رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

مبنى سينما ريفولي التاريخي يتحول إلى (خرابة) تمهيدا لهدمه!

* بطاح التوفيقيه أطاح بالتراث الثقافي والفنى لسينما ريفولي فى قلب القاهرة الخديوية

* نسأل فى تعجب!: من الذى يقف خلف بلطجى التوفيقية الذي استولى على المبني بشكل سافر؟

* أين دور الأجهزه الرقابية والقانون من التعدي الصارخ على هذا الصرح الفني العريق؟

* مدخل دار العرض التراثية أصبح معرضا لبيع (حلاوة المولد) وواجهتها الخارجية محلات عصير قصب و(مقلة لب) وانهيار الطوابق العليا.

كتب: محمد حبوشة

سينما ريفولي .. تاريخ طويل مليء بالأحداث الفنية والسياسية التاريخية تحمله بين جدرانها وصالتها المتهالة حاليا، بدأ عام 1948، ولا تتسع المساحة هنا لحصره أو حتى الإشارة إلى أغلبه.. تاريخ لا يجب أن يهزمه تاجر قطع غيار سيارات أو أي من كان، ومبنى تصل مساحته إلى 8 آلاف متر بتصميم تراثي مميز لمهندس معماري إنجليزي شهير هو (ليونارد ألين)، وقاعات تتسع لأكثر من 2000 كرسي بينما نحتاج إلى المزيد من المسارح المجهزة وقاعات العرض، والأهم أن هذه الجريمة تجري وقائعها في قلب وسط البلد وفي أشهر شوارعها شارع 26 يوليو، الذي كان قبل ذلك يسمى شارع فؤاد، أقدم وأبرز شوارع مصر كلها في الثلاثينيات والأربعينيات، وليس في زقاق أو شارع جانبي.

ترجع ملكية سينما ريفولي لمنظمة (رانك البريطانية)، وكانت فى بدايتها تعرض الأفلام البريطانية، فبعد حريق القاهرة ودمار السينما، تركتها منظمة (رانك) وسحبت سيطرتها على المبنى لتعود للإدارة المصرية بعد إعادة افتتاحها، ثم تم بيعها بعد ذلك، وكتبت العديد من الروايات في فترة الخمسينيات والستينيات حول هذا المكان الذي ظل منارة فنية في قلب العاصمة، فكل رواية رومانسية كتبت آنذاك لم تخلو من ذكر سينما ريفولى كمكان لمقابلة العشاق، وكان الكتاب والروائيين لا يجدون أشهر منها لذكرها فى موعد تلقى الأحبة، منها: (سامر العشاق، حارة النصاري، عزيزي فلان، أشعار الثورة بالعامية المصرية، المعركة، فاصل للدهشة، شيكاجو)، وغيرها من الروايات التي خلدت أشهر دور عرض في التاريخ، وهذا دليل على شهرتها آنذاك.

إقرأ أيضا : مهرجاني (القاهره السينمائي، والبحر الأحمر) يعيدان ترميم كلاسيكات السينما المصرية

تبدأ أزمة سينما ريفولي عندما استأجرها الفنان فريد شوقي السينما التي كانت فيلا فاطمة رشدي سابقا – في مارس 1990 عبر (اتحاد الفنانين) ليتم عرض الأفلام والمسرحيات فيها، علما أن آخر مسرحية عرضت فيها هى (شارع محمد على) عام 1991، ثم بعد ذلك استأجر رجل الأعمال السعودي الشيخ صالح كامل آنذاك المسرح، وقسمه إلى خمس قاعات وحوله إلى دار عرض سينمائية تديرها ابنته (هديل) وظلت في حيازة الشيخ صالح حتى 2003 وهو ميعاد انتهاء العقد.

