(حياة أو موت).. فيلم يستعرض ملامح شوراع القاهرة في الخمسينيات
كتب : أحمد السماحي
من الأفلام الخالدة في تاريخ السينما المصرية فيلم (حياة أو موت) الذي يعتبر ثالث أفلام المخرج الكبير كمال الشيخ،بعد فيلمي (المنزل رقم 13، مؤامرة)، والذي اتخذ من حياة الإنسان قيمة يجب أن يتحرك المجتمع بأسره لحمايتها والحفاظ عليها، ومن خلاله يقدم دور مشرف للشرطة المصرية، والطب المصري، ويؤكد أنهما دائما في خدمة الشعب.
فيلم (حياة أو موت) يبدأ بكلمات يقولها المعلق من خارج الكادر على لقطة ثابتة لبندول ساعة يتحرك في رتابة يمينا ويسارا، يأتي الصوت القادم من الأعماق ليلقي إلينا بخلاصة الحكمة والتجربة الإنسانية.
فيقول: ما أقصر اللحظات في عمر الزمن، وما أطولها في عمر الإنسان، إن حياتنا كهذه الساعة، لا تعرف اللحظة الحاضرة، ما ستأتي به اللحظة القادمة، ونحن لا نعرف متى ستكف عن الدوران؟ وما هى الحياة؟ إنها لغز، إنها حلم؟!،
نحن نخشاها ولكننا نتمسك بأهدابها، وما بين لحظة وأخرى تقع أحداثا كبار، وتتوقف ساعة العمر في قلوب البعض وتنبض فى قلوب الآخرين، نعم ما أقصر اللحظة في عمر الزمن، وما أطولها في حياة الإنسان، لن نعرف أبدا ماذا تحمل إلينا اللحظة القادمة؟ يأس، أورجاء، (حياة أو موت)؟!
بعد ذلك نرى في فيلم (حياة أو موت) لقطة عامة لمدينة القاهرة، يخترقها النيل الخالد، وتتألق كاميرا أحمد خورشيد، ترصد ملامح المدينة الضخمة بملايينها من البشر “اثنان مليون ونصف” عام 1954 ومبانيها والشوارع والميادين.
(حياة أو موت) وشوارع القاهرة
فيلم (حياة أو موت) هو أول فيلم يتم تصويره بالكامل أو بصورة أدق، تم تصوير 90% من أحداثه في شوارع القاهرة، وقدم بانوراما لمدينة القاهرة، واستعرض نماذج لسكان القاهرة.
التقت بهم الطفلة بطلة فيلم (حياة أو موت) الذي تدور أحداثه عن رجل يشكو من مرض القلب يستغني عنه صاحب العمل، وتتركه زوجته غاضبة لعدم الذهاب معها إلى منزل أهلها لقضاء إجازة العيد، وتفضل طفلته البقاء معه، يوم العيد يصاب بأزمة قلبية فتذهب الطفلة إلى صيدلية بعيدة عن المنزل لتشتري الدواء له، فيخطئ الصيدلي في تركيب الدواء.
وتأخذ الطفلة الدواء وتذهب، وعندما يتبين الصيدلي خطأه يتصل بالبوليس لمساعدته، والذي يكثف جهوده من أجل العثور عليه، وبعد طول بحث لم يكن أمامهم سواء النداء عن طريق الإذاعة، تسمع الزوجة النداء وهى في منزل والداها فتسرع لمنزلها لإنقاذ زوجها وتصل في الوقت المناسب.
الزمن ينصف (حياة أو موت)
كتب الناقد الصحفي (نادر عدلي) فى كتابه عن كمال الشيخ، أنه بعد منتصف ليل القاهرة، في أحد أيام شهر يوليو الحار عام 1994، وسكان مصر يستعدون للنوم، ومنهم من نام فعلا، كان عشرات أو مئات اللوف من أبناء مصر يتابعون على شاشات التليفزيون مبارة هامة ومثيرة في كاس العالم لكرة القدم.
وكانت تذاع على الهواء مباشرة لاختلاف التوقيت بين مصر وأمريكا التى نظمت البطولة عام 1994 وكانت المباراة مصيرية في تحديد الفائز بالصعود إلى دور الأربعة في هذه المسابقة العالمية.
شاءت الأقدار في دراما الواقع أن تمتد المباراة لوقت إضافي وبين الشوطين الثالث والرابع قطع التليفزيون إرساله، وهى حادثة لا تتكرر كثيرا، لتوجه المذيعة نداء لوالد طفل مريض بالسكر ألا يعطيه (الدواء) الذي كتبه الطبيب، والمقرر أن يتناوله في الصباح، أي بعد بضعة ساعات لأنه سيعرضه لخطر شديد، أو بمعنى أدق للموت.
