رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمود حسونة يكتب: (جعفر العمدة).. دراما التشويق الرخيص!


بقلم: محمود حسونة

قليل من الموهبة قد تقود صاحبها إلى مصاف النجوم، وكثير منها قد تصنع منه فناناً قديراً يتقمص الصعب من الأدوار ويجيد الاندماج في الشخصيات التي يمثلها ولكن لا يتصدر اسمه الأفيشات أو التيترات، ويظل يعمل تحت مظلة نجم قد يكون أقل منه موهبةً، ولدينا الكثير من الفنانين القدامى والمعاصرين الذين شاهدناهم يبدعون في أدوارهم ويتفوقون على النجوم ولكنهم لا يتقدمون إلى الصفوف الأمامية، فالموهبة وحدها لا تصنع نجماً، بل هناك شيء آخر أهم من الموهبة وهو القبول، فقد تجد فناناً يتمتع بالقبول الجماهيري ويخلو من الموهبة يتقدم الصفوف على من يتمتعون بالموهبة ويفتقدون القبول، وعندما يتوافر في الشخص القبول ومعه الذكاء فإنه لايكتفي بأن يكون نجماً بل قد يصعد إلى قمة القمم ويصبح نجم النجوم، والنجم (محمد رمضان) من هذه النوعية التي حباها الله بالقبول مع الذكاء الفني وهو ما جعله يقفز فوق آخرين، بعضهم أكثر منه موهبةً.

ذكاء (محمد رمضان) يساعده على توظيف ما لديه من قبول مع حصته من الموهبة للنهوض بعد كل كبوة يتعرض لها أو كل مستنقع يسقط فيه، وبعد الكبوات التي تعرض لها خلال السنوات الأخيرة، والتي دفع الكثيرين لتوقع أفول نجمه، نجح خلال الموسم الرمضاني الأخير أن يستعيد عرشه من خلال مسلسل (جعفر العمدة)، والذي لم يكن رد اعتبار لرمضان وحده ولكنه أيضاً رد اعتبار لمخرجه ومؤلفه (محمد سامي) الذي كاد مسلسل (نسل الأغراب) أن يكتب نهايته في عالم الدراما. يبدو أن الكيميا التي بين رمضان وسامي مع ما يتمتع به كل منهما من ذكاء يساعدهما على تغيير كل المعادلات حال تعاونهما، وهو ما حدث في لقاءات سابقة لهما مثل (الأسطورة، والبرنس) اللذين جعلا رمضان يرتدي عباءة (النجم الأسطورة)، وسامي يرتدي عباءة (برنس الإخراج)، ويكفي (جعفر العمدة) أنه أعاد إليهما القواعد الجماهيرية التي كادت تنصرف عنهما وتغلق أبوابها في وجه كل منهما، رغم ما به من تقاطعات مع كل من (الأسطورة، والبرنس)، ويكفي تشابهاً أن فكرة البحث عن الابن المخطوف والضائعة نفسها تكاد أن تكون متطابقة في (العمدة، والبرنس) مع فارق أن المفقود هنا ابن وهناك ابنة.

نموذج سلبي للدراما الاجتماعية

الغريب في المشاهدين أنهم إذا أرادوا رفع نجم إلى القمة فإنهم فاعلون بصرف النظر عن ما يقدمه، وهو ما حدث مع رمضان في (جعفر العمدة)، والذي لم أكن أنوي مشاهدته، ولكنني اضطررت لذلك بعد حالة الجدل المجتمعي التي أثارها خلال عرضه والتي تتجاوز حالة الجدل التي تثيرها نار الأسعار، وهو ما دفعني للمشاهدة بعد رمضان، وتوهمت أنه سيقدم شيئاً مختلفاً ولكنني لم أجد أي اختلاف، وهو ما يؤكد المؤكد الذي قاله الإمام الشافعي (ملك الملوك إذا وهب لا تسألن عن السبب)، فالمسلسل لا يحمل في مضمونه سوى استفزاز وتجاوز على قيم مجتمعية وبلطجة في التعامل وعنف غير مبرر يرتكبه شخص واحد ضد أعداد من البشر بشكل لا يتقبله عقل وإهانة للمرأة وتكريس وتناقض فج في تركيبة شخصية جعفر، وإهانة لسكان حي يحمل اسم حفيدة رسول الله، وهو الحي الهادئ المتصوف الذي يحترم سكانه حقوق الجار ولا يتجاوزون في حقه، لنجده حياً يرفع شخص يدعي الحكمة والعدل في الجلسات العرفية التي يحكم فيها بين الناس، ولا يعرفها في سلوكياته وشطحاته التي يريد من خلالها المؤلف والمخرج والبطل إحياء نمط الفتوة ابن البلد، وهو لا ابن بلد ولا فتوة.

