رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

حسين نوح يكتب: الإبداع في (تحت الوصاية)

بقلم الفنان التشكيلي الكبير: حسين نوح

تابعت فقط أربعة أعمال هذا العام وباهتمام لأعرف ماذا وصلت إليه الدراما المصرية؟، فلدينا تاريخ ثري حافل بالنجوم في شتى المجالات من إخراج وتمثيل وتصوير وإضاءة وأماكن أرى إننا لم نظهر الكثير منها رغم ثراء ما لدينا من مواقع تستحق أن تستثمر لجذب كثير من السياح كما فعلت الدراما التركية.

نجح مسلسل (تحت الوصاية) في تقديم صورة بصرية بديعة لعزبة البرج بدمياط جعلني أتذكر مدن أوروبية شهيره بالصيد في هولندا وفرنسا وإيطاليا وأيضاً تركيا، يذهب السياح للتعرف جماليات تلك المدن الصغيرة وكيف يعيش سكانها علي الصيد والسياحة، وأقول بكل صدق نجح المخرج المبدع (محمد شاكر خضير) ومدير التصوير (بيشوي روزفلت) بإحساسه التشكيلي البديع وباقي كتيبة المبدعين أن يجعلوا المشاهد يشعر بمعايشة الممثلين للشخصيات والغوص في أعماقها بحرفية صادقة مع واقعية (عزبة البرج)، وأماكن التصوير جعل الجمهور وكأنما يرى نفسه ويرى الظلم واقع أظهرته عظمة التمثيل واختيار الأماكن.

حسين نوح يكتب: الإبداع في (تحت الوصاية)
محمد شاكر خضير

أكتب عن عمل جعلني انتظر بشغف كبير لأشاهد إبداع بكل ما تحمل الكلمة في كل مفردات العمل الفني، فحين نتكلم عن الكتابة لـ (خالد دياب، شيرين دياب) في (تحت الوصاية) إننا أمام كتابة واعية تقدم قصة أم تواجه قسوة الحياة بعد موت زوجها ومعها ابنها (عشر سنوات) وطفلة صغيرة لا تتجاوز (الثالثة)، ومحنة الوصاية حين تفتقد الأم حق الوصاية لوجود والد الزوج ويصبح هو من له الحق في تحديد مصير الأطفال، وتلك قضية يقدمها العمل بكامل تفاصيلها للأم التي تحاول الهرب بأولادها من الإسكندرية إلى دمياط بمركب الزوج الذي يحاول شقيقه الاستيلاء عليها بكل الدهاء والخبث والطمع.

اختار المخرج أماكن التصوير الطبيعية في الأسكندرية في البدايه ثم في (عزبة البرج) في دمياط، فقدم لوحات تشكيلية مع مدير التصوير للأماكن فالبيوت الملونة والحارات الضيقة واستغل جمال مشاهد المراكب الملونة وانعكاساتها علي المياه في كادرات شديدة الإبداع والواقعية، ومن خلال ذلك قدم لنا شخوص منحوتة من واقع الأماكن فنجد عم ربيع (رشدي الشامي) العجوز بقايا الزمن والصيد وبقايا الخير في مناخ وزمن الظلم والجشع في أحداث تلك الملحمه البديعة شكلاً، استغل المخرج (محمد شاكر خضير) طبيعة (عزبة البرج) ببيوتها المتراصة ومراكبها وقواربها وقدم لنا صورة بصرية بديعة.

تذكرت معها العبقري (ديفد لين) المخرج الإنجليزي الذي قدم لنا الكادرات الجماليهة البديعة في أفلام (لورانس العرب وممر للهند)، وابنة (ريان) لـ (روبرت ميتشوم وسارة ميلز)، وكانت الأحداث في قرية ساحلية، فبعض المخرجين يهتمون بتجميل الطبيعة لتساعدنا كمشاهدين على تقبل عنف وقسوة الأداء الإنساني، ولدينا في مصر (شادي عبد السلام) حين قدم (المومياء) والمخرج الياباني (كيروساوا) في معظم أفلامه.

