجئ أنه لطالما كان الإبحار حلما يراوده، ولعل حبه لوالده البحار هو ما دفعه وحرض فيه حب البحر والسفن للإبحار في موج النغم.

التحق (محمد عبده) بالمعهد الصناعي وتخصص في مجال السفن سعيا منه لتحقيق حلمه، لكن ولعه بالغناء والطرب جذب اهتمامه وحواسه، لتبدأ مسيرته الفنية في ستينيات القرن الماضي.

بعد تخرجه من المعهد وإرساله ضمن بعثة لصناعة السفن إلى إيطاليا، تيقن من شغفه الغنائي والفني، وانطلق منها إلى بيروت، وبمساعدة (عباس فائق غزاوي) الذي آمن بموهبة (محمد عبده( بعد غنائه في برنامج (بابا عباس) عام 1960.

شرع في إصدار أولى أغانيه بعنوان (خاصمت عيني من سنين) من كلمات الشاعر (طاهر زمخشري) وألحان السوري (محمد محسن)

عاد (محمد عبده) إلى وطنه ليبدأ طريقه في عالم الفن، ليسجل أغنية أخرى بعنوان (سكة التايهين) من كلمات الشاعر (ناصر بن جريد)، وألحان الموسيقار طارق عبد الحكيم عام 1966.

كانت فترة السبعينيات مليئة بالنجاح لـ (محمد عبده)

سبعينيات (محمد عبده) مليئة بالنجاح

بعد صقل موهبته الفنية، قرر (محمد عبده) تلحين أغانيه بنفسه، ولاقى ذلك نجاحا بتلحينه لأغنية (خلاص ضاعت أمانينا مدام الحلو ناسينا) التي أداها بمرافقة عوده،  وكانت هذه التجربة بداية شجعته على الاستمرار وتكرار النجاح.

كرر تجربة التلحين مع كلمات من تأليف الشاعر (الغريب) بأغنية بعنوان (الرمش الطويل) عام 1967، التي لاقت نجاحا كبيرا في سائر الخليج العربي والعالم العربي وبِيعت حوالي ثلاثين ألف أسطوانة، وتلاها رائعته (لنا الله) من كلمات الشاعر (إبراهيم خفاجي) في نفس العام.

كانت فترة السبعينيات مليئة بالنجاح لـ (محمد عبده)، فقد عرف على مستوى الوطن العربي، كمطرب ناجح من السعودية والخليج العربي، ولقب إثر ذلك بلقب (مطرب الجزيرة العربية)، حيث كانت انطلاقته الكبرى من مصر، ليذيع صيته في كل حدب وصوب.

من الجدير بالذكر أن أغنيته (إبعاد) هذه الرائعة من كلمات الكبير (فائق عبد الجليل)، انتشرت بشكل عالمي، لتترجم مع ألحانها إلى الإيرانية والهندية واليونانية وغيرها الكثير من الدول الأوروبية، مثبتا نجاح هذه المطرب الكبير وقدرته على الأداء والتميز العالمي.

إقرأ أيضا : نكشف المحذوف من أغنية (اسمحيلي بالغرام) لفنان العرب محمد عبده.

غنى (محمد عبده) أغنية بعنوان (الرسايل) وكان أداؤه لها تجربة لأداء الأغنية الطويلة، وقدمها على مسارح القاهرة والرياض عام 1974، ليثبت مرة أخرى موهبته وقدرته الغنائية المميزة.

لم تنته فترة السبعينيات إلا بعد أن أصدر العديد من الأغاني التي لاقت رواجا ومستمعين من كل الفئات ومنها أغنيات (خطأ،  سهر، أنت محبوبتي، مالي ومال الناس) وغيرها الكثير.

تعاون (محمد عبده) لاحقا مع الملحن الدكتور (عبد الرب إدريس)، وقدما مزيجا من الأغاني مثل أغنيات (كلك نظر، أبعتذر، محتاج لها، جيتك حبيبي).

حقق نجاحا كبيرا بتأديته لأغنية (ما ذكرت) في حفل فني في مدينة جنيف السويسرية عام 1988، وقدم خلاله أغانٍ من ضمن عدة ألبومات مثل (وهم، العقد، إنت معاي) سجلت حفلته تلك على أشرطة الفيديو، وحققت أرقام مبيعات كبيرة.

لم يتوقف عطاء (محمد عبده) الفني قط، وتابع تقديمه لأغان فريدة عاصرت زمنها، وحصدت الكثير من المعجبين والمستمعين مثل أغاني (المعاناة، الفجر البعيد، على البال، مشرق النور)، بين فترتي 1990 و 2000.

