رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

إيلي شويري : أهلي شيدوا بيوت الحجر في كل لبنان، وأنا أعمره بالكلمة والوتر

كتب: أحمد السماحي

في جنازة بسيطة تتوازي مع الظلم الذي على وقع عليه في حياته، تم أمس دفن جثمان الفنان اللبناني العظيم (إيلي شويري) الذي يعد علامة بارزة في الفن اللبناني على مستوى الغناء والتلحين، وقد عاش الفنان الكبير حياته بعيدا عن صخب الشهرة وضجيج الإعلام، ورحل عن عالمنا أول أمس في هدوء بعيدا عن عدسات المصورين وفضول رواد السوشيال ميديا بسهامها الفتاكة والقاتلة، وفي مناسبة رحيله عدنا بالذاكرة إلى الوراء قليلا وتحديدا عام 1995، حيث أجرت الكاتبة الصحفية اللبنانية (لينا حدشيتي) حوار خاص جدا مع الفنان الراحل (أيلي شويري) في مجلة (فن) ونظرا لطرافة وأهمية الحوار الذي يكشف مناطق إنسانية عند الفنان الراحل نعيد نشره:

* أبن أي منطقة لبنانية أنت؟

** أنا مواطن بيروتي، شويري الأصل.

* لماذا التشديد على كلمة (شويري)؟

** لأن (الشويرين) كانوا معماريين، وقد شيدوا بيوت الحجر في كل لبنان.

* وإيلي شويري ماذا يشيد؟

** بدل الحجر أبني قصورا من الوتر، جدي عمر لبنان من حجر، وأنا أعمره بالكلمة والوتر.

مطرب شاب يتطلع إلى متقبل كبير

* ماهي ملامح طفولتك؟

** الشقاوة.

* هل كنت شقيا وثوريا كما أنت اليوم؟

** تماما لأني منذ اللحظة التى وعيت بها على الدنيا تعلمت من الذين حولي أن أكون ثائرا على كل شيئ، فالخطأ الذي ندفع ثمنه اليوم بدأ مع التكوين، وحتى من قبل أن أولد هناك إنسان مظلوم ومسلوب الحقوق.

* ماذا تذكر عن طفولتك في شوارع بيروت القديمة؟

** ذكرياتي كلها تنبع من شوارع بيروت و(زواريبها) والطرقات العتيقة كانت جميلة للغاية، مازلت تمر في مخيلتي أشجار الياسمين، ذكريات جميلة عشتها بفرح.

* أما زلت تحب الياسمين حتى اليوم؟

** كثيرا.

* وتزرعه أمام بيتك؟

** للأسف الياسمين لا يعيش في منطقة جبلية وثلجية.

* كيف أثر عليك والداك؟

** أنا لم أتأثر بأحد، والدي كان قاسي الطبع، صلبا، أي أنه كان (دقة قديمة)، أنا عكسه تماما، لدي عاطفة كبيرة، قد لا تمتلكها أي إمرأة.

* هل أخذت العاطفة عن أمك؟

** أمي كانت عاطفية ولكني لا أحسب على أحد بدليل أن أخوتي ليسوا عاطفيين مثلي.

* ما الذي جعلك هكذا؟

** التكوين الداخلي والتأمل وربما الحرمان.

في مرحلة النضج الفني التي خلفت روائعه اللحنية

* هل عشت لحظات حرمان؟

** عشت لحظات كثيرة من الحرمان في طفولتي، لقد ولدت في آواخر الحرب العالمية الثانية أي في آخر يوم من العام 1939.

* رغم أنك تملك بيتا في بيروت إلا أنك تقضي الشتاء والصيف في بيتك الجبلي في (بزمار) لماذا؟

** أنا مواطن مصطاف في بلدي شتاء وصيفا، وبعد 30 سنة من الفن مازلت مواطنا صيفيا في البرد أو الحر.

* هل تحب الجبال كثيرا؟

** أحب الأرض فعندما أشاهد التراب والأشجار أجلس وأظل في مكاني، وكأن هناك رابطا ماديا بيننا، أو معاهدة مع أي مكان لم يلحقه الدنس بعد.

* إذن أنت تحب الزراعة؟

** كثيرا فسطح بيتي ملئ بالشتول، خضار على جميع أنواعها، لا أملك مكانا للزرع غير الأحواض وعندما أنظر إلى الأراضي المجاورة، اتمنى لو أفتت صخورها وأزرعها، ولكن تبقى مشكلة الحياة ولولاها لكنت زرعت الصخر.