حسين نوح يكتب: الإبداع في (تحت الوصاية)
منى زكي.. حفرت اسمها بحروف من ذهب وسط نجوم مصر الكبار

اختار المخرج النجمة (مني زكي) لتقدم دور الأم (حنان)، فقدمته بكل ما تمتلك من إحساس وصل إلى حد الشجن والدموع داخل الجفون، عبقرية من خبرة أعمال كثيره ذابت (منى) في شخصية (حنان) وهى تسير وتعرج وتحاول مع رجال البحارة، فمنهم (المبرشم والولهان والطمعان)، ولكن وقفت (حنان) تواجه موجات عاتية من الظلم في البر البحر وقسوة شخوص قاسية في الحياة منها تاجر الجمله (سيد) الذى جسد شخصيته باقتدار (محمد عبد العظيم) الذي حارب (حنان) في وقفه أمام أي رزق لها.

لقد سجلت (مني زكي) اسمها بحروف من ذهب وسط نجوم مصر الكبار، ظهرت عبقرية المخرج في السيطرة علي مشاهد الطفلة الرضيعة فلم تنظر إلى الكاميرا ولا لمن خلفها إطلاقاً، وهذا يؤكد قدرة المخرج علي الصبر وتسجيل المشهد أكثر من مره لتكون النتيجة بتلك المصداقية.

حسين نوح يكتب: الإبداع في (تحت الوصاية)
رشدي الشامي

رشدي الشامي ممثل قدير كتب اسمه في عالم الكبار حين غاص في مكنون شخصية (ربيع) بقايا صياد كبير لم يترك البحر فيه إلا الرضا والطيبة المنصفة لحنان، وقد أجزم أن مشهد موته في المركب أبكي كثير من المشاهدين أداء واع لممثل قدير، العجوز (ربيع)، هو (وردة ربيع في خريف دراما من العنف والطمع والجشع)، وهو (حالة التوازن التي يؤكدها العمل)، فمع كل الشر يوجد خير.. تلك سمة الحياة (نار وماء وموت وحياة).

نعم العمل قدم كل الشر، ولكن لم يغفل أن الخير موجود حتي (إبراهيم/ علي الطيب) زوج أخت حنان (سناء/ مها نصار) حين إنحني للشر وساعد (صالح/ دياب) شقيق زوج (حنان) الجشع واتفق معه لتسليمه (حنان) فسقط في عينيها وأهملته فأستيقظ ضميره وعاد وأنقذ ابن حنان (ياسين) من عمه (صالح )، حين أراد أخذه من المحطه وظهر وتجلي الخير أيضا في شخص المدرس صاحب السكن الذي عاشت فيه (حنان) مع طفليها، أداء واع لـ (أحمد خالد صالح/ الأستاذ زكريا).

حسين نوح يكتب: الإبداع في (تحت الوصاية)
دياب

ومن بدايات ظهوره صامتآً بنظرات حادة يتحول لفاعل للخير ومناصر للحق لتأكيد موقفه الداعم لحنان فيأتي الحوار في العربه وهو يقول: (انت أم واي أم تعمل كده عشان أولادها تستحق كل الاحترام والتقدير،  هنا البناء الدرامي للأحداث وتحول الأشخاص مكتوب بوعي ومهنية، فحتي الابن الطفل (ياسين) الموهوب أداءً وحضورا (عمر الشريف)، والذي كان ملاصق لأمه ومطيع لها ويحمل شقيقته الصغرى دائماً، حين انفعلت الأم وقطعت له الكرة عشقه وهوايته، والتي بوعي قدمها المخرج معه دائماً في بداية الحلقات ترافقه، هنا حتمية غضب الطفل وقرر السفر إلى الجد القدير (جميل برسوم) وعمه صالح (دياب) الذي قدم أداء عبقري لتجسيد شخصيه مكتوبه بوعي شديد.