ثم آلت ملكية سينما ريفولي في ليلة سوداء إلى (شركة جدة) المملوكة للأمير الوليد بن طلال، التي ورثها عن والده الأمير طلال بن عبد العزيز، وبقيت السينما مفتوحة لفترة طويلة إلى أن أغلقت في آواخر 2013 بشكل نهائي، لتعيش رحلة جديدة من المعاناة والإهمال، وأما حال السينما الآن، يحتل واجهتها الأمامية الباعة ومحال تجارية، وكان آخر فيلم عرض فيها هو (القط)، إذ كانت تنظم آنذاك نحو 14 حفلة يوميا بموجب تعاقد لمصلحة الشركة العربية للإنتاج والتوزيع السينمائي المملوكة للفنانة إسعاد يونس.

مبنى سينما ريفولي التاريخي يتحول إلى (خرابة) تمهيدا لهدمه!
الحريق الذي تسبب في تشويه المبنى وتغيير ملامحه

حريق سينما ريفولي

في أعقاب حريق غامض اشتعل في قاعاتها عام 2018، واستغلال أعمال حفر مترو الأنفاق للقضاء على السينما تماما، استغل تاجر في سوق التوفيقية يدعي شراكته للأمير الوليد بن طلال مالك (ريفولي) ويؤجر مخارج الطوارئ لباعة الإكسسوارات والمواد القابلة للاشتعال، حيث يدعي (خالد بطاح) أنه مدير أملاك الأمير الوليد بن طلال وأنه شريكه أيضا، وبالتالي له حق التصرف في مبنى السينما المسجلة ضمن سجل المباني التراثية في الجهاز القومي للتنسيق الحضاري برئاسة المهندس محمد أبو سعدة منذ عام 2010 باعتبارها من المباني التراثية المميزة في وسط البلد.

الثابت في وقائع هذه القضية الشائكة أنه لا يحق للسيد بطاح هدمها أو تغيير واجهتها، لكنه تحايل على ذلك بتأجير المدخل وما حوله، لصالح عدة محلات تقوم هى بدورها بتغيير طبيعة المبنى، ومنذ عام 2016 حاول حي الأزبكية إغلاق هذه المحلات بالشمع الأحمر، لكنها تعاود نشاطها بعد يومين، وهو ما تضمنه تصريح صحفي للمهندس سيد عبد الفتاح رئيس حي الأزبكية في عام 2017 أنه قام بعدة حملات بالتعاون مع الأجهزة المعنية لإزالة كافة الإشغالات بمحيط سينما ريفولي، وأسفرت الحملات عن إغلاق أربعة محال وتشميع الباكيات داخل السينما، لكن الباعة يعودون بعد دفع غرامة قيمتها مائة جنيه!

إقرأ أيضا : (البقية في حياتك في خالتك سيما)!

تواصل التحايل لتغيير طبيعة المبنى وتحويل السينما إلى مول تجاري، بفتح المزيد من المحلات في مدخلها وهدم قاعة الطابق الأرضي، ثم وضعت لافتات نهاية عام 2017 تعلن أن السينما قيد التطوير!، لكن التحايل وصل إلى مرحلة خشنة، واندلع حريق غامض في الطوابق العليا للسينما وسطحها في فجر أحد أيام شهر أغسطس عام 2018، ما ذكر تجار سوق التوفيقية بحريق يشابه حريق السينما في (حكر) داخل السوق رفض شاغلوه إخلاءه وكان أحد أطراف هذا النزاع على (الحكر) أيضا السيد خالد درويش بطاح، الذي خرج على الصحفيين بعد حريق (ريفولي) ليعلن أن النيران الغامضة التهمت الأسقف وأنها دمرت أعمال التطوير التي يقوم بها في السينما وبلغت قيمتها نحو 30 مليون جنيه على حد ادعاءاته، وكان واضحا للجميع ممن استطاعوا تصوير المكان من الداخل أنه لا تطوير هناك ولا غيره وأن مبنى السينما يتم تخريبه من الداخل ومن الجوانب التي كانت ممرات خروج لرواد (ريفولي)، بحيث لا تصلح لأن تكون دار عرض وفق قواعد وإجراءات الحماية المدنية!

