رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمود حسونة يكتب : عادل إمام .. حائط صد غير قابل للكسر

بقلم: محمود حسونة

عادل إمام .. قصة نجاح عظيمة، وقصة معاناة كبيرة أيضاً، فمع كل خطوة خطاها على طريق المجد، واجهته مطبات من الحاقدين والمتربصين والمتآمرين. نعم هو أكثر فنان صفق له الناس، وهو الأكثر تعرضاً لشتائم الموتورين وشائعات المضللين، الكثير من النقاد انحازوا إلى أعماله وأثنوا على أدائه واختياراته والعديد منهم نالوا من أعماله وطعنوا في قدراته، الجماهير العريضة اختاروه زعيماً لجمهورية الفن والابداع، وأصحاب المصالح شككوا في موهبته وحاولوا تشويه مسيرته، غالبية المصريين يدركون أنه فنان وطني انحاز للأغلبية وخصوصاً المهمشين من الشعب وتصدى للفاسدين والإرهابيين ولم يخرس لسانه في وجه دعاة العنف ولا حماة الفساد، والقليل منا اتهمه بأنه لسان حال السلطة، وأقل القليل خطط لاغتياله وهدد بخطف أحفاده وزرع القلق في حياته.

إقرأ أيضا : محمود حسونة يكتب : عادل إمام .. صمت الكبار

ورغم كل الأشواك التي وضعوها في طريق عادل إمام، إلا أنه استطاع أن يواصل رحلة صعوده سلم المجد وجلوسه على كرسي الزعامة، وذلك بفضل قوة شخصيته وثقته في موهبته واتساع مساحة وعيه وذكائه وقدرته على قراءة الواقع واستقراء المستقبل؛ 60 عاماً بدأها مثل غيره بأدوار ثانوية، لكنه استطاع في كل دور صغير أن يترك بصمة، لينتقل منه إلى دور أكبر فأكبر حتى وصل إلى القمة، جلس عليها نصف قرن، لم ينازعه فيها أحد، خطه البياني لم يعرف التعرجات، بدأ من نقطة الصفر واستمر صعوداً حتى استوى ليظل متربعاً على العرش نجماً للنجوم وملكاً للكوميديا وصانع نجوم منحاز لكل صاحب موهبة من الشباب، وزعيماً في السينما والمسرح والتليفزيون، كل الفنانين حلموا بالعمل معه وكل المخرجين تمنوا الوقوف خلف كاميرته وكل المؤلفين انتظروا اختياره لنصوصهم لينقلهم من عالم إلى عالم.

عادل إمام .ز يمثل ذاكرة الأمة المصرية

عادل إمام ذاكرة مصرية

غيّر ملامح النجم، وارتدى في أعماله ملابس لم يكن معتاداً أن يرتديها الأبطال، وتحدث بلسان البسطاء وتقمص شخصيات من القاع وأخرى من القمة، وكما ورد في الفيلم الوثائقي (عادل إمام ذاكرة مصرية)، فقد جسد شخصية الفقير 38 مرة وشخصية ابن الطبقة المتوسطة 23 مرة وشخصية الثري 14 مرة، وهو ما يؤكد انحيازه للبسطاء، أضحك جميع طبقات الشعب وأبكى الفقراء على حالهم والفاسدين على فضائحهم والمتطرفين على استغلالهم للدين وتلاعبهم بمشاعر العامة، استغل مساحة الحرية المسموح بها كاملة غير منقوصة، وخاض معارك مع الرقابة ومعارك في ساحات القضاء دفاعاً عن أعماله ورؤاه ومواقفه.
إقرأ أيضا : عادل إمام .. المهرجان القومي للمسرح يطلق اسمه على دورته الجديدة

عادل إمام انتقل من مساحة المنوعات في وسائل الإعلام المختلفة، إلى مساحة الساسة والزعماء منذ سنوات طويلة، بعد أن تحول من ممثل ثم بطل ثم نجم شباك ثم نجم نجوم ثم صانع أحداث ثم شخصية عامة، لتتصدر أخباره وتصريحاته الصفحات الأولى بالصحف ونشرات الأخبار في الإذاعة والتليفزيون، ولعل فيلم (عادل إمام ذاكرة مصرية) الذي أنتجته قناة العربية وبثته على شاشتها قبل أسبوع وأعدته وقدمته مراسلتها بالقاهرة رندة أبو العزم خير دليل وبرهان، (العربية) قناة إخبارية غير مصرية، تهتم بالحدث السياسي العربي والعالمي، وإنتاجها فيلم وثائقي عن عادل إمام هو وضع للرجل في مكانه المناسب، واستضافتها خلال الفيلم لوزيرين سابقين للثقافة وعدد من المفكرين الساسيين للحديث عنه وعن دوره السياسي ورمزيته الفكرية ومكانته الشعبية هو تأكيد على أنه ليس مجرد فنان، بل هو مبدع صاحب رؤية وموقف، عبّر عن رؤاه ومواقفه في أعماله المختلفة، كما عبّر عنها في تصريحاته وحواراته وندواته.

