رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

انتبهوا أيها السادة .. الصرخة التى مازالت تدوي حتى لآن !

* رشح عادل إمام وسعيد صالح لبطولة الفيلم في البداية، واعتذراهما جاء لمصلحة الفيلم

* سامي السلاموني : محمد عبدالعزيز استعاد مستواه القديم كواحد من أفضل مخرجينا الشبان

* حسين فهمي كان مفاجأة الفيلم الحقيقية، وأحسد محمود ياسين على جرأته في تقمص شخصية الزبال

* الفيلم جارح إلى حد كاد يدفعني أحيانا إلى البكاء

كتب : أحمد السماحي

فيلم انتبهوا أيها السادة ، من الأفلام التى يزيدها الزمن تألقا سنة بعد سنة، ويزيده الزمن معنى ورمزا، فالسينما كالخمر تتفاعل مع الزمن بطريقة خاصة، فإما أن تجعلها السنون معتقة فاخرة تزداد قيمتها وتأثيرها مع مرور الزمن، وإما أن تجعلها حامضة مؤذية لا قيمة لها ولا معنى، تذهب أدراج الرياح ولا أحد يشعر بها، وعلى مدى تاريخ السينما شاهدنا أفلام زادها الزمن جمالا وروعة صعب أن نحصرها جميعا لكن على سبيل المثال (العزيمة، سلامة في خير، غزل البنات، رصاصة في القلب، الزوجة 13، مراتي مدير عام، البوسطجي، شيئ من الخوف، الأرض، المومياء، زوجتي والكلب، ليل وقضبان) وغيرها من عشرات الأفلام التى لا تنسى.

هذا الأسبوع في باب (فيلم لاينسى) نتوقف مع فيلم انتبهوا أيها السادة ، الذي أعتبره أيقونة 1980 التى مازلت حاضرة بقوة حتى الآن بسبب قوة موضوعها والفكرة التى يناقشها، والتى تذكرنا بما يحدث حاليا، من ظهور طفيليات تافه فارغة المضمون تشبه (عنتر الزبال) هذه الطفيليات أصبحت هي المسيطرة، وهي التى تدير، وهي التي في دائرة الضوء، وكل من له قيمة ورؤية وثقافة ووعي يشبه (جلال) بطل فيلمنا (انتبهوا أيها السادة) بعيدا عن المشهد، جالس ينتظر الاتي أن يأتي ولا يأتي!.

إقرأ أيضا : محمد عبد العزيز .. آخر عظماء سينما الأبيض والأسود

كتب سيناريو فيلم انتبهوا أيها السادة ، بشكل شديد التميز السيناريست الموهوب بقوة أحمد عبدالوهاب، الذي حكى لي نجمنا الكبير وصديقي الغالي كمال الشناوي، أنه أحد اكتشافاته في مجال السيناريو، وكان يريد منى أن أذاكر أفلامه جيدا حتى أصبح مثله، وأسير على دربه في كتابة الأفلام، لكني فضلت الكتابة الصحافية عن الكتابة السينمائية!.

بوستر فيلم انتبهوا أيها السادة

اعتذارات انتبهوا أيها السادة

بالعودة إلى ظروف انتاج فيلم انتبهوا أيها السادة ، نجد أنه رشح له في البداية النجمين عادل إمام، وسعيد صالح، حيث كان عام 1979 هو عام النجم عادل إمام بجدارة فقد عرض له 6 أفلام حقق بعضها نجاحا جماهيريا كبيرا هى (رجب فوق صفيح ساخن، مغامرون حول العالم، الخدعة الخفية، قاتل ما قتلش حد، احنا بتوع الأتوبيس، خلي بالك من جيرانك)، وحقق فيلم (رجب فوق صفيح ساخن) إخراج أحمد فؤاد تحديدا نجاحا جماهيريا ساحقا، وضع عادل إمام على أول طريق البطولة المطلقة والنجومية الساحقة.

وكان طبيعيا عندما عرض فيلم انتبهوا ايها السادة ، على المخرج محمد عبدالعزيز، صديق عادل إمام، والذي أخرج له حتى هذه الفترة مجموعة من الأفلام الجيدة مثل (جنس ناعم، البعض يذهب للمأذون مرتين، المحفظة معايا، قاتل ما قتلش حد، خلي بالك من جيرانك) أن يفكر فيه لبطولة الفيلم، وبالفعل تم عرض الفيلم عليه، لكن يبدو أن النجاح الضخم الذي حققه فيلم (رجب) جعله يتردد في الموافقة على فيلم بعيدا عن اللون الكوميدي الذي نجح فيه بقوة، وكان اعتذاره هو وسعيد صالح عن البطولة مكسب للفيلم، فقوة (عادل وسعيد) في الكوميديا كانت ممكن تقلل من القيمة الاجتماعية التي يطرحها الفيلم.

