رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمد شمروخ يكتب: في مدينة نصر .. إحباط محاولة إعادة البهجة بسقوط خلية موسيقية !

بقلم: محمد شمروخ

ثلاثة شبان أو أربعة كانوا يسيرون مشياً على الأقدام في شوارع مدينة نصر ساعة العصارى أو قبيل المغرب بقليل، يعزفون الموسيقى وينشرون البهجة حولهم دون أن يطلبوا شيئا من أحد أو يقفوا لتلقى أموال من أحد.

عند مرورهم تجد كثيراً من سكان مدينة نصر يقفون في الشرفات للفرجة على هذه الفرقة الصغيرة ومنهم من كان يبادلهم التحية.

ليس لهم أيام محددة سوى أنهم يختارون وقتا لا يزعحون فيه أحدا، فليس الوقت وقت راحة بعد الظهر، ولا في ساعة مبكرة أو متأخرة، بل كانوا يظهرون في آخر النهار وقبل دخول الليل.

ولم تكن أصوات آلاتهم الموسيقية التى تناسب شوارع مدينة نصر من طبول وآلات نحاسية، كما لم يكن ظهورهم يتكرر كثيراً، ربما يتجولون في مناطق أخرى، لكنهم ليسوا متسولين ويتبادلون الابتسامات مع المارة والسكان المطلين عليهم من الشرفات.

يسيرون في خطى سريعة نشطة ويغادرون وقد تركوا وراءهم أجواء من البهجة في كل مكان طالته موسيقاهم البسيطة والسريعة.

ضبط فرقة موسيقية بمدينة نصر متلبسة بعزف الموسيقى

الموسيقى في مدينة نصر

لكن دائما هناك من تزعجهم البهجة ويغيظهم إسعاد الناس، فإذا بي أقرأ خبرا صغيرا عن (ضبط شبان يتسولون بالموسيقى في مدينة نصر)، وعلمت ان هؤلاء الذين تم ضبطهم، هم أنفسهم هؤلاء الشباب الذين كانوا يشيعون أجواء من المرح لوقت قصير!.

لكن لماذا المرح؟، وهل هذا وقت للفرح وما فائدة إسعاد الناس لثوان معدودات؟!.. نحن نريدها أكثر غما.. نريدها أثقل هما.. عايزينها تبقى سودة في وش الكل.

نحن أدمنا الغم وأصبح التهجم علامة أساسية في وجه كثير من الناس بلا سبب

كآبة وخنقة ومرار ثقيل.

شكوى من كل الجميع، الفقير يشكو والغنى يشكو والمتوسط يشكو من كل شيء ومن أى شئ، بدأ من نصية شاى على طريق ترابي ونهاية بمطعم فاخر بالساحل الشمالي.

ممنوع الضحك ممنوع الابتسام.. الغم مطلوب لذاته، أما الموسيقى التى تسمعها في الشارع من سيارة او توك توك او مقهى او كافيه، فهى موسيقى عشوائية لا أثر للمرح فيها.

بل عبث يؤدى إلى إشعال الرغبة في أداء رقصى جنونى، مع المحافظة على نسبة الاكفهرار الجماعى.

مع سائق تاكسي عشت لحظات من الكآبة

مع سائق تاكسي في مدينة نصر

ذات مرة ركبت مع سائق تاكسي لمسافة قصيرة في مدينة نصر، كان وجهه مكفهرا بشكل واضح وكان يبدو حانقا يريد أن ينفجر حتى أنه لن ينبس ببنت شفة، ومع ذلك كان يستمع إلى اغانى من النوعية التى لا تفسر فيها كلمة ولا تستعذب فيها نغمة.

وجدت لدى رغبة عارمة لأن أسأله عن سبب القرف على وجهه:

مالك يا ابني

(لكن طبعاً لم أسأله!).

يووووووووووه.. كتير الزحام والأسعار وطلبات البيت ومصاريف العيال وقطع الغيار والصيانة ورادارات وكاميرات ورجال المرور.

(بالطبع لم يجب!)، بل لم يدر ثمة حديث بينى وبينه، فقد كان يبدو عليه انه ينتظر الرغبة في الانفجار أو البكاء على الأقل.

