رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

د. سامية حبيب تكتب: (شيلوك) في المسرح المصري (2)

بقلم الدكتورة: سامية حبيب

في المقالة السابقة تطرقنا إلى شخصية (شايلوك) المرابي اليهودي التي تعد من أشهر شخصيات مسرح الانجليزي وليم شكسبير، وتأثيرها على المسرح المصري الحديث والمعاصر.

واليوم نستكمل قصة (شيلوك) في المسرح المصري، فحين نطالع عنوان نص (شيلوك الجديد) نجد المؤلف علي أحمد باكثير، قد زيله بجملة [مسرحيتان في مسرحية واحدة] أطلق علي الأولي (المشكلة) وتكونت من أربع فصول والثانية (الحل) من  ثلاثة فصول.

ينطلق الحدث الدرامي في المسرحية الأولي (المشكلة) من أرض فلسطين وتحديداً من مدينة القدس الشريف وزمن الحدث يبدأ (منذ سنة 1935 إلي الوقت الحاضر)، ويمكننا أن نفسر المقصود بالوقت الحاضر عام نشر النص أي 1945.

يضم النص مجموعة شخصيات من أهل فلسطين، وهم الثري كاظم بك الفياض وزوجته وابن أخيه عبدالله ومجموعة أصدقاء اختارهم الكاتب من الديانة المسيحية وهو ميخائيل جاد وكساب جاد شقيقه.

وهناك علي الطرف الآخر شخصيات اليهود علي رأسهم (شيلوك)، ويعمل مدير النشاط الصهيوني في فلسطين ورفاقه من علي شاكلة (زيكتاخ )، ضابط بوليس يهودي  و(جاك) رئيس لجنة شراء الأراضي و(بنيامين) رئيس الدعاية الصهيونية و(جوزيف) رئيس الجمعيات الإرهابية.

 وهناك من بين اليهود شخصيات معتدلة وطنية وهم (إبراهام)، يهودي فلسطيني يقاوم الحركة الصهيونية ورئيس طائفة اليهود اللاصهيونيين بفلسطين (كوهين) من أبرع المحامين اليهود.

اختار الكاتب بين الشخصيات أفراد أسرة مصرية ترتبط بمصاهرة مع أسرة (كاظم بك)، وهى أسرة المحامي (فوزي بك) الذي خطبت ابنته (نادية) لـ (عبدالله الفياض) الشاب الثري صاحب العقار والأرض الزراعية الخصبة داخل مدينة القدس.

يركز الحدث الدرامي في هذا الجزء الأول (المشكلة) على ألاعيب وخطط اليهود المشبوهة لشراء أرض أهل القدس وبيوتهم وترحيلهم عنها، وذلك بوجود شخصية (شيلوك).

(شيلوك) يحمل من دلالات ضمنية من النص الأصلي

(شيلوك).. يحمل من دلالات ضمنية

وهذا الاسم بكل ما يحمل من دلالات ضمنية من النص الأصلي يختاره الكاتب في وظيفة [مدير النشاط الصهيوني في فلسطين]، وهى وظيفة لا تختلف كثيراً عن [المرابي التاجر] في  (تاجر البندقية) بل اتخذت بعدا سياسيا.

 فتحولت شخصية (شيلوك) إلى الإتجار بالأرض والبشر في فلسطين، في نص على أحمد باكثير.

فنجد (شيلوك الجديد) في الأحداث يستخدم كافة الوسائل الغير شريفة من أجل الحصول علي أرض وبيت الشاب (عبدالله الفياض)، فيدفع بالفتاة المنحرفة (راشيل) لإغواء (عبدالله) بالجنس وشرب الخمر وتعاطي المخدرات.

مما يجعله ينساق للغواية يبدد أمواله، ثم يلجأ للاقتراض من (شيلوك)، هنا يمارس  مهنته الأولي وهى الإقراض بفوائد أي الربا.

وبعد أن تفسد علاقة (عبدالله) بأسرته وخاصة عمه (كاظم بك) يبدأ (شيلوك) حياكة مؤامرة الحصول علي أرض عبدالله مقابل ديونه.

 في نفس الوقت يدرك العم (كاظم بك) المؤامرة ويحاول إنقاذ الأرض، خشية وقوعها في يد اليهود ومنهم (شيلوك).