برع محمود ياسين في دور عنتر الزبال في انتبهوا أيها السادة

قصة انتبهوا أيها السادة

في بداية عرض فيلم انتبهوا أيها السادة ، وفي (الآفان تتر) نجد مشهد أقرب إلى (الإيفيه) حيث نرى (عنتر الزبال / محمود ياسين) يذهب كل صباح ليأخذ الزبالة من الشقق، ومن بين الشقق التى يأخذ منها الزبالة، شقة المستشار (فهمي إبراهيم / صلاح نظمي) وابنه (جلال / حسين فهمي) الذي يعد رسالة دكتوراه في الفلسفة، وفي أحد الأيام يعجب بالفتاة (سعاد / زيزي مصطفى) ابنة المستشار، ويظنها شغالة!.

ويذهب بالفعل لخطبتها، وعندما تندهش (الهانم) زوجة المستشار من طلبه هى وباقي العائلة يعدها بأنه سياتي لها بواحدة بدلا منها، لكن هذه الأسرة البرجوازية المثقفة تطرد (عنتر) شر طردة، لتبدأ بعدها عناوين الفيلم، الذي لم يضع وقت الجمهور حيث يتعرف جلال على عايدة، والأسماء تكتب، وبمجرد انتهاء العناوين، يحصل جلال على الدكتوراه، وتسعد خطيبته (عايدة / ناهد شريف) بالخبر، ونجد (سعاد) تزوجت من صحفي يدعى (فتحى شاهين)، ونشاهد (عنتر) ومظاهر الثراء والعز تبدو عليه من خلال بدلة غالية جدا لكنها تخلو من الذوق وغير متناسقة مع ما تحتها!

ويفاجأ جلال أثناء بحثه عن شقة مع خطيبته عايدة بجامع القمامة عنتر يمتلك عدة عمارات، وقد أثري ثراء كبيرا من عمله، ويعجب عنتر بعايدة ويتودد لها بالهدايا، وتستجيب له خاصة بعد إلحاح والداتها الجشعة ماديا عليها، وعجز جلال عن تحسين ظروفه والعثور على الشقة واستكمال نفقات الزواج، وتوافق عايدة على الزواج من عنتر وتتخلى عن جلال الذي يصاب بالصدمة، فدرجاته العلمية لا قيمة لها بجانب ما يملكه عنتر من مال، ويصرخ جلال في آخر محاضراته لتلاميذه في الجامعة وبعد رؤيته لزفاف عايدة من عنتر، قائلا بحسرة وألم : الحقيقة عنتر!،  وتدق ساعة جامعة القاهرة دقاتها كناقوس للخطر، ونجد جلال يهيم على وجهه عند تمثال (نهضة مصر)  ويتأمل مشهد لنفس بداية الفيلم جامع قمامه لكن طفل صغير يسير بعربته فيتأمله متعجبا، وينتهي الفيلم البديع عند هذا الحد تاركا خلفه مئات من الأسئلة والأستفسارات والأعجاب.

حسين فهمى كان مفاجأة فيلم انتبهوا أيها السادة

نقد انتبهوا أيها السادة

كتب الناقد الكبير الراحل سامي السلاموني نقدا رائعا لفيلم انتبهوا أيها السادة في مجلة (الإذاعة والتليفزيون) في 29 إبريل عام 1980، ومن ضمن ما جاء فيه: (إن فيلم انتبهوا أيها السادة ، هو فيلم عن الحقيقة فعلا، وكل ما فيه حقيقة، وهو فيلم جارح إلى حد كاد يدفعني أحيانا إلى البكاء، ثم هو فيلم يذكرنا بأشياء كثيرة طيبة ونظيفة هي أروع ما في جوهر المصريين عندما يحسون بالألم، وعندما يرفضون (منطق الزبالة)، وربما من سنوات عديدة لم نشاهد فيلما مصريا يهزنا ويدهشنا ويؤلمنا ويطهرنا ويجرحنا في وقت واحد كما يفعل هذا الفيلم، وهو أفضل أفلام كاتب السيناريو أحمد عبدالوهاب على الإطلاق، وهو يمزج فيه ببراعة بين الكوميديا والمأساة، ومن خلال واقع حي ومعاش وبلا افتعال.

واضح أنه لجأ فقط إلى الرمز، فالزبال هنا هو مجرد رمز لمهن أخرى ولمصادر إثراء سريع غير نظيفة، والدكتور هو مجرد رمز لما نحلم به جميعا لأنه أفضل ما في المصريين الحقيقيين الذين لم يعملوا أبدا في الزبالة، ولن يعملوا.

ومحمد عبدالعزيز استعاد في فيلم انتبهوا أيها السادة ، مستواه القديم كواحد من أفضل مخرجينا الشبان، واضح أن مشكلته كانت مشكلة نص يقتنع به ويقول شيئا جادا، فبعد بضعة أفلام كان واضحا أنه لا يعتني بعمله كما يجب، تحس أنه عاد لبذل المجهود والعناء من جديد، خصوصا وهو يمزج الرواية بالجزء التسجيلي الذي صوره في “مقلب زبالة” حقيقي، وهو من أفضل أجزاء الفيلم، واستخدامه لرقصة هياتم وغناء كتكوت المير كان مبررا وموظفا وفي مكانه الصحيح كتأكيد على القبح والابتذال.