(محمد عبده) في تجربته الغنائية شبيح الريح

(محمد عبده).. شبيه الريح

فضلا غن أغنيات (شبيه الريح، الأماكن، أيامي ليك) بين فترتي 2000 و 2010، وأغاني مثل (جاني كلام، بعلن عليها الحب، عمري نهر) بين عام 2010 وحتى وقتنا الحالي هذا.

وقد أصدر في العام 2020 مجموعة من الأغاني والتي كان أبرزها اغنية (ارتاح) بالإضافة إلى أغنية عن الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وحملت عنوان (يا سيدي سلمان).

بالإضافة إلى طرح (محمد عبده) مجموعة من الأغاني المنوعة منها أغنيات (أكتب لها حرف، نجمتين، يا جرحها، أما في العام 2020، فقد طرح أغنية (مستعجلة)، والتي حققت ما يقارب 500 ألف مشاهدة لعى يوتيوب خللا شهر فقط من طرحها.

فيما أحيى عددًا من الحفلات في الآونة الأخيرة، من بينها بعض الجلسات في الرياض في العام 2019، وأخرى في الرابع من يونيو 2021.

إقرأ أيضا : محمد عبده يعتذر لـ (طلال مداح وأبوبكر سالم) في عيد الفطر

ولعل أهم ما يميز أغاني (محمد عبده) إلى جانب المقامات الخليجية التي أشار إليها، هو كلمات وقصائد أغانيه المتضمنة لصور شعرية جميلة، خصوصا تلك التي كتبها الشاعر الراحل (فائق عبد الجليل والشاعر بدر بن عبد المحسن)

مثل: (الرسائل، ليلة، صوتك يناديني وأغان أخرى، والتي حرص (محمد عبده) على غنائها في ليلة الأوبرا في باريس، استجابة لطلبات الجمهور الذي وبين أغنية وأخرى يطلب بصوت عال أشهر أغاني (أبونورة) كما يلقبونه.

هاتفين بعبارات الحب والتقدير بينما كان (محمد عبده) يرد على جمهوره بكلمات ودودة مرة وبقبل في الهواء مرة أخرى، وهو ما أثار دهشة موظفي الأوبرا الفرنسيين المنتشرين في القاعة وهم يتساءلون عن مضمون تلك العبارات بين الفنان وجمهوره.

وعلى الرغم من تجاوز (محمد عبده) السبعين بخمسة أعوام إلا أن صوته لا يزال صافيا وقويا في مواويله واللعب بين الطبقات الصوتية.

عندما يغمض عينيه وينطلق في الغناء بإحساس دافئ، يأخذ الجمهور معه إلى عالم آخر مرتبط لدى الكثيرين بذكريات الطفولة والشباب وكذا بجو الصحراء العربية.

نتاج الفنان (محمد عبده) من ألحانه لمئات الأغنيات يلمس الإبداع

نتاج الفنان (محمد عبده) من ألحانه

والواقف على نتاج الفنان (محمد عبده) من ألحانه لمئات الأغنيات يلمس أنها تنطلق في أغلبها من أرضية واضحة لألوان شعبية وأنغام وإيقاعات فلكلورية، هذا فضلاً عن الأغاني التراثية المعروفة التي تغنى بها.

وأتذكر في هذا الصدد مناظرة مجالسية عقلانية جمعت بعض شعراء الأغنية والمهتمين بالفنون الشعبية والصحفيين قبل عدة سنوات على هامش مهرجان الجنادرية.

وكان محور تلك المناظرة المقارنة بين العملاقين (محمد عبده وطلاح مداح)، وليلتها أثار أحد المتحدثين جزئية الإبداع الموسيقي لدى (طلاح مداح) في مقابل الروح الشعبية والمخزون التراثي الكبير الذي يحفظه الفنان محمد عبده ويستقي منه ألحاناً شهيرة.

وفي سياق هذا الموضوع ذكرت أمثلة عديدة لألوان تراثية بأسمائها تعامل معها (محمد عبده) بمعالجات تطويرية حديثة، وأجمع الحاضرون على أنه ـ أي (محمد عبده) ـ أفضل من تعامل مع تراث الجزيرة العربية الموسيقي.

سواءً بتقديمه بقوالبه المتوارثة الجاهزة أو عبر إدخال اللزمات الموسيقية وعمل كوبليهات تنطلق من مذهب لحني فلكلوري.

فمنذ بداياته اهتم الفنان (محمد عبده) بحفظ التراث الغنائي الموسيقي والإيقاعي والإلمام به ومعرفة مصادره مدركاً أهمية التثقف في هذا الجانب.