فقد كتب الطبيب جرعة زائدة عن تحمل الطفل، وتم إنقاذ الطفل كما حدث بالفيلم عن طريق هذا النداء، وقد أشارت الصحف في الأيام التالية إلى أن حادثة هذا الطفل وكان اسمه (مهند) تشبه ما وقع في فيلم (حياة أو موت).
اللغة السينمائية في (حياة أو موت)
وكتب الناقد الكبير الراحل (علي أبوشادي) نقد طويل عن الفيلم في كتابه (كلاسيكيات السينما العربية)، وقال في نهايته لنقد الفيلم: في فيلم (حياة أو موت)، نجد معظم ملامح سينما كمال الشيخ، بعد ذلك منها البناء القوي، المحكم، المتماسك، الاهتمام بالتفاصيل والسيناريو المنطقي الذي يعتمد على الشكل البوليسي.
أي القائم على إثارة نوع من التوتر والترقب والتشويق، وهو الشكل الذي استطاع كمال الشيخ، أن يطرح من خلاله العديد من القيم الإنسانية النبيلة، دون السقوط في شرك السطحية والتبسيط الذي يصاحب هذا الشكل أو القالب الفني.
وربما افتقد هذا الشكل في استخداماته الأولى عند كمال الشيخ، القدرة على تحليل معطيات الواقع وتشريح الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أيضا.
لكن الصيغة التى توصل إليها كمال الشيخ، باستخدامه الخلاق لعناصر اللغة السينمائية على شريطي الصوت والصورة ضمن لأفلامه البقاء والاحتفاظ بقيمها وقدرتها على الاستحواذ على مشاعر المشاهد، حتى وإن سبق وأن شاهد العمل قبل ذلك.
ورغم احتشاد فيلم (حياة أو موت) بنجوم تلك الفترة مثل (يوسف وهبي وعماد حمدي، ومديحة يسري)، إلا أن البطولة الحقيقية كانت للعملاق القدير (حسين رياض) والفتاة الصغيرة الموهوبة (ضحى أمير)، والمونتيرة المرهفة (أميرة فايد) وتلك الغرفة ـ غرفة المونتاج ـ المظلمة التى أضاءت سينما (كمال الشيخ).
………………………………………….
(حياة أو موت) ينافس (الوحش)
قفز الإنتاج السينمائي عام 1954 إلى 66 فيلما، ورغم غزارة الأفلام لم يظهر سوى مخرجين جديدين فقط، هما (إسماعيل حسن) الذي قدم (فالح ومحتاس) وتحول (إحسان فرغل) من المونتاج إلى الإخراج بفيلم (العمر واحد)، وشهد العام عرض عدد من الأفلام التى تعد علامات هامة فى تاريخ مخرجيها ونافست فيلم (حياة أو موت).
مثل (الوحش) لصلاح أبوسيف، (صراع في الوادي) ليوسف شاهين، (جعلوني مجرما) لعاطف سالم، (الآنسة حنفي)لفطين عبدالوهاب، (بنات حواء، وفتوات الحسينية) لنيازي مصطفى.
ومعهم أفلام (كذبة أبريل، دستة مناديل، الستات ما يعرفوش يكدبوا، دايما معاك، يا ظالمني، عفريتة إسماعيل ياسين، بنت الجيران، خطف مراتي، أربع بنات وضابط، حسن ومرقص وكوهين، الحياة الحب، رسالة غرام، المال والبنون، موعد مع السعادة، تاكسي الغرام، نور عيوني، شرف البنت، الملاك الظالم)وغيرها.
وشاركت مصر بفيلمي (الوحش، وصراع في الوادي) في مسابقة مهرجان (كان) بفرنسا.
………………………………………….
بطاقة الفيلم
قصة: كمال الشيخ
سيناريو: علي الزرقاني، كمال الشيخ
حوار: علي الزرقاني
مدير التصوير: أحمد خورشيد
مونتاج: أميرة فايد
إنتاج: آسيا
تم التصوير: في ستديوهات جلال
بطولة: يوسف وهبي، مديحة يسري، عماد حمدي، حسين رياض، رشدي أباظة، الطفلة ضحى، عدلي كاسب، عبدالغني النجدي، عبدالحميد زكي وغيرهم.