رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

هذا ما فعله محمد عبده في رائعة أنشودة المطر للسياب !

كتب : أحمد السماحي

من روائع الشاعر العراقي الكبير بدر شاكر السياب قصيدته أنشودة المطر، التى جاءت ضمن ديوان حمل نفس اسم القصيدة، وصدر عام 1960، هذه التحفة الشعرية منذ نشرها وحتى الآن داعبت خيال كثير من الملحنيين، والمطربيين، وبالفعل قام عدد من مطربي العالم العربي بغنائها هذه الدرة الشعرية، من هؤلاء المطربيين فنان العرب محمد عبده، الذي قام بغنائها بعد حذف بعض أبياتها، نظرا لطول القصيدة، ورغم أن المطرب السعودي الكبير غنى القصيدة في مدة نصف ساعة تقريبا، لكنه اضطر آسفا لحذف بعض الأبيات نظرا لعدم استطاعة جمهور هذه الأيام تقبل غناء قصيدة في مدة أطول من هذا.

إقرأ أيضا : ريم بنا .. التى اتهمت بالإلحاد في (تجليات الوجد والثورة) !

أما المغنية الفلسطينة الراحلة ريم بنا، فقد انتقت بعض الأبيات القليلة المناسبة لبعضها، وقامت بغنائها في مدة أربع دقائق تقريبا، ونظرا لطول القصيدة لن نستطيع نشر ما فعله كل مطرب على حدة، ولكننا سنطرح القصائد الثلاثة كما كتبها بدر شاكر السياب، وننشر الأبيات التى تغنى بها كاظم الساهر، والأبيات التى تغنت بها ريم بنا.

وفي أنشودة المطر يتخيّل (السياب) حبيبته التي يشبّه عينيها بلون غابة النخيل في الليل، وقت السحر تحديدًا، ويصف جوَّ مدينته العراقية الهادئة التي تحمل في سكونها كلَّ مظاهر الطبيعة، فيُسقط هذا الجمال الإلهي على عينَيْ حبيبته بطريقة شاعرية مذهلة، فيصف شجر الكروم، والقارب الذي يسير في النهر القريب، والنجوم التي تلمع بضوئها الذي يكاد يغيب في شحوب المساء التي يغطيها ضباب خفيف، ثمَّ يتحدّث عن أطفال العراق وضحكاتهم ولُعَبِهم فيعود إلى طفولتِهِ القديمة، ويذكر كيف يتساقط المطر على العصافير التي تتنقل بين غصون الشجر.

ثم يصف الشاعر في أنشودة المطر قصة وفاة والدته التي فارقتِ الحياة وهو ابن ست سنين، فيقول عن نفسه أنه استيقظ ولم يجدْ أمهُ وكذبوا عليه وقالوا له إنها ستعود، وأنها هناك قريبة من التلِ نائمة فيه، حتى تشرب مطر السماء كأنَّها وردة، ثمَّ يصف السيّاب ويسأل حبيبته عن مدى الحزن العميق الذي يبعثه المطر في داخلِهِ عندما ينهمر بشدّة، وكيف يشعر لحظة انهمار المطر من السماء بالوحدة والضياع والتِّيهِ، ولهذا استطاع الشاعر أن يمنح المطر صفة الحياة الموت فيصفه بأنَّه يشبه الحب ويشبه الإنسان ويشبِهُ الموتى.

الشاعر بدر شاكر السياب .. مبدع أنشودة المطر

أنشودة المطر.. كما كتبها بدر شاكر السياب :

عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السحَرْ،

أو شُرفتان راحَ ينأى عنهما القمرْ.

عيناكِ حين تَبسمانِ تورقُ الكروم.

وترقص الأضواء.. كالأقمار في نهَرْ

يرجّه المجذاف وهناً ساعة السَّحَرْ

كأنما تنبض في غوريهما، النّجومْ..

وتغرقان في ضبابٍ من أسىً شفيفْ

كالبحر سرَّح اليدين فوقه المساءٍ،

دفء الشتاء فيه وارتعاشة الخريفْ،

والموت، والميلاد، والظلام، والضياءْ؛

فتستفيق ملء روحي، رعشة البكاءْ

ونشوةٌ وحشيّةٌ تعانق السماءْ

كنشوة الطفل إذا خاف من القمرْ!