مخزون (محمد عبد) التراثي ساهم في إعادة تشكيل اللحن بما يتناسب مع خطوطه الغنائية

مخزون (محمد عبده) السماعي التراثي

ثم حين أخذ يفرز مخزونه السماعي التراثي ويستند في وضع لحن ما على لون تراثي معين فانه يتناوله كفكرة قابلة للتطوير وإضافة البصمة الخاصة أو وجهة النظر الأدائية، أو بلورة وإعادة تشكيل اللحن بما يتناسب مع خطوطه الغنائية.

ومن أوائل الألحان الناجحة ذات الجذور التراثية (دستور، يا مركب الهند، يا منيتي يا سلا خاطري، لو كلفتني المحبة، يا صاح، وقلبي اللي).

إقرأ أيضا : محمد عبده  يحافظ على الهوية الشرقية كعادته بـ (كتير اشتقت) ويعيد المبدع ناصر الصالح

ويعتبر الفنان (محمد عبده) تناوله هذا للفلكلور أسلوبية خاصة اختطها لنفسه، ولكنه لا يرى في وضع اسمه على هذه الألحان سرقة أو مصادرة للتراث وإن عدها الكثيرون كذلك.

بعض الألوان تراث الغناء العربي تعامل معها الفنان (محمد عبده) بذكاء شديد مثل موشح (جادك الغيث) الذي نعرفه بصوت السيدة فيروز، جيره (أبو عبدالرحمن) لاسمه لمجرد أن استخدم إيقاعا مختلفا.

والفنان (محمد عبده) ما يزال ينهج ذات النهج ببراعة فمن أجمل وآخر أعماله في نفس الاتجاه (يامن يراعيني، ياغايب عن مدى شوفي، لا يطول غيابك)، ومن المهم الإشارة إلى أن التراث الجنوبي والحجازي نالها النصيب الأغلب في هذا النمط من التعامل العبداوي.

ويظل الفنان محمد عبده بحسه الفني الرفيع سيد الإمتاع ينهل من النبع ويسقيه، وهو كما شهد له الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن (أفضل من قدم الأغنية الشعبية، وكذلك الأغنية الحديثة، وهو الصوت الأول).

لا أحد يشبه فنان العرب في تحرُكاته ورؤيته للساحة الفنيّة، مع خالص الحب والتقدير لبقية الفنانين الذين كل منهم يعمل وفقًا لما يراه مناسبا.

لكن محمد عبده الذي طالما (استلذ) بتحريك ساكن الساحة منذ أكثر من ستين عاما، يعتقد بأن الوقت مهمٌ في صمته وغنائه، وصوت فنان العرب يزداد عذوبة كُّما تقدم به السن، والمستمع له يجد صفاء عجيبا ومساحات في الصوت لا يصل إليها سواه.

عشرات الأبوم أطلقها (محمد عبده) طوال رحلته

ألبومات (محمد عبده):

أصدر الفنان الكبير (محمد عبده) عدة ألبومات أبرزها: (في الجو غيم، السنين، لا تجرحيني، يا شوق، تستاهل الحب نجدية، يا مركب الهند، الرمش الطويل، عيون الليل، عقد المحبة، كلك نظر، نشوة العز (أوبريت وطني)، المعازيم، وهم، أرفض المسافة، محتاج لها، شعبيات، سايق الخير، الحبيب الغالي، البرواز..

هل التوحيد، حبيبتي، وين أحب الليلة (حفلات لندن 1)، اختلفنا (حفلات لندن 2)، إنتي نسيتي (حفلات لندن 3)، يا غايب (حفلات لندن 4)، ألونه (حفلات لندن 5)، سايق الخير (شعبيات 8) تسجيلات لندن 98، دعاني الشوق (شعبيات 9) تسجيلات لندن 98..

 يابو فهد (شعبيات 10)، عنود الصيد (شعبيات 11)، مساء الخير، جديد سعود بن عبد الله (العنا)، مهرجان أبها 99، مهرجان أبها 99 (2)، حفلات أبها 98 (الجزء الثالث)، يماني حجاز – يماني خليج، مجموعة إنسان، الكويت فبراير 2000..

 بنت النور (مهرجان جدة 2000)، حفل الكويت 2001، شبيه الريح، أنشودة المطر، شعبيات 6 حجازي، أعترفلك (جدة غير 2002)، سهرة العيد 1، مذهلة، علمتها، على عودي 1، على عودي 2، شعبيات 5 سامري، الأماكن (جدة غير 2005)، شعبيات 14..

إنتي نسيتي، طال السفر، أقرب الناس، الهوى الغايب، قسوة، وحدك، بعلن عليه الحب، الله جابك، عالي السكوت، بس لحظة، قديم الحب، يا راحلة، رماد المصابيح، عمري نهر، يا غافية قومي، ارتاح).