(جعفر العمدة) الذي يتزوج من أربع نساء، يفرض عليهن الإقامة في شقة واحدة، تعلوها شقة يقيم فيها وحده ويوزع بينهم الأيام لتصعد كل ليلة إحداهن إليه، وكل منهن تنتظر ليلتها بشغف وكأنها ستلتقي سيد الذكورة العاشق الولهان رغم علمهن أن يميز إحداهن على الأخريات حباً، نظرة مهينة للمرأة لا يمحوها أن المسلسل في آخر حلقاته يحاول أن يعيد لجعفر عقله ليعلن أنه أخطأ بالزواج من أربعة وأن واحدة فقط تكفي، ولم تقتصر إهانته للمرأة على جدول المناوبة، ولكنه يمتد إلى منعهن من الإنجاب وحرمانهن من حق الأمومة الذي يعد أكبر دوافع المرأة للزواج منذ أن خلق الله الذكر والأنثى، مهدداً ومتوعداً من تحمل بالطلاق والخروج من جنته الوهمية.

مسلسل يكرس كل ما هو سلبي في الحياة، فهذا الرجل الملئ بالتناقضات والعقد النفسية يحاول أن يلقي بكل أمراضه في وجه المجتمع، يضرب شقيقه الأكبر أمام الجميع، يذهب ليضرب خطيب زوجته الرابعة السابق في مقر عمله أمام زملائه، يضرب صاحب شركة كبرى في مقر شركته وأمام موظفيه وكل ذلك ولا وجود للدولة ولا اعتراف بالقانون وكأنه يقصد تغييبها عامداً متعمداً داعياً الناس لأخذ حقوقهم بالذراع وبالبطش بكل من يتجاوز معه بصرف النظر عن حجم التجاوز، يحكم بين الناس ولا يجد راحته سوى عند راقصة درجة ثالثة، وحدها التي يبوح أمامها بأوجاعه وآلامه، رغم أن له أم فرضها ملكة على مملكة حريمه، وله أربع زوجات ينشدن رضاه.

لم يرتد (محمد رمضان) عباءة جعفر العمدة بقدر ما ارتدى (جعفر العمدة) عباءة (محمد رمضان) الذي يسير على الأرض مختالاً بنفسه، مغروراً وكأن من خلقه لم يخلق سواه، ناظراً لكل من حوله على أنهم أدنى منه درجة، هذا هو محمد رمضان، ولكن (جعفر) ابن واحد من أكثر أحياء القاهرة أصالة وحفاظاً على القيم فقد كنا نتمنى أن نرى فيه بعض خصال هذا الحي العريق.

(التشويق الرخيص) وصف قاله شاب لوالدته التي علمته أن لا يشاهد الفن المبتذل، ووجدته يتابع (جعفر العمدة)، فسألته عن السبب فقال لأنني أجد فيه (التشويق الرخيص)، فعلاً فيه تشويق ولكنه رخيص، وفيه ما يجذب المشاهد ولكنه يهدم القيم، وفيه نماذج لانتمنى وجودها في الواقع، باختصار فيه ما يخدر الناس ويدفعهم لمتابعته، ناهيك عن شطارة بطله (محمد رمضان) ومخرجه (محمد سامي) في التسويق وتجنيد جيوش إلكترونية للدعاية له، لجذب الطبقات المختلفة لمشاهدته، وهم مدركون أن من يشاهد بضع حلقات منه سيواصل مشاهدته حتى النهاية لما فيه من مخدر فني يدفع متابعه لانتظاره كل يوم، وعند آخر حلقاته يحس أنه سيفتقد شيئاً اعتاد عليه وأدمنه.

هالة صدقي
إيمان العاصي
أحمد داش

أهم ما يخرج به مشاهد هذا المسلسل ليس تمثيل (محمد رمضان)، ولكن أداء بعض ممثليه الذين تفوقوا على بطله وكانوا أكثر إخلاصاً للشخصيات التي جسدوها فيه، وأولهم (هالة صدقي) التي أعادت من خلال (صفصف) أمجاد (توحيدة) في (أرابيسك)، وكانت ملكة الإضحاك فيه، و(أحمد فهيم) في شخصية (سيد العمدة) الشقيق الأكبر الذي عبر عن اهتزاز شخصيته أمام زوجته المتطلبة الخائنة وشقيقه الأصغر بصورة تكرسه فناناً كبيراً، و(أحمد داش) في دور الابن المخطوف الذي يعيش أمام أبيه وكلاهما لا يعرف الآخر، و(إيمان العاصي) في دور الزوجة الشريرة و(مي كساب) في دور الزوجة المهووسة بالبحث عن ابنها.

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.