أفلام عادل إمام فضحت الفساد

عادل إمام فضح الفساد

نعم، فضح الفساد وكشف مستور القطط السمان من وحوش البيزنس وناهض انحرافات السلطة، ولكن الأهم من كل ذلك أنه تحدى الإرهاب وثار على الإرهابيين ولم تمنعه تهديداتهم له من أن يصرخ بأعلى الصوت محذراً منهم وفاضحاً ألاعيبهم على الملأ، حيث علم باعتداء الإرهابيين على أعضاء فرقة مسرحية محلية أسسها شباب حالم ومؤمن بالفن في قرية (كودية الإسلام) بمركز ديروط في محافظة أسيوط، بعد أن اعتبرهم المتطرفون من أهل الكفر والعصيان والفسوق وحاولوا منعهم من تقديم عرضهم المسرحي بالقوة وردعهم باستخدام الجنازير والسنج فسقط ومات شهيدان للفن وأصيب آخرون، على الفور قرر السفر بفرقته المسرحية إلى أسيوط والتي كانت معقلاً للتطرف حينئذ، ليعرض فيها مسرحيته (الواد سيد الشغال) مجاناً، دفاعاً عن الفن وعن الكلمة وعن الأبداع وتحدياً للتطرف والعنف والإرهاب، قرار ما كان يمكن أن يتخذه سوى عادل إمام، خوفاً على الوطن من المد الإرهابي وخوفاً على الفن من أن تخرسه رشاشات ورصاصات وتفجيرات المتطرفين وخوفاً على الإسلام من أن يسيئوا إليه وينجحون في تكريسه لدى السذج والمتخلفين والأجانب دين تطرف لا دين اعتدال ووسطية أرسله الله للناس جميعاً عبر رسول وصفه رب الخلق (وإنك لعلى خلق عظيم).

الزعيم عادل إمام أكبر فنان تصدى للإرهاب

عادل إمام  والإرهاب والكباب

منذ عرض عادل إمام مسرحيته في أسيوط، وهو هدف للإرهابيين، وفي ذات الوقت هم هدف له، قدم العديد من الأعمال التي تفند قصورهم وتفضح تطرفهم، منها (الإرهاب والكباب، الإرهاب، طيور الظلام، حسن ومرقص)، وهم من خلال جماعاتهم المختلفة، راقبوه وخططوا لاغتياله، علم ببعض مخططاتهم، وعلمت الدولة ببعضها الآخر وعينت عليه حراسة مسلحة، ورغم ذلك لم يتراجع ولم يخف، وواصل تحديهم بالفن والابداع بثبات، وكانت المفاجأة التي كشفت عنها قناة (العربية) ولم يكن يعلمها عادل إمام، مخطط لاغتياله من قبل الجماعة الإسلامية، أعلن عنه أحد عناصرهم التائبة وهو محمد كروم والذي تم تكليفه من قبل عبود الزمر خلال زيارته لوالده بالسجن، وكان ذلك عام 1992 وكان مقرراً أن يتم الاغتيال أمام مسرح الهرم حيث كان يعرض مسرحية (الزعيم)، وهو المخطط الذي علم به عادل إمام الأسبوع الماضي فقط مع كل مشاهدي الفيلم.

عادل إمام تجاوز مساحات النجومية وحلق في فضاءات صناع الأحداث المهمة، ظل عبر رحلته حائط صد غير قابل للكسر، كسر الإرهابيين ولم يكسروه كما لم تكسره مخططات الاغتيال ولا شائعات المغرضين ولا مؤامرات المتآمرين، وسيذكره التاريخ زعيماً وسيظل نجماً للنجوم، تزداد أعماله قيمة مع مرور الزمن ويكفي أنها الأكثر مشاهدة عندما تعرض في التليفزيون حتى اليوم، وكلمة السر وراء ذلك هو إخلاصه لفنه والتفاني في أدائه واحترام جمهوره والاحساس بناسه، من دون أن تنال من عزيمته وإصراره على قول كلمته والدفاع عن مبادئه، معاناته وقلقه على حياته وأسرته.

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.