رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمود حسونة يكتب: (الهرشة السابعة).. علاقات مرتبكة ومشاعر حريرية

بقلم: محمود حسونة

لماذا تفشل العلاقات الزوجية؟، السؤال الذي تسأله (نادين) بطلة مسلسل (الهرشة السابعة) في البودكاست الذي تنشره جماهيرياً ليس جديداً، وسيظل يتجدد ويطرح كل يوم هنا وهناك، وهو من الأسئلة التي ترتبط بوجود الإنسان على الأرض منذ آدم وإلى قيام الساعة؛ شغل الفلاسفة وعلماء النفس والاجتماع، وتناوله تحليلاً وبحثاً وإبداعاً المختصون والباحثون والفنانون، ولن تصل الإنسانية إلى إجابة حاسمة عنه.. أسئلة المشاعر بلا إجابات حاسمة وأي تناول لها يكون مجرد اجتهاد، فكل علاقة زوجية هى حالة لا تشبه إلا نفسها، سواءً في الفشل أو في النجاح.

السؤال الذي طرحته (نادين) في البودكاست هو نفسه سؤال المسلسل، وهو قضيته الجوهرية، قضية متشعبة وضبابية الملامح يتناولها المسلسل بنعومة ورقي يشبه نعومة ورقي شخصياته، يختلفون ويتشاجرون وينفصلون، ولكن بلا فضائح ولا صراخ ولا عويل، وخلال بحث مؤلفة المسلسل مريم نعوم وورشة (سرد) عن إجابة للسؤال غاصت في أعماق الشخصيات لتكشف المكتوم والذي يتسبب إخفاءه بين أي زوجين إلى زيادة مساحة الخلل في العلاقة والارتباك في القول والفعل، وهو ما يتطور مهما طال الزمن إلى قرار بالطلاق يتخذه الطرف المضغوط نفسياً والمكتومة مشاعر سخطه وغضبه بين أضلاعه، ويضطر الطرف الثاني للاستجابة من دون ضجيج احتراماً لحب طويل وعِشرة دامت سنوات.

محمد شاهين وأمينة خليل

أسباب فشل العلاقات الاجتماعية كثيرة، ولعل أهمها غياب ثقافة الاعتذار، ورغبة كل طرف في الاستحواذ، وعدم احترام الرجل حق المرأة في أن تحقق ذاتها، ومن المشاكل التي يضيء عليها المسلسل عقوق الأهل لأبنائهم والتخلي عنهم بصرف النظر عن الأسباب.

نادين وآدم، (أمينة خليل ومحمد شاهين) صديقين منذ الطفولة تحركت بينهما مشاعر الحب مبكراً، وبعد 15 سنة حب وصدق تشاركا الحلم والأمل، تزوجا وأنجبا توأم، ضحكا ولعبا وسهرا وسافرا واستمتعا ومع زيادة الضغوط زادت الخلافات وزادت الأنانية والعناد، تعثرا وتجاوزا عثراتهما مرات، حتى جاءت العثرة الكبرى والتي لم تكن سوى خلاف كغيره من الخلافات، عجزا عن تحدي (الهرشة السابعة) التي تعصف ببعض العلاقات بعد مرور 7 سنوات عليها، ووقع بينهما الطلاق.

في المقابل نرى علاقة شريف وسارة (علي قاسم وأسماء جلال)، هو شاب مصري أمه أجنبية، ووالداه تحولا من زوجين إلى صديقين بعد الطلاق، يعتنق الفكر الغربي ويؤمن بالمساكنة قبل الزواج، وهى تخلى عنها والديها صغيرة لتربيها سيدة أخرى، وتحلم بالزواج وتكوين أسرة، تحب (شريف) وترفض أفكاره الغريبة فلا يجد أمامه سوى الزواج منها، وهو يرفض الإنجاب وهى تحلم به مما يصيب العلاقة ببعض الخلل الذي يزداد بعد أن يكتشف بشكل مفاجئ أن لديه ابنة عمرها 16 عاماً من علاقة عابرة مع سيدة أجنبية، ما يؤدي لمزيد من الخلل بين الثنائي فتقرر (سارة) الابتعاد.