* ما الشهادات التى حصلت عليها؟

** لم أحصل إلا على الشهادة الابتدائية، نظرا لفقر حال العائلة.

* في أي عام تزوجت؟

** في عام 1966 من السيدة عايده أبي عاد، ولدي ثلاث بنات، (نيكول) تعمل مذيعة في الفترة الإنجليزية، و(كارول) تعمل في مجال العلاقات العامة، و(سيلينا) مازالت تدرس في الجامعة وهى متفوقة جدا.

* هل تمنيت يوما أن يكون لديك صبي بحسب العقلية الشرقية؟

** في البداية أجل، أنما عدت وتراجعت عن الفكرة خصوصا بعد الحرب، لم أميز يوما بين الصبي والبنت، لأن بناتي يمنحنني من الحنان أكثر من أي صبي في الدنيا، والواقع أننا لا نختار ألوان وجوهنا ولا عيوننا، ولا نختار الزمن ولا تاريخ ولادتنا، ولا أسمائنا، ولا ديننا، ولا الصبي ولا البنت.

* هل تشعر بالوحدة؟

** أحب الوحدة، وأطلب الانفراد والانزواء بطبعي، لا لأبتعد عن الناس بل لأني لم أختر من هم حولي، نادرا ما نجد أشخاصا يتلاءم وجودهم مع بعضهم البعض، وقلة هم الذين يشكلون التناسق الإنساني.

العود ظل رفيقه الدائم طول رحلة الأيام الطويلة

*حين لا تكون في حالة كتابة أو تلحين ماذا تفعل؟

** أفكر فيما سأكتب وألحن.

* من يراك ويسمعك يظن أنك لا تعيش أبدا حالات فرح أو ضحك؟

** أفتش دائما عن الفرح، والمشكلة أين أجده؟ الفرح يبدأ في العيون، وفي شرايين الدم، هو حالة داخلية ونبض قلب وراحة بال، الروتين الذي نعيشه، والقلق والانتظار الدائم الذي يرافقنا في نهارنا وليلنا يبعد عنا الفرح.

* من هو رفيقك الدائم؟

** زوجتي.

* والأصدقاء؟

** كثيرون منهم فنانون وإعلاميون، أشتاق إليهم باستمرار.

* هل أنت مزاجي؟

** يسألني البعض أحيانا إذا كنت حزينا فأجيب: لا، ولكني لست فرحا، أسكن في حالة وسطى ما بين الحزن والفرح بانتظار غيمة مارة فربما كانت معتمة أو ربما كانت مفرحة.

* كيف تتحملك زوجتك في هذه الحالة؟

** تنظر إلى وجهي قبل أن تكلمني وتعرف تماما الرقم الذي ستعده قبل التوجه لي، أحيانا تعد للعشرة، وأحيانا للمئة، تراقب مزاجي وصحتي ومناخي، زوجتي امرأة مهمة جدا بالنسبة لي، وعظيمة أيضا، سافرت في أحلام كثيرة، وكان لي هناك أكثر من علاقة وارتباط ولكن كما قلت من الصعب جدا إيجاد التناسق الإنساني بين الناس.

* هل تقرأ؟

** اليوم نادرا جدا ما أقرأ ولكن حين كنت شابا كنت أقرأ للإمام علي بن أبي طالب، ولطه حسين ولجبران خليل جبران، أقرأ كتب التاريخ، والشعر لبدوي الجبل، ولكني اليوم لا أجد الوقت الكافي للقراءة، لذلك أسمع كثيرا الأحاديث الأدبية والفكرية والقصصية في الإذاعات العربية.

كان شديد الإيمان بالإنسان والأرض طوال رحلته الطويلة

* هل تشعر بالرغبة في البكاء؟

** هذه ميزة إنسانية عندي، أحيانا أكون موجودا مع أحد الأشخاص فيندهني الحزن، أدير وجهي وأبكي بشكل غزير كالشتاء تماما في شهر كانون، أخبار الكوارث وحوادث القتل والانتحار تدعوني إلى البكاء.

* أنت متابع للأذاعات العربية إذن؟

** كثيرا ما أستمع إليها جميعها في الليل، لسماع التفسيرات الدينية، فلا يعزيني ويريحني إلا سماع كلام الله الموجود في جميع الكتب المقدسة.

* متى تنام؟

** أنا أبقى مستيقظا حتى حدود الحلم والغفوة، أي حين يسرقني النوم، هناك علاقة دقيقة بيني وبين النوم، وبيني وبين الحلم بوابة حين أصلها أغفو.

* ما الذي يضحكك؟

** لم تعد النكتة تضحكني، وإنما السخرية، وبين الفرح والسخرية مسافة شهرين كاملين من البكاء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.