مبنى سينما ريفولي التاريخي يتحول إلى (خرابة) تمهيدا لهدمه!
سينما ريفولي في طى كتمان الإهمال والفساد

حفلات شهيرة  في سينما ريقولي

مع بدء أعمال حفر الخط الجديد لمترو الأنفاق، ووضع فواصل حديدية حول موقع العمل، ساعدت على عزل مبنى السينما عن أعين الجميع، زادت وتيرة فتح المحلات والباكيات في مبنى سينما ريفولي وتدمير المدخل وتغيير شكله وطبيعته، وفتح قاعة العرض الأرضية على البهو الذي كان يضم مكتب التذاكر، وإزالة الحوائط الخشبية المميزة له، وللتغطية على هذا كله خرج السيد خالد درويش بطاح بالإعلان عن ما يسمى (أكاديمية ريفولي) الفنية التي يشرف عليها الفنان أحمد ماهر، ووضعت صور الأخير في كل مكان داخل وخارج السينما، وأفيشات لأدواره التلفزيونية بأحجام أكبر من من صور النجوم التاريخيين مثل أم كلثوم وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ وشادية، ممن أحيوا حفلات شهيرة على (مسرح ريفولي)، أو نجوم السينما التي عرضت أعمالهم على شاشاتها من بداية الخمسينيات وحتى التسعينيات! وقد عوض الفنان أحمد ماهر غيابه عن الأعمال الفنية وعدم طلب المخرجين له بالتواجد في مكتب فخم أقيم له داخل السينما التاريخية دون أن يفعل شيئا حقيقيا سوى المساعدة فيما يحدث من تدمير هذه السينما التاريخية!

إقرأ أيضا : المراهقات .. الفيلم الذي أثار ضجة فى الشارع المصري

وكان أوضح رئيس مجلس إدارة السينما الفنان أحمد ماهر في تصريحات له عقب حريق السينما في 2018، إن ليلة حريق السينما كان هناك اجتماع لنخبة الشخصيات البارزة في المجتمع من أجل تأسيس شركة سينما ريفولى للاستثمار، تضم مسرح وسينما وقناة فضائية للطفل العربي، إلا أن الحريق تسبب في إيقاف هذه الشركة ولكن سوف تتم بعد ترميمها، فكان من المقرر يتم إعادة فتحها أخر عام 2018.

وأكاد أجزم أن الوليد بن طلال لا يعرف شيئا وسط استثماراته الضخمة التي تتمدد حول العالم، عن حقيقة ما يجري في سينما ريفولي باستغلال اسمه، حيث أنه لا يستطيع هو نفسه أن يغير فيها باعتبارها مسجلة في قوائم التراث المعماري، ولا أعتقد أيضا أنه منح السيد خالد بطاح تفويضا ليفعل في  سينما ريفولي ما يفعله حاليا، ومن هنا فإن الدولة ممثلة في وزارة الثقافة مطالبة بمخاطبة الوليد بن طلال وإعلامه بما يجري لوقف هذه التخريب فورا، وإلزام من قام به بإعادة الشيء إلى أصله على نفقته، وإعادة بناء ما تم تدميره تحت إشراف الجهاز القومي للتنسيق الحضاري وفق التصميمات الأصلية للمكان.