هناك أيضاً (فيفي) والدة آدم (حنان سليمان) وهى التي قامت بتربية (سارة)، مات زوجها وتحملت المسؤولية، وفي خريف العمر تقرر الزواج الأمر الذي يرفضه ابنها في البداية، وهناك والد ووالدة نادين (محمد محمود وعايدة رياض)، واللذين يتطلقان بعد زواج 30 عاماً.

حب وزواج وخلافات ومشاعر مختلطة وأفكار مشوشة وعلاقات متداخلة ومفاجآت موجعة وهروب وطلاق.. ولكن الطلاق الذي يعتبره الكثيرون نهاية يمكن أن يكون بداية، وخصوصاً عندما يتم وكل من الطرفين حريص على احترام الآخر، ويمكن أن يكون فرصة للانفراد بالذات ومحاسبتها ومصارحتها للوصول معها إلى معرفة ما حوّل النور ظلاماً، وما أطفأ الحب الملتهب، وما قلب المعايير حتى يصير الحبيب ملفوظاً منبوذاً.

أسماء جلال وعلي قاسم

الطلاق قد يكون بداية طريق العودة الواعية المستوعبة للدرس الحريصة على مشاعر الآخر مثلما أوحت الحلقة الأخيرة بشأن العلاقة بين نادين وآدم، وقد يكون بداية لعلاقة صداقة مثلما طلبت والدة نادين من والدها، وكذلك الانفصال بعض الوقت قد يكون فرصة لاستيعاب كل طرف هواجس الآخر وقبوله بظروفه، وهو ما تجسده علاقة سارة وشريف، فبعد أن ابتعدت سارة بسبب مفاجأة وجود ابنة له استوعبت تدريجياً الأمر، واستيعابها لظروفه مع إحساس (شريف) بابنته وحرصه على تعويضها السنوات التي عاشتها بدونه، دفعه لقبول فكرة الانجاب التي كان رافضاً لها.

شخصيات المسلسل من النخبة التي لا يؤلمها سوى قضايا المشاعر والخلافات، لا تعاني من أزمات اقتصادية، ولذا فقد اعتبرها الكثيرون بعيدة عن طبيعة مجتمعنا، وقد يكون ذلك متعمداً لدى المخرج كريم الشناوي وورشة التأليف، فهم يقدمون مسلسلاً إنسانياً، والقضايا الانسانية متشابهة وأحياناً متطابقة في أربع جهات الأرض.

نعم الشخصيات لا تشبه الكثير من المصريين، ولعل الشيء الوحيد الذي يوحي بأنه مسلسل مصري لمن لا يعرف أبطاله وصناعه هو اللهجة، وفي النهاية فقد نجح المخرج في تقديم مسلسل يمس أي إنسان على الكوكب إذا توافرت له الترجمة المناسبة.

أهم ما يؤخذ على التأليف، بطء الايقاع في في العديد من حلقات المسلسل، غياب الخلفيات الاجتماعية وأحياناً التعليمية للشخصيات، فنحن لا نعلم طبيعة العلاقة التي دفعت فيفي (حنان سليمان) لتحمل مسؤولية (سارة) بعد تخلي والديها عنها، ولم نعرف أسباب التخلي، وهذا مجرد نموذج.

المسلسل تتصدر بطولته (أمينة خليل) التي تحرص في كل موسم رمضاني أن تمس مشاعر الناس باختياراتها الصحيحة، ولكن الحقيقة فإن (الهرشة السابعة) لم نخرج منه بنجمة تصدرت التترات ولكن بنجوم احتلوا القلوب، وأولهم محمد شاهين الذي تفوق على جميع أدواره السابقة وكشف عن موهبة لم ينجح في استخراجها كاملة سوى في هذا العمل، وأيضاً (أسماء جلال) التي تصدرت الترند أكثر من مرة بفضل إعجاب الناس بأدائها، وأيضاً (علي قاسم) بهدوئه المعبر، و(محمد محمود وأحمد كمال) بدوريهما غير المعهودين، أما (حنان سليمان وعايدة رياض) فقد كانا أكثر كلاسيكية.

(الهرشة السابعة) لوحة درامية أبدعتها أنامل فنان مرهف الحس وغزلتها بنعومة حرير المشاعر الإنسانية وطعمتها ببعض الأحجار الكريمة التي أضفت عليها لمعاناً في موسم أقل لمعاناً.

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.