رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

إبراهيم رضوان يكتب: أنا و مصطفي أمين و شمس بدران في سجن مزرعة طرة!

بقلم الشاعر الكبير: إبراهيم رضوان

عندما وصلت إلي مسافة قريبه من (مصطفي أمين و شمس الدين بدران) ..لاحظت أنهما يضعان الساق فوق الساق.. حتي أثناء مرور أي حارس مهما كانت رتبته.. وأن كل من يمر عليهما يرفع لهما يده بالتحيه رغم أنهما في بعض الأحيان لا يردان.

البدل الزرقاء عليهما من قماش إسمه (تيل نادية).. قتربت منهما و قدمت نفسي لمصطفي أمين.. رحب بي وأشار لي على زنزانه انفرادية.. لأحضر منها كرسي أجلس عليه.. وأن أحضر لنفسي مشروبا يهدئ من جسدي المشتعل من حرارة الشمس.

جلست معهما دون أن أتكلم لأنني لاحظت أن شمس الدين بدران يتظر لي نظرات عدائيه رغم أنني لا أعرفه ولا يعرفني.

وضع مصطفي أمين يده على كتفي و نظر إلى السيارة التي أحضرتني وسألني:

انت جاي منين؟

قلت له:

من معتقل طرة السياسي

وايه اللي جابك هنا؟

علشان أكشف.

كواليس كثيرة خلف القضبان مع مصطفى أمين وشمس بدران

عاد برأسه إلي الوراء بخوف  وسألني

عندك ايه؟

ضيق تنفس.

دا ممكن يكون من الحاله النفسية.. إنت متضايق انك معتقل؟

تدخل شمس بدران في الحديث وقال لي:

هو انت جاي بتهمة ايه؟

بتهمة الشعر!

أكيد خرجت عن حدودك

لم أهتم بكلامه.. و لم أرد عليه.

سألني مصطفي أمين:

شافوا شعرك فين؟

في ديوان اسمه (الدنيا هى المشنقة)

قال بدران:

و دا اسم ده يا راجل؟!

لم أرد عليه.

قال لي مصطفي أمين:

كنت بتهاجم مين في الديوان؟

كل من تسبب في النكسة!

ونظرت إلي شمس بدران الذي لم يعلق هذه المرة.

سألني مصطفي أمين:

والديوان ده فيه ايه علشان يتصادر؟

مفيش فيه غير اللي أنا حاسس بيه.

أحس أنني في غاية القلق من كثرة الأسئلة.

قال لي:

مصطفى أمين

يبقي انت اللي قابلت السادات في الاتحاد الاشتراكي في المؤتمر الجماهيري الأسبوعي.. واشتكيتله من مصادرة الديوان وقالك أنا ما باحبش الأشعار العنترية.. وعلي العموم..استناني بعد الندوة ما تخلص ونقعد مع بعض.. أنا قريت الكلام ده في الجرايد.

أيوه أنا.

وقالك ايه بعد ما قابلته؟

ما قابلتوش.. خرجت بسرعه لأني ما كنتش مآمن لهم.

سمعني حاجه من الكتاب.

أنا هاسمع حضرتك بعض اللي قلته في مسرح المنصورة لما دعوني في جامعة المنصورة لحضور احتفال بمناسبة تخرج أول دفعه من كلية الطب.. قلت قصيده بعنوان (الجرايد و الكلاب.

ظهرت بوادر الغضب علي وجه مصطفي أمين.

فكروا اني بهاجم فيها (أم كلثوم و محمد حسنين هيكل)!

ابتسم ظنا منه أنني تعمدت أن أقحم (هيكل) في المناقشه مجاملة له لخلافهما.

أكملت:

وقصيدة طويلة جدا عنوانها (الأم الفاسدة)

سمعهالي:

القصيده بتبدأ باستغاثه من الإبن اللي محتاج لأمه.

شوف يا شاعر.. أنا ما باحبش اللي يشرح قصيدته قول علي طول

هي أولها:

هاتي البزاز أرضع

الكسب أهه اشبع

هاتي البزاز أرضع

ارجع بقول ارجع

هاتي البزاز أرضع

سيب الكلام و اسمع

هاتي البزاز أرضع

أكملت القصيده إلي أن وصلت إلي نهايتها التي تقول

هاتي البزاز أرضع

دا أنا تحت جلدي قزاز

جلابيتها قطعتها

نطق النواح اسمها

فتشت في جسمها

ما لقيتشي ليها بزاز!

نظرت إلي مصطفي أمين فلاحظت أن الدموع علي وجهه

شمس بدران

نظرت إلى شمس بدران الذي قال لي:

تعرف أنا لو من شعراوي جمعة.. كنت شنقتك أو ضربتك بالرصاص.

تضايقت جدا من كلامه.. لم أنظر إليه واتجهت في حديثي إلي مصطفي أمين

هو أنا ممكن اخرج إمتى؟

فأجاب بدران بسرعه قبل أن يجيب مصطفي أمين

إن شاء الله بعد إزالة آثار العدوان!

قلت في نفسي آثار العدوان ستظل في قلوبنا مدي الحياه.. كيف ستزال والطيارات الإسرائيلية حلقت فوقنا أمس في معتقل طره السياسي وأجبرتني على الجري وأنا أحمل جردلا به مياه ساخنة من المغسله متجها به إلي الحمامات لأخذ دش ساخن، وما زالت آثار الماء الساخن على وجهي من أثر سقوطي بالجردل في الوقت الذي خرج فيه اليهود من عنبرهما ليرفعوا أيديهم بالتحيه للطائرات التي تحمل جنسيتهم.

أكمل بدران كلامه:

بمناسبة سيرة شعراوي بيه جمعة.. أنا لما أضربت عن الطعام أجبرته انه يجيني لحد عندي هنا في السجن علشان يعرف طلباتي.. وقلتله إن طلباتي إن الأسره تزورني أكتر من مره في الشهر.

ظل يتكلم و أنا في عالم خر أفكر في أسهل طريقه للتخلص من حياتي.. أفقت علي صوت مصطفي أمين وهو يقول لي:

على فكره.. الحرس كان بيقلك ان الدكتور اللي هايكشف عليك وصل.. ادخل الأوضه بتاعتي.. يقصد الزنزانه.. وخد الجرايد و المجلات اللي انت عايزها و يا رب نشوفك بعد كده.. أوأقولك: يا رب ما نشوفكشي هنا ونشوفك بره بعد ما تخرج لأهلك.. دخلت زنزانته المعطرة برائحة الياسمين، ومن كثرة ما شاهدته فيها ظننت أنها بقالة بها كل أنواع المثلجات والأطعمه المحفوظة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.