أما محمود ياسين فأني أحسده على جرأته في تقمص شخصية الزبال في فيلم انتبهوا أيها السادة ،بهذه البراعة وبهذا الإقناع وبالقدرة على التنوع والتلون من شخصية إلى أخري، وأعترف أن حسين فهمي كان مفاجأة الفيلم الحقيقية، فهو هنا يقدم أفضل أدواره على الأطلاق ومنذ بدأ التمثيل، وهو يحمل عبء الصراع الرئيسي والمعاناة المريرة على كتفيه وينجح إلى حد مدهش.

ناهد شريف ومحمود ياسين وحسين فهمي في مشهد من انتبهوا أيها السادة

الأفلام التى عرضت عام 1980

عرض عام 1980 حسب احصائية الناقد والباحث السينمائي محمود قاسم 34 فيلما سينمائيا هي (الشباك، لست شيطانا ولا ملاكا، ضربة شمس، لا تظلموا النساء، أبو البنات، دموع بلا خطايا، الرغبة، أذكياء لكن أغبياء، قصر في الهواء، الأخوة الغرباء، الأبالسة، الفقراء أولادي، رجل فقد عقله، غاوي مشاكل، حب لا يرى الشمس، إمرأة بلا قيد، دائرة الشك، تحدي الأقوياء، العاشقة، عذاب الحب، عمل ايه الحب في بابا، الباطنية، علامة معناها الخطأ، البنات عايزة ايه، الجحيم، شعبان تحت الصفر، شفاه لا تعرف الكذب، ليلة بكى فيها القمر، الأخرس، وتمضي الأيام، الشريدة، جنون الشباب، حبيبي دائما)

أحداث عام 1980

ذكر الناقد السينمائي الراحل علي (أبوشادي) في كتابه (وقائع السينما المصرية في مائة عام) أحداث عام 1980، ورصدها كما ننشرها الآن:

** تراجع الإنتاج السينمائي ولم يعرض هذا العام سوى 34 فيلما، منها ثلاثة لمخرجين جدد هم سمير نوار، ومدير التصوير عبدالحليم نصر، ومحمد خان.

** أقامت الثقافة الجماهيرية أيام السينما التسجيلية بالإسماعيلية من 26 إلى 29 ديسمبر ، بالإشتراك مع المركز القومي للسينما، والمعهد العالي للسينما وجمعية نقاد السينما المصريين، وجماعة السينمائيين التسجيليين، وعرضت خلالها الأفلام التسجيلية التى حصلت على جوائز المهرجان القومي في الفترة من 1970 إلى 1980 وصدر عن المهرجان كتاب (السينما التسجيلية 70 / 80) للناقد علي أبوشادي.

** انعقد المهرجان القومي العاشر للسينما التسجيلية في الفترة من 29 أبريل إلى 4 مايو بعد أن توقف عام 1979، وحصل فيلم (من فيله إلى ايجيليكا) إخراج سعد نديم على الميدالية الذهبية لحسن فيلم في المهرجان.

** شاركت مصر بفيلم (الحب وحده لا يكفي) إخراج علي عبدالخالق في المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة في مهرجان قرطاج بتونس، وعرض في قسم الأطفال فيلم (السندباد الأخضر) إخراج محسن زايد إنتاج الثقافة الجماهيرية.

** توفى المخرج التسجيلي رائد السينما التسجيلية سعد نديم، والممثل الكبير رشدي أباظة، والممثلة ناهد شريف.

** أعلنت جوائز الدولة للسينما وحصل فيلم (قاهر الظلام) إخراج عاطف سالم على جائزة أحسن إنتاج، وحصل يوسف شاهين على جائزة أحسن اخراج عن (اسكندرية ليه)، وسعاد حسني أحسن ممثلة عن (المتوحشة)، ونور الشريف أحسن ممثل عن (مع سبق الإصرار) الذي حصل على جائزة أحسن سيناريو وأحسن مونتاج.

** فاز فيلم (قاهر الظلام) إخراج عاطف سالم بجائزة أحسن فيلم من المركز الكاثوليكي، كما فاز فيلم (عشاق تحت العشرين) لبركات بجائزة جمال عبدالناصر التذكارية.

بداية فيلم انتبهوا أيها السادة
محمود ياسين وحسين فهمي في مواجهة ساخنة بفيلم انتبهوا أيها السادة
صلاح نظمي لعب دور الأب الحريص على أولاده في انتبهوا أيها السادة
زيزي مصطفى ومعها الطفل كريم عبد العزيز في مشهد من انتبهوا أيها السادة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.