(فيروز) تسخر من زياد، فتحولت المزحة لأغنية (كيفك أنت)، ولحن قبلها (سألوني الناس) !
كتب : أحمد السماحي
(فيروز) ليست صوتا جميلا فحسب، بل أداء نورانيا وفنا عظيما متجددا متميزا متنوعا فى أغلب دروب الفن الموسيقى، فما تقدمه فن وسيلته إمتاع الجمهور وإسعاده، وغايته الانتصار لقيم الحق والخير والجمال.
ولا شك في أن مؤرخي الموسيقى والغناء فى القرن العشرين سيقفون طويلا أمام ظاهرة استثنائية أثبتت وجودها، بل تألقها ولمعانها أيضا، فى ثلاثة حقول رئيسية هى (الموسيقى، والمسرح والإذاعة”)، إنها ظاهرة (زياد الرحباني)، كما قال الناقد الموسيقي اللبناني الكبير إلياس سحاب.
كانت بداية رحلة (زياد الرحباني) مع والدته فيروز سنة 1973 بأغنية (سألوني الناس)عام 1973، وكان لا يزال فى السابعة عشر من عمره، ومنذ ذلك الوقت تتابعت ألحانه لها في تطور وتنوع ملموسين، من أجمل الألبومات التى جمعت بين فيروز وزياد ألبومهما (كيفك أنت) الذى طرح فى الأسواق عام 1991.
وأثار جدلا كبيرا بين محب للتجديد في مشوار (جارة القمر)، وبين رافض، وانعكس هذا الجدل على شركة الإنتاج التى أنتجت الألبوم فحققت مبيعات كبيرة.
واليوم سنتوقف عند الأغنية الرئيسية فى الألبوم وهى (كيفك أنت)، ونحكي حدوتها، فالأغنية وليدة جملة قالتها فيروز لابنها المتمرد (زياد)، واحتفظ الملحن الموهوب بها في ذاكرته لمدة أربع سنوات، ومنها انطلقت فكرة الأغنية، وأخرجها فى الوقت المناسب.
والحكاية بإختصار أن (زياد) فى منتصف الثمانيات كان على علاقة عاطفية بأحدى صديقاته، وفى نشوة الحب والغرام، نسى الاتصال بوالدته، ومرت أكثر من سنة دون أن يراها.
وفى إحدى الأيام قابلها صدفة تحت (البناية) التى تسكن فيها فسلمت وسألته ساخرة:(كيفك قال عم بيقولوا صار عندك أولاد، أنا والله كنت مفكرتك برات البلاد)، هذه السخرية اختزنها (زياد) فى ذاكرته لشعوره بالذنب بسبب الغياب، والابتعاد عن والدته.
(فيرور) وقصة (كيفك انت)
وبدأ (زياد الرحباني) يشتغل على ألبوم جديد لفيروز فى نهاية الثمانينات، وفى وسط انهماكه بالتلحين وكتابة الأغنيات تذكر الجملة التى قالتها له والدته عندما كان بعيدا عنها، فكتب (كيفك أنت).
وبعد انتهائه من تأليف وتلحين الأغنية، سجلها على شريط كاسيت وذهب لزيارة والدته في منطقة “الروشة” على (كورنيش بيروت) وأعطاها الشريط وأصر على أن تستمع له بحضوره، كانت الكهرباء يومها مقطوعة فأخذ معه جهازا يعمل بالبطاريات.
فأثار إصراره وأخذه للاحتياطات اللازمة فضول الست (فيروز) وأحست أنه راغب في إقناعها بشيء ما فجلست لتلبي طلبه، استمعت سفيرتنا إلى النجوم للأغنية وظلت صامتة ثم قالت لابنها ساخرة (هيدي شو بدنا نعمل بيها ؟!).
فأجاب بنفس السخرية (بدنا نغنيها إذا أمكن)، فعقبت (هيك بها الكلام ؟)، فقال (إيه بها الكلام) واقترح أن تعيد الاستماع لها جيدا وأن تأخذ وقتا كافيا للتفكير قبل أن تقرر.
ترددت فيروز طويلا قبل الإقدام على تسجيلها وإصدارها للجمهور، وبعد أربع سنوات من هذا اللقاء تم تسجيل الأغنية وظلّت (فيروز) إلى آخر لحظة تقول لابنها (هاي ملا إنت رح تعمل مشكلة).
وبالفعل أثارت الأغنية الكثير من الجدل غير أن شجاعة جارة القمر وإقدامها على مغامرة موسيقية جديدة كتبا لها منعرجا بنفس جديد في مشوارها الفني الزاخر.