يظهر الصراع -هنا – بين (شيلوك الجديد) وأعوانه من اليهود وبين أسرة (عبدالله) ورجال فلسطين من مسيحين ومسلمين، حرص الكاتب على تأكيد  انتمائهم لأرض فلسطين.

الصراع هنا ليس علي رطل اللحم كما في نص (تاجر البندقية) بل استبدل بفدادين من أرض القدس وبيوت يسكنها أهلها المسالمين قبل أن تحل عليهم عصابة الصهاينة وبذا يتحول (رطل اللحم) لأرض فلسطين.

 للأسف تنجح حيل اليهود في اقتناص أرض (عبدالله) التي تقع في قلب مدينة القدس بعد إفساد علاقته مع أسرته وخطيبته، وحين يفيق (عبدالله) من غفوته ويكتشف المؤامرة يشترك في المقاومة الوطنية ضد اليهود من أجل طردهم من القدس.

وتتحد قوي المقاومة المسلحة والوطنية معاً بقيادة عمه (كاظم بك) وصهره القانوني المصري الوطني (فوزي بك) من أجل دعم المقاومة وعرض قضية فلسطين في المحافل الدولية.

في الجزء الثاني من النص أو المسرحية الثانية التي وضع لها الكاتب عنوان (الحل) نجد التناص كاملا مع الفصل الرابع في نص (تاجر البندقية).

في نص (شكسبير) القضية قانونية إنسانية، وفي نص (باكثير) القضية سياسية قومية

(شيلوك) الجديد في نص (باكثير)

إذ الحدث كله يتم في محكمة القدس والشخصيات تضم (المستشارون الدوليون الإثنا عشر) وممثل بريطانيا وممثل اليهود الصهيونيين وممثل اليهود اللاصهيونيين وممثل عرب فلسطين.

وممثل جامعة الدول العربية التي كانت قد أنشئت بالقاهرة عام 1945 وهم يماثلون شخصيات الفصل الرابع  من حيث طبيعة الأدوار مع اختلاف المسميات.

وهناك أيضاً شخصية (الأستاذ فيصل) ممثل جامعة الدول العربية وهو في الحقيقة شخصية السيدة (نادية) زوجة (عبدالله الفياض)، وهى ما تماثل شخصية (بورشيا) المتنكرة في دور المحامي الشاب (بلتزار).

ومع تماثل الشخصيات تقريباً لكن طبيعة ودور الشخصيات في كلا النصين مختلفة.

في نص (شكسبير) القضية قانونية إنسانية، وفي نص باكثير القضية سياسية قومية أخذت أبعاداً دولية.

ولكن لم يكن للنص العربي السند القانوني الذي يقدم الحل في النهاية، بل جاء الحل معنوي مجرد أمنيات أن ينتهي الوجود اليهودي في فلسطين إلي مجرد عيش كمواطنين وليس كحاكمين.

الأمر الذي يدعو (شيلوك) الجديد في نص باكثير إلي الانتحار بعد أن ييأس من مناصرة القوي الدولية الحاضرة له ولكل الشعب اليهودي الطامع إلي الاستيطان في فلسطين لأنها أرض الميعاد.

في حين نجح ممثلو الجامعة العربية والفلسطينيون في الحفاظ علي أرض فلسطين بعد الجدل والنقاش.

اتفقت رؤية (إبراهيم  حمادة) في مسرحيته (رطل اللحم )في تشبيه طمع اليهود في أرض فلسطين بطمع شايلوك اليهودي برطل اللحم من أنطونيو كما في نص (تاجر البندقية)، بداية من عنوان المسرحية التى نشرت في منتصف الثمانينات بالقاهرة، ولكن أحداثها تقع بعد نكبة الاحتلال بعام واحد.

جاء الفصل الأول مثل أحداث النص الأصلي في القرن السادس عشر، في حين أحداث الفصل الثاني تجري في القرن العشرين في أرض عربية، حيث (فلسطي) رمز لكل  أرض عربية، ولتأكيد  أطماع اليهود تاريخيا في أملاك الغير منذ قرون وربط بين وجود اليهود في الماضي والحاضر.   

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.