بقي أن نعرف، أنه كشف المستشار تركي آل الشيخ عن تفاصيل احتفالية (اليوبيل الماسي) لـ (محمد عبده)، من خلال تغريدة أطلقها عبر منصة (إكس)، وتضمّنت مقطع فيديو يوثق رحلة (فنان العرب).

ويرصد لحظات مهمة في حياته، وأرفقه بتعليق: (نحتفل يوم 29 و30 ديسمبر باليوبيل الماسي لفنان العرب محمد عبده بليلتين، الأولى مع الأوركسترا وفيها أجمل ما غنى من الأعمال، والليلة الثانية مخصصة للأغاني الشعبية).

مصر هي بلد الفن الأول في الوطن العربي دون منازع

أشهر أقوال محمد عبده:

** الموسيقى مرآة الشعوب، وحتى تعرف ببلدك وأرضك وشعبك ينبغي أن تبحث في تراثها، الموسيقى من تراث الأرض ولذلك موسيقانا فيها أصالة، تمثل الأرض وفي كلامها عذرية، أقصد عذرية الصحراء الجميلة.

** مصر هي بلد الفن الأول في الوطن العربي دون منازع، ولا يمكن لأي فنان أن ينكر أن مصر والمصريين سبب نجاح كل المطربين الموجودين حاليا على الساحة الفنية، وخص نفسه بالذكر، قائلا (انطلاقتي القوية أو الذهبية كانت من مصر، وهذا شيء أعتز به كثيرا، وأعترف به بكل فخر).

** تعودت أن أقدم كل عام تقريبا حفلاً في مصر، وأعتبره دائما مميزا وفريدا، وأكون شديد الحماس والحب وأنا ألتقي الجمهور المصري، فعلاقتي بمصر قوية جدا، وجمهوري المصري غالي جدا على قلبي، لأنه متذوق وحساس ويفهم معنى الطرب الأصيل، وأهل مصر لا يسألون فنانا عن جنسيته، ولكن يقدرون فنه، ويمنحونه الحب والدعم والمساندة من كل قلوبهم.

** أنصح المواهب الشابة بقراءة القرآن حتى يتمكنوا من لغتهم الفصحى ما يساعدهم في أداء الغناء بالفصحى.

** عندي مواصفات خاصة لأي عمل أتقبله عندي خط راسمه لمسيرة حياتي الفنية منذ البداية ولا أحيد عنه ببساطة، ولو أن منطلق فني من الكلمة لان الكلمة لها أساس بناء لأي عمل فني موسيقي غنائي.

** من المستحيل أن أفكر في الاعتزال، فأنا أعشق الفن وأتنفسه كالهواء، وطالما أن لدي جديدا كي أقدّمه لجمهوري، فلن أعتزل الغناء.

وهب الله (محمد عبده) صوتا متفردا

(محمد عبده).. وهبه صوتا متفردا

وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام لفنان العرب (محمد عبده)، أحد المطربين المخضرمين وأحد أكثر الفنانيين شهرة وشعبية في العالم العربي وفي منطقة الخليج العربي على وجه الخصوص.

لكن الله وهبه صوتا متفردا، جعله يبحر به فى أعماق قلوب عشاق الطرب الأصيل، وكأنه الموج الذى يعلو بهم حتى يصل إلى أعلى مدى، ثم يهدأ ليستقر بهم فى حالة من الانسجام والتعايش بحب.

مع هذا الصوت الذى يحتضنهم ويسمو بهم، غير معترف باختلاف اللهجات، واللغات، لأنه صوت لا يحتاج إلى ترجمة فهو لا يسلك سوى طريق واحد اسمه الصدق، الذى ينتهى دائما بالقلب ليتربع على عرشه.

ويعتبره النقاد أبرز مجددي ومطوري الأغنية السعودية الحديثة وألهم أسلوبه الفني -كمُغني ومطرب – العديد من الموسيقيين المعاصرين، ويعد عمليا مطرب لثلاثة أجيال متعاقبة، والذي تمكن من وضع الأغنية العربية في مكانة مرموقة في العالم.

وإن كان القدر لعب دورا ما فى بداياته، لكنه ما إن مضى فى بحر الغناء حتى انطلق ليصنع حالة من العطاء الفنى، التى اتسعت حتى وصلت إلى ملايين البشر فى كل مكان، والذين جمعهم تحت مظلة صوته بكل ما يحمله من دفء وشجن وطرب للقلوب قبل الأذان.

وأخيرا: استطاع الفنان محمد عبده تحقيق المعادلة الأصعب في تاريخ الغناء، فهو مطرب متجدد حافظ على ألَقه الفني فتربع على عرش القمة لسنوات طويلة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.