وحققت الأغنية نجاحا كاسحا وحتى الآن تعتبر من أنجح أغنيات فيروز، وتغنيها فى كل الحفلات بناء على طلب الجمهور.
زياد و(سألوني الناس عنك يا حبيبي)
جدير بالذكر أن من أجمل وأرق وأعذب أغنيات السيدة (فيروز) أغنية بسيطة في كلماتها، عميقة في لحنها وتوزيعها بعنوان (سألوني الناس عنك يا حبيبي، كتبوا المكاتيب وأخدها الهوا، بيعز عليي غني يا حبيبي، ولأول مرة ما منكون سوا).
هذه الأغنية التى قدمت لأول مرة عام 1972، في مسرحية (المحطة) للأخوين رحباني، وفيروز، لها قصة أو حدوتة تستحق أن نقصها عليكم.
فى بداية السبعينات وتحديدا عام 1971 ربطت الصداقة بين الصبي (زياد الرحباني)، الذي لم يكن أكمل السابعة عشر بعد، والمطرب الشاب (مروان محفوظ)الذي كان هو الآخر في بداية العشرينات، وكان أحد المطربين فى أعمال الأخوين رحباني وفيروز.
وفى أحد الأيام أسمع (زياد) بعض خواطره اللحنية لصديقه المطرب الشاب الذي أعجب بها جدا، مما جعل (زياد) يكتب عليها بعض الكلمات الآتية:
(أخدوا الحلوين قلبي وعنيي
أخدوا الليالي اللي عشناها سوا
هجروا الحلوين وما سألوا علي
يا مين يرجع أيام الهوي)
(فيروز) قبلت ابنها من جبينه
وفى هذه الفترة كانت (فيروز والأخوين رحباني) يحضرون لمسرحيتهم الغنائية الجديدة (المحطة)، وقتها تعرض (عاصي الرحباني) لنزيف حاد في المخ أدى لدخوله في غيبوبة، وقرر الأطباء ضرورة نقله فوراً للعلاج في الولايات المتحدة الأمريكية.
ولم تستطع العائلة الرحابنة دفع تكاليف استئجار طائرة مستشفى لنقل (عاصي) الغائب عن الوعي إلى أمريكا، فقامت الحكومة السورية بدفع نفقات الطائرة و العلاج، وتم بالفعل نقل (عاصي) إلى الولايات المتحدة.
هذا الغياب المفاجئ لـ (عاصي) جعل الناس تسأل السيدة (فيروز)عنه، فى كل مكان تتواجد فيه، هذا السؤال ألهم شقيقه وتوأمه الفني (منصور الرحباني) الذي كان دائما في صحبة (زوجة أخيه)، كلمات أغنية (سألوني الناس)معبراً فيها عن مشاعر (فيروز) التي كان عليها أن تعتلي المسرح وتناجي حبيبها وزوجها الغائب، وتغني لأول مرة في غيابه، وهو الذي تعودت أن يكون إلى جانبها دائماً.
وبعد رجوع (عاصي)إلى منزله سالما، كان(زياد الرحباني) يسمع (مروان محفوظ) فى غرفته أغنيته الجديدة (أخدوا الحلوين قلبي وعيني) وهنا جذب اللحن آذان (الأخوين رحباني)والسيدة فيروز، فنادوا على (زياد) وسألوه عن صاحب اللحن.
ففاجئهم أنه هو، فابتسمت (جارة القم) وقبلت ابنها من جبينه، وطلبت أن تغني هذا اللحن، فوقع (زياد) في حيرة، لأيام، بعدها ذهب واستأذن صديقه (مروان محفوظ)، أن تغني (فيروز) لحن (أخدوا الحلوين) فرحب المطرب الشاب، بإهداء لحنه إلى مطربة لبنان الأولى.
وبالفعل غنت (فيروز) هذا اللحن مع استبدال كلماته بكلمات (سألوني الناس عنك يا حبيبي) التى كتبها (منصور الرحباني) فى مسرحية (المحطة)، ولاقى تجاوبا كبيرا من الجمهور الذي كان يستعيده منها أكثر من مرة، وحقق نجاحا أكبر عند بثه فى الإذاعات العربية.
ومازال حتى الآن واحدا من أنجح ألحان العبقري (زياد الرحباني) إلى أمه (جارة القمر)وسفيرتنا إلى النجوم، وكان هذا اللحن هو بداية لسلسلة من مجموعة كبيرة من الألحان التى قدماها معا.