الغريب أنه لم يغالى في قيمة الأجرة كما كنت أتوقع بأنه صدر لى الوش الخشب حتى لا أتعب قلبه بالمماطلة في الأجرة!

لكن لم أستغربه، بل إن هذا الوجه اعتاده كثيراً، في الشارع، في الأتوبيس، في الميني باص، في الميكروباص، في المصالح الحكومية لاسيما المتصلة بالجمهور، كذلك في العمل على تطوير وجوه زملاء أعرفهم أو لا أعرفهم.

ولا أخفيك أننى كثيرا كا كنت أرى هذا الوجه في المرآة، إنه وجهى أنا شخصياً!

يا عم احنا بقينا عالم كئيبة، لا نفوت فرصة للغم والهم واللطم.

بس وحياتك ما تقرفنى وتقول الظروف والحال والغلاء، لأنى من يوم ما طلعت على الدنيا وأنا لا أسمع سوى الشكوى والتذمر من كل ما هو مضارع والبكاء على كل ماضي.

أما المستقيل فلا إشارة إلى أنه سيحمل خيرا.

كل هذا الغم يحيط بنا صباحا ومساء في كل مكان.

قوة شرطية من مدينة تقبض على شبابا يسيرون في الشوارع وهم يعزفون

قوة شرطية من قسم مدينة نصر

لذلك عندما تلاحظ قوة شرطية من قسم مدينة نصر، أن شبابا يسيرون في الشوارع وهم يعزفون.

يعنى احنا ناقصين مرقعة وقلة أدب من عيال شحاتبن، احنا ما صدقنا خلصنا على فرق الموسيقى بتاعة زمان في حديقة الأزبكية، زى ما قضينا على عربية السيما بتاعة الريف لأنها كانت بتسبب فرحة بين الناس.

ونجحنا نجاحا منقطع النظير لكى نجعل عربية البيانولا ذكريات، ولا أحدثك عن القرداتى والحاوى وشجيع السيما ولا طار في الهوا شاشي وانت ما تدراشي

كله أصبح أثرا بعد عين.

وحكايات صندوق الدنيا لا يعرفها أحد إلا في في بداية فيلم الزوجة الثانية!.

لم تعد هناك أي فنون مسموح بممارستها في الشارع أبدا أبدا ابدا.

يعنى لا (فن في الشارع ولا شارع في الفن).. حتى الموالد حولناها لزحام خانق وبلطجية ونصابين ونشالين و.. كل اللى يعكر مزاجك ويسد نفسك.

احنا مبسوطين بالغم.. مستمتعين بالهم.. منسجمين مع القرف.. عاقدين معاهدة دفاع مشترك مع النكد وبعد كل هذا يأتى ثلاثة أو أربعة شباب علشان يبهجوا الناس ويضحكوا في وشوشهم ولو للحظات في مدينة نصر؟!

فما فعله الشبان في مدينة نصر، هو تكدير للنكد العام وتهديد لاستقرار الغلب!، لكن لم يدلنى أحد ولم أتوصل لمعلومة مؤكدة بشأن ظروف القبض على هؤلاء المجرمين!

هل تصدق أنه حدثنى من أثق به أن ضابطا بمباحث مدينة نصر استغرب خلال قيامه بالاطلاع على أوراق مواطن في أثناء وقوفه في كمين، من أن المواطن يضحك!، فشخط فيه فيه قائلا: انت بتضحك ليه يا أخينا.. شايف قدامك أراجوز؟!

والنعمة عنده حق.. فالأراجوز كذلك من فنون الشوارع التى قضي عليها قضاء مبرما وصار الأراجوز علامة على الانفلات والمسخرة وليس البهجة والمتعة!

بهجة ومتعة.. ودى تيجي.. هو مفيش ضبط وربط ولا ناس قادرين يغموا نفسك في البلد.

هل تم القبض عليهم نتيجة لبلاغ من السكان؟!

أم أن دورية شرطة صادفتهم في أثناء سيرهم في شوارع مدينة نصر؟!

عموما مش فارقة المهم أنه تم القضاء على إحدى بؤر البهجة الخطيرة قبل أن تنتشر وتصبح ظاهرة تنذر بعودة الفن إلى الشارع أو الشارع للفن!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.