كأن أقواس السحاب تشرب الغيومْ

وقطرة فقطرةً تذوب في المطرْ…

وكركر الأطفالُ في عرائش المكرومْ،

ودغدغت صمت العصافير على الشجرْ

أنشودةُ المطرْ…مطرْ…مطرْ…مطرْ…

تثاءب المساء، والغيومُ ما تزالْ

تسحُّ ما تسحّ من دموعها الثِقالْ.

كأنّ طفلاً بات يهذي قبل أن ينامْ:

بأنّ أمّه ـ التي أفاق منذ عامْ

فلم يجدها، ثمّ حين لجّ في السؤالْ

قالوا له: (بعد غدٍ تعودْ .. )

لابدّ أن تعودْ

وإنْ تهامس الرفاق أنها هناكْ

في جانب التلّ تنام نومة اللّحودْ

تسفّ من ترابها وتشرب المطرْ؛

كأن صياداً حزيناً يجمع الشِّباكْ

ويلعن المياه والقَدَرْ

وينثر الغناء حيث يأفل القمرْ.

……………………………..

أتعلمين أيَّ حُزنٍ يبعث المطرْ؟

وكيف تنشج المزاريب إذا انهمرْ؟

وكيف يشعر الوحيد فيه بالضياعْ؟

بلا انتهاء ـ كالدَّم المراق، كالجياعْ،

كالحب، كالأطفال، كالموتى ـ هو المطرْ!

ومقلتاكِ بي تطيفان مع المطرْ

وعبر أمواج الخليج تمسح البروقْ

سواحلَ العراق بالنجوم والمحارْ،

كأنها تهمّ بالشروقْ

فيسحب الليل عليها من دمٍ دثارْ.

أصيح بالخليج: (يا خليجْ

يا واهب اللؤلؤ، والمحار، والرّدى!)

فيرجعٍ الصّدى، كأنه النشيجْ: (يا خليج يا واهب المحار والردى .. )

……………………………..

أكاد أسمع العراق يذْخُر الرعودْ

ويخزن البروق في السّهول والجبالْ،

حتى إذا ما فضَّ عنها ختمها لرّجالْ

لم تترك الرياح من ثمودْ

في الوادِ من أثرْ

أكاد أسمع النخيل يشربُ المطرْ

وأسمع القرى تئنّ، والمهاجرينْ

يصارعون بالمجاذيف وبالقلوعْ،

عواصف الخليج، والرعود، منشدينْ:

(مطرْ…مطرْ…مطرْ…

وفي العراق جوعْ

وينثر الغلالَ فيه موسم الحصادْ

لتشبع الغربان والجَرادْ

وتطحن الشّوان والحجرْ

رحىً تدور في الحقول… حولها بشرْ

مطرْ…مطرْ…مطرْ…

وكم ذرفنا ليلة الرحيل، من دموعْ

ثمّ اعتللنا ـ خوفَ أن نُلامَ ـ بالمطرْ…

مطرْ…مطرْ…

ومنذ أنْ كنّا صغاراً، كانت السماءْ

تغيمُ في الشتاءْ، ويهطل المطرْ،

وكلَّ عام ـ حين يعشب الثرى ـ نجوعْ

ما مرَّ عامٌ والعِراق ليس فيه جوعْ.

مطرْ…مطرْ…مطرْ…

في كل قطرةٍ من المطرْ

حمراءُ أو صفراء من أجنَّة الزَّهَرْ.

وكلّ دمعةٍ من الجياع والعراةْ

وكلّ قطرةٍ تُراق من دم العبيدْ

فهي ابتسامٌ في انتظارِ مبسم جديدْ

أو حُلمةٌ تورَّدتْ على فمِ الوليدْ

في عالم الغد الفتيّ، واهب الحياةْ!

مطرْ…مطرْ…مطرْ…

سيُعشبُ العراق بالمطرْ… )

……………………………..

أصيح بالخليج: (يا خليج ..يا واهب اللؤلؤ، والمحار، والردى!)

فيرجع الصدى، كأنّه النشيج: (يا خليج يا واهب المحار والردى.)

وينثر الخليج من هِباته الكثارْ، على الرمال: رغوه الأُجاجَ، والمحارْ

وما تبقّى من عظام بائسٍ غريقْ، من المهاجرين ظلّ يشرب الردى

من لجَّة الخليج والقرارْ، وفي العراق ألف أفعى تشرب الرَّحيقْ

من زهرة يربُّها الفرات بالنَّدى.

