رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمود حسونة يكتب: المنفصمون وسيرة (سميحة أيوب)

بقلم: محمود حسونة

ليست الفنانة الكبيرة (سميحة أيوب) هى الوحيدة التي يتم تدريس سيرتها في مادة المهارات المقررة على صفوف المرحلة الابتدائية، ولكنها واحدة من ضمن العديد من الشخصيات في هذه المادة.

ومنهم المهندس (هاني عازر والسير مجدي يعقوب والمستكشفة وصفية نزرين وشيخ المعماريين حسن فتحي وعالم الفضاء الدكتور فاروق الباز والدكتور محمد غنيم ورائد الصناعة محمود العربي والأديب العالمي نجيب محفوظ وآخرين غير معروفين.

ولم يثر أي من الشخصيات سالفة الذكر أو من غيرهم غير المعروفين الرأي العام، مثل (سميحة أيوب)، ومر وجودهم في مادة المهارات في الصفوف الرابع والخامس والسادس الابتدائي مرور الكرام بلا ضوضاء.

إقرأ أيضا : د.عمرو دوارة يكتب: سميحة أيوب.. سيدة المسرح العربي، وثالث سيدة في الفن

وعندما أضيف اسم (سميحة أيوب) إلى القائمة، قامت الدنيا ولم تقعد، والسبب الأوحد أنها فنانة، ما يؤكد أن بيننا قطاع كبير مصاب بانفصام الشخصية؛ نرفض تكريم الفنانين، وفي ذات الوقت نلهث وراء أخبارهم ونتتبع خصوصياتهم، ونتابع أعمالهم، وبعضنا يتخذهم مثل يحتذى وبعضنا يعتبرهم شياطين تستحق الرجم. 

أجزم أنه لا يوجد بيننا من لا يتابع الأعمال الفنية، ويجلس فاتحاً فاه أمام التليفزيون وهو يعرض مسلسلاً أو فيلماً، كلنا نتابع ولكن إيماننا بالفن ودوره متفاوت، بيننا من يتابع مع أسرته ويستحي أن يعلن ذلك حتى لا يتهمه أحد بارتكاب جريمة مشاهدة الفن.

وبيننا من يتابع وحيداً في السر حتى لا يُضبط متلبساً، وبيننا من يتابع متباهياً ويدير حواراً مع المحيطين به حول العمل الفني، بصرف النظر عن درجات الاتفاق والاختلاف عليه، وبيننا من يسعى لترغيب كل من حوله على مشاهدة عمل فاتهم متابعته، يتحكم في مواقفنا من الفن مساحة الانغلاق والانفتاح الفكري والوجداني تجاهه.

أصحاب العقول المتحجرة تشاهد إبداع (سميحة أيوب) وتنكره

(سميحة أيوب) والعقول المتحجرة

أصحاب العقول المتحجرة تشاهده وتنكره، أو لا تشاهده ولكنها تهاجمه وهى جاهلة به، هؤلاء وهؤلاء يشكلون في المجتمع قطيعاً أحادي الصوت والموقف معدوم الرؤية، وأصحاب العقول المستنيرة تشاهده وقد تهاجمه أو تصفق له حسب مضمونه ولكنهم لا يدفنون رؤوسهم في الرمال ولا يرون الفن عيباً بل يرونه إبداعاً وإمتاعاً وتسلية يحتاجون إليها.

سواء لتبصيرهم بما يعيشونه من أزمات، أو لتعريفهم على سير شخصيات تستحق أن تروى، أو للإضاءة على حقب تاريخية علهم يستفيدون من دروسها في حاضرهم، أو للتعبير عن فئات مجتمعية معينة، أو لإضحاكهم وإفراغ الطاقة السلبية من داخلهم وتجديد حيويتهم العقلية والوجدانية.

إقرأ أيضا : سميحة أيوب .. أيقونة الفن المصري الحديث

نعم المشكلة ليست في (سميحة أيوب)، وحالة الانقسام المجتمعي التي عايشناها بمجرد بدء العام الدراسي واكتشاف احتواء منهج أحد الصفوف شيئاً عنها، كانت ستحدث مع أي فنان آخر يتم تدريس سيرته، بصرف النظر عن مساحة جماهيريته، ومدى احتواء سيرته على قصة كفاح ونجاح من عدمه، فالمستهدف هو الفن وكل من ينتمي إليه.

للأسف أصبح بيننا فئات تستهدف الفن حتى لو تناول سير الأنبياء والرسل، وتستهدف الفنان بصرف النظر عن طبيعة أعماله، وتستهدف المبدع أياً كانت أفكاره ورؤاه، فالفن لديهم حرام وكل من يعملون فيه (لا يستحقون الذكر) وهم الأكثر ذكراً لهم وقدحاً في حقهم، ولو كانوا لا يؤمنون بالفن وتأثيره لتجاهلوه وتجاهلوا تتبع سير وخصوصيات نجومه ومبدعيه.

(سميحة أيوب) صالت وجالت على خشباته بالأعمال الهادفة ومن ىثم تستحق حياتها التدريس

تدريس سيرة (سميحة أيوب)

لم يشغل القاذفين لتدريس سيرة (سميحة أيوب) ما تضمنته من أخطاء تؤكد عشوائية وضع المناهج، فكاتب المنهج قال أنها خريجة معهد سينما، والحقيقة أنها تخرجت من المعهد العالي للفنون المسرحية في عام 1952، قبل إنشاء معهد السينما بسنوات.

ولم يكلف الكاتب نفسه عناء البحث الدقيق أو التواصل مع صاحبة السيرة، أمد الله في عمرها، ليقدم للأجيال الناشئة المعلومة الصحيحة ولا يدع مجالاً للتشكيك، ولعل هذه الأخطاء تشير إلى أن كتبنا المدرسية وغير المدرسية فيها الكثير من المعلومات غير الصحيحة والتي يأخذها الطلاب والقراء بشكل مسلم به.

بل يبنون على أساسها ثقافة مشوشة، ولعل شهرة (سميحة أيوب) ومعرفة الكثيرين بتاريخ حياتها هى التي كشفت الأخطاء، كما أنها أيضاً هى التي أثارت الفئة القليلة المناهضة للفن عليها وعلى أهل الفن وعلى وزارة التربية والتعليم.

إقرأ أيضا : رجاء النقاش يكشف براءة وطهارة (المومس الفاضلة) في حواره مع سميحة أيوب !

(سميحة أيوب) يتم تدريسها في مادة المهارات وخصوصاً فيما يتعلق بالنشاط المسرحي، فهي سيدة المسرح التي صالت وجالت على خشباته بالأعمال الهادفة، ومنها المسرحيات الشعرية التي لا يستطيع أداءها سوى المتمكنين لغوياً وفنياً.

كما أنها السيدة القوية التي أدارت المسرح القومي في عصره الذهبي، وهذا لا يعني أنها الأحق من سواها، هى تستحق ولدينا من الفنانين من يستحق مثلها وأكثر منها، ولكنها النموذج الذي تم اختياره للبداية ونتمنى أن تكون أول الغيث ليلحق بها فنانون أثروا حياتنا إبداعاً وساهموا في نشر ثقافتنا عربياً وأمتعونا وغلفوا حياتنا بالجمال.

لدينا من اعتلوا عرش الفن بعد كفاح، ولدينا من رفعوا اسم مصر عالياً في المهرجانات الدولية، ولدينا من صفق لهم الناس داخل مصر وخارجها، ويستحقون تعريف الأجيال الناشئة على سيرتهم، لعلهم يكونون أحد وسائل مقاومة التغييب الفكري والفني والإبداعي.

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.