مبنى سينما ريفولي التاريخي يتحول إلى (خرابة) تمهيدا لهدمه!الإهمال أصاب سينما ريفولي

ياسادة: في العالم كله تتحول المباني مثل مبنى  سينما ريفولي إلى متاحف، وليس إلى محلات لبيع عصير القصب أو قطع غيار السيارات، وهذه السينما لا تتمتع فقط بمبنى ذي طراز معماري مميز تراثي، فلها أيضا تاريخ فني طويل وعظيم، لقد كانت السينما الشهيرة ضمن ضحايا حريق القاهرة عام 1952 ولكنها نجت وتم إنقاذها وتجديدها، لتصبح بعد أهم دار عرض ومسرح في القاهرة وتغني على مسرحها السيدة أم كلثوم، وفي فبراير عام 1953 أقيم حفل كبير حضره اللواء محمد نجيب قائد الثورة لصالح إغاثة منكوبي الفيضان في هولندا، وتضمنت فقرات الحفل غناء ليلى مراد لـ (نشيد التحرير)، إضافة إلى فقرات فكاهية ومونولجات للفنان إسماعيل يس وفقرة للباليه الفرنسي وفقرات لعدد من الفنانين الأجانب، وتكررت حفلات كوكب الشرق في (ريفولي) لتحيي حفلا شهيرا عام 1955 حضره الرئيس جمال عبد الناصر وبصحبته المشير عامر.

وفي عام 1958 استضافت سينما ريفولي مهرجان الفيلم السوفييتي العالمي، والمهرجان السينمائي الآسيوي الأفريقي في فبراير عام 1960، وعلى مسرحها أيضا قدمت الفنانة شادية أغنيتها الشهيرة (يا مسافر بورسعيد) في عام 1957 بعد دحر العدوان الثلاثي، وغنى فيها الفنان عبد الحليم حافظ (أحلف بسماها وبترابها) لأول مرة في سبتمبر 1967.

ظني أنه لابد يجب أن تتوقف فورا هذه الجريمة، وأن يحاسب المسئول عنها ويدفع الثمن، هو وكل من تحايل على القانون وكل من ساعده ولو بالصمت، لقد كان المخربون أكثر دأبا في خطواتهم وأكثر تصميما على إكمال استيلائهم على سينما ومسرح (ريفولي) من مؤسسات إنفاذ القانون، ومن الجماعة الثقافية والمدافعين عن التراث، وهذا يجب أن ينتهي الآن وبحسم، حتى لا يتكرر ما حدث في سينمات ومسارح شارع عماد الدين.

والسؤال الذى يطرح نفسه وبقوه ونحن تحت راية فخامة عبد الفتاح السيسي فى تحقيق العدل والقضاء على الفساد والبلطجية، ونحن أيضا فى ظل الجمهوريه الجديده نسأل ونريد إجابه واضحه من المسؤولين: أين دور محافظ القاهرة حافظ عبد العال؟، وأين دور المهندسه فاتن ابراهيم رئيسة حى الأزبكية الجديدة، فى تنفيذ قرارات الإزاله لهذه المحال المخالفه؟، وأين دور مكافحة التهرب الضريبي ومصلحة الضرائب التابعه لها سينما ريفولى، ثم أين دورهم فى أخذ حق الدوله من عائدات تأجير المحلات والتى تقدر بالملايين؟، ويمتد السؤال أيضا ليشمل: أين دور هيئة التنسيق الحضارى؟، وأين دور وزير التنميه المحليه؟

للاسف الشديد لانسمع منهم أية إجابات لأنهم غائبون نائمون بل هم أصدقاء حميمين للمدعو (خالد بطاح) الذى استولى على سينما ريفولي لصالح (أمير عربى) يحمل أجندة تدمير الفن المصرى عن عمد.. لكى الله يامصر فى تدمير التراث الفنى عبر (بلطجية بطاح)، ومن يحمونه سواء كانوا مسؤولين سابقين أو فنانين عفا عليهم الزمن والشهرة، ومن ثم ينبغي أن يتحرك مجلس النواب في التقدم باستجواب عاجل حول الوضع المأساوي الذي تتعرض له سينما ريفولي من مؤامرات تحاك ضد منشأة ثقافية لعبت دورا مهما في تاريخ الفن المصري، وأخيرا: هذه رسالتى لفخامة عبد الفتاح السيسى بالتدخل شخصيا لإنقاذ أثر فني عريق يجب أن نحافظ عليه قبل الضياع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.