فمن اختيار الاسم (صالح) وهو البعيد كل البعد عن صفات الشخصيه في العمل مقتنع في ذاته أنه (صالح)، ولكنه يأكل مال اليتيم حتي لو أبناء شقيقه ويدخل الجامع ويتبرع بماله ويدعي لوالده بالشفاء فقط حتى لا تذهب الوصاية من الجد إلى الأم ويفقد السيطرة على (حنان)، صالح تصالح مع العنف والظلم، ولكنه يري نفسه (صالح الصالح) ويدعي في المسجد.. حاله من شخوص تقابلنا كثيراً تغلف كل أداء لا إنساني وعنيف بمظهر ديني وتتصالح مع نفسها كذباً، التحولات للأشخاص مسببة بوعي نفتقده في كثير من أعمال ويستبدل بصدف أو بلا منطق، وكما قال (الدكتور زكي نجيب محمود): اللجوء لحل عقد الدراما بالصدفه هو تكريس لعدم إعمال العقل.

حسين نوح يكتب: الإبداع في (تحت الوصاية)
أحمد خالد صالح

اختيار البحاره فعلاً اختيار واقعي وأضاف مصدقيه، فنحن أمام ثلاثة من المواهب قدمت بشكل وأداء رائع، وقد ساعدت ملابس (ريم العدل) علي مصداقية الشخوص وتأكيد ملامحها.

شكراً لثلاثي البحارة خالد كمال (حمدي) أحمد عبد الحميد (شنو) وعلي صبحي (عيد)، شكراً لكل من شارك في هذا العمل، وقد لعبت الموسيقي دوراً محورياً في الأحدث بشكل موفق ومتناغم من واقع مناخ العمل فقد استخدمت المؤلفة السورية (ليال وطفة) آلات الشجن كـ (الشلو والفلوت) وأحياناً صوت (الكورنو) آلة نحاسيه تعطي إحساس بالبحار، فكأننا نستمع إلى صوت يخرج من محارة بحرية كبيرة فيخترق الوجدان شكراً للمبدعة (وطفة).

حسين نوح يكتب: الإبداع في (تحت الوصاية)
خالد كمال
حسين نوح يكتب: الإبداع في (تحت الوصاية)
علي صبحي
حسين نوح يكتب: الإبداع في (تحت الوصاية)
أحمد عبد الحميد

شكراً لشركة الإنتاج (سعدي – جوهر)، و(هاني عبدالله) منتج فني، و(عمر جمال هارون)، شكرا على مجهود ضخم أصاب الغرض فقدم جرعة إبداع تحترم المشاهد، وأظهر الظلم وعوار قانون الوصاية، قضية لها ضحايا في كثير من البيوت، وكيف للأم أن تكون بلا صفة أمام بعض المصالح.

نجح العمل فقد تعاطفنا مع (حنان) وأعتقد قد يكون سبب في تغيير عوار بعض القوانين كما حدث لأكثر من عمل سينمائي.. أتذكر منهم (جعلوني مجرماً – 1954)، فقد تغير قانون الأحداث، والفيلم بطولة (فريد شوقي وهدى سلطان) وتم إلغاء السابقة الأولي، وكذلك فيلم (أريد حلاً) لسيدة الشاشة (فاتن حمامة) إخراج سعيد مرزوق وتغير القانون، وأصبح للمرأة حق (الخلع) لزوجها شرط التخلي عن جميع مستحقاتها.

لقد تعايشنا مع العمل، فقد احترم المشاهد وغاص في تفاصيل حياته فنال مصداقية لديه، وأعتقد وبشكل شخصي أن (مني زكي، ورشدي الشامي، ودياب) هم عمالقة التمثيل بلا منافس هذا العام، وقد أيقنت أن الفن المصري والدراما بخير، ولدينا عظماء ومهنيين يستحقون كل التقدير والاحترام.. مصر تستحق.

حسين نوح يكتب: الإبداع في (تحت الوصاية)
محمد عبد العظيم

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.