وأسمع الصدى، يرنّ في الخليجْ، (مطرْ…مطرْ…مطرْ…)

في كلّ قطرةٍ من المطرْ

حمراء أو صفراء من أجنَّةِ الزَّهَرْ.

وكلّ دمعة من الجياع والعراة

وكلّ قطرةٍ تراق من دم العبيدْ

فهي ابتسامٌ في انتظار مبسمٍ جديدْ

أو حُلمةٌ تورَّدت على فمِ الوليدْ

في عالم الغد الفتيّ، واهب الحياة.)

ويهطل المطرْ…

……………………………..

فنان العرب محمد عبده أبدع في أنشودة المطر

أنشودة المطر.. كما غناها محمد عبده :

عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السَّحر

أو شُرفتانِ راح ينأى عنهما القمر

عيناكِ حين تبسِمان تورِقُ الكُروم 

وترقصُ الأضواء كالأقمارِ في نهر

 يرجُّه المجداف وهناً ساعة السَّحر

 كأنما تنبضُ في غوريهما النّجوم

أنشودة المطر  مطر .. مطر .. مطر  

تثاءبَ المساء والغُيوم ماتزال 

تسِح ماتسِح، مِن دُموعِها الثقال

كأنَ أقواسَ السَّحاب تشرب الغُيوم 

و قطرةً فقطرةً تذوبُ في المطر

وتغرقانِ في ضبابٍ مِن أسن شفيف 

كالبحر سرَّح اليدين  فوقه المساء

دفءُ الشِتاء، وارتِعاشةُ الخريف

ويهطُلُ المطر، مطر، مطر مطر

 أتعلمين  أيَ حُزنٍ يبعث المطر

و كيف يشعُرُ الوحيدُ فيه بالضَّياع 

كأنَّ طِفلاً باتَ يهذي قبل أن ينام 

بأن أُمَّه التي أفاقَ مُنذُ عام ..

فلم يجدها  ثُم حين لجَّ في السؤال

 قالوا له: بعدَ غدٍ تعود .. لابدَّ أن تعود 

فتستفيقُ مِلءَ روحي نشوةُ البُكاء 

ورعشةٌ وحشيةٌ تُعانِقُ السَّماء 

كرعشةِ الطِفلِ إذا خافَ مِن القمر

 مطر .. مطر .. مطر

 ومُقلتاكِ بي تطيفانِ مع المطر

 وعبرَ أمواجِ الخليج تمسح البُروق

 شواطيءَ الخليج بالنَّجومِ والمحار 

كأنها تهمُ بالشَّروق  أصيحُ بالخليج، ياخليج 

و يرجعُ الصَّدى كأنه النشيج  أصيحُ بالخليج

  يا واهبَ الَّلؤلؤِ والمحارِ والرَّدى 

وأسمع الصَّدى مِن لُجَّةِ القرار

 وينثرُ الخليج مِن هِباتِه الكِثار

 في كلِ قطرةٍ مِن المطر

هي إبتسامٌ في إنتظارِ مبسمٍ جديد 

أو حلمةٌ تورَّدت على فمِ الوليد 

في كلِ قطرةٍ مِن المطر 

في عالم الغدِ الفتي ..

واهبِ الحياه  و يهطِلُ المطر

……………………………..

المطربة الفلسطينية ريم بنا .. غنت أنشودة المطر بطويقة مغايرة

أنشودة المطر.. كما غنتها ريم بنا :

عَيْنَاكِ غَابَتَا نَخِيلٍ سَاعَةَ السَّحَرْ

أو شُرْفَتَانِ رَاحَ يَنْأَى عَنْهُمَا القَمَرْ .

عَيْنَاكِ حِينَ تَبْسُمَانِ تُورِقُ الكُرُومْ

وَتَرْقُصُ الأَضْوَاءُ .كَالأَقْمَارِ في نَهَرْ

ومقلتاك بي تطيفان مع المطر

وعبر أمواج الخليج تمسح البروق

سواحل العراق بالنجوم والمحار

 كأنها تهم بالشروق فيسحب الليل عليها من دم ودثار

وكل عام حين يعشب الثري نجوع

ما مر عام والعراق ليس فيه جوع

مطر، مطر، مطر

حمراء أو صفراء من أجنة الزهر

وكل دمعة من الجياع والعراة

وكل قطرة تراق من دم العبيد

 فهى ابتسام في انتظار مبسم جديد

أو حلمة توردت على فم الوليد

 في عالم الغد الفتي واهب الحياة

ويهطل المطر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.