بقلم: محمود حسونة
أثبتت المملكة العربية السعودية أنها الأقدر على صناعة الإبهار بمختلف أشكاله وألوانه، وأنها رغم حداثة عهدها بصناعة الترفيه إلا أنها تفوقت وتميزت في هذه الصناعة خلال سنوات معدودة، لتجعل من عاصمتها (الرياض) المدينة الأكثر لمعاناً وإثارةً وجذباً للنجوم ليس العرب فقط ولكن العالميين أيضاً، من خلال (موسم الرياض) الذي أصبح مطمحاً لكل نجم ومطمعاً لكل باحث عن الشهرة، وجاء حفل توزيع جوائز (جوي أووردز) الثالث والذي أقيم قبل أيام على مسرح (بكر الشدي) في الرياض، ليكون الحدث الأكثر إبهاراً سواء بالنجوم الذين حضروه أو بالتنظيم أو بالإضاءة والليزر والفرق الموسيقية وغير ذلك من عوامل مبهرة للمشاركين في الحدث والمتابعين له عبر الشاشات، ولا مبالغة إذا قلنا أنه فاق في إيعازه ولمعانه حفلات المهرجانات العالمية.
نعم، الرياض لمعت وأبهرت بعد أن تغيرت من النقيض إلى النقيض، لمعت لأنها تمتلك القدرة على استضافة من تشاء وتنظيم ما تشاء وتكريم من تشاء، لديها من المغريات والقدرات المادية ما يدفع (ميل جيبسون) إلى ترك أي التزامات لديه وتلبية دعوتها لنيل تكريمها الأسخى والذي لا يمكن مقارنة قيمته بأي تكريم آخر يلقاه في أي مهرجان أو في أي دولة أخرى، ولذا فليس مستغرباً منه – أو من غيره من كبار نجوم العالم – أن يلبي دعوة المملكة فور تلقيها، بل أن غيره الكثير من نجوم الدنيا ينتظرون مثل هذه الدعوة ويحلمون بمثل هذا السخاء، ولو استطاعوا لتعلموا بعض الكلمات العربية ليخاطبوا بها الجمهور السعودي والعربي لدغدغة مشاعره، غير (السلام عليكم) و(شكراً)، ومن المؤكد أنه سيظهر لمستقبليه مدى اهتمامه بهذه الدولة المنطلقة حديثاً في عالم الفن والمرشحة، حال استمرت على هذا النهج، لأن تلعب دوراً مهماً في صناعة الفن والترفيه يتجاوز الحدود العربية.
ليس (ميل جيبسون) النجم العالمي الوحيد الذي حظي بالتكريم، ولكن معه أيضاً (أميتاب باتشان) حتى يكون لبوليوود مكاناً على خريطة الترفيه السعودي، والنجمة الكولومبية (صوفيا فيرغارا) والأسبانية (أستير آسيبو) والمخرج الأمريكي الكبير (مايكل باي)، ومع هؤلاء أكبر وأصغر نجوم العالم العربي في التمثيل والغناء وكرة القدم وصناعة السينما وصناعة المحتوى والمؤثرين في عالم السوشيال ميديا.
من يمتلك القدرة المادية يستطيع أن يحول المستحيل ممكناً، المهم القرار، والمملكة اتخذت القرار، ورصدت الميزانيات للتحول إلى دولة عصرية، تشجع الفن وتتبنى المواهب وتدعم السينما والدراما بالانتاج، وتستقطب نجوم العرب والعالم، وتنظم فعاليات ومهرجانات واحتفاليات تبهر من يتابعها، وتجعل الرياض المدينة المضيئة اللامعة، المثيرة للجدل.
نجحت المملكة في تحقيق ما تشاء، استعانت بأهم مبدعين يخرجون لها الحفلات والمهرجانات، واستعانت بأهم مهندسي
إضاءة يصنعون لفعالياتها الابهار، واستقدمت الفنانين والنجوم الحالمين بجائزة، والمستحقين للتكريم، والمنتظرين العطايا، والمتنافسين على جذب الأنظار بالأزياء اللامعة، مما يمنح العاصمة اللمعان المطلوب وسط عواصم العالم، وبعد أن كان السعوديون يأتون إلى مصر مستهدفين حضور عرض مسرحي لهذا النجم أو ذاك، أصبح هذا وذاك، وهذه وتلك، يذهبون إليهم ويقدمون لهم العروض التي يطلبونها، وبعد أن كانوا يذهبون إلى بيروت لحضور حفل غنائي لهذا السوبر ستار أو ذاك، ذهب إليهم كل من هو (سوبر) ليغني ما يطلبون، وبعد أن كانوا يذهبون إلى دبي للتسوق وارتياد دور السينما، ذهبت إليهم كل الماركات العالمية وافتُتِحت لهم المتاجر الكبرى ودور السينما ليتسوقوا ويشتروا ويشاهدوا ما يشاؤون.. القدرات المادية موجودة وأصحاب القرار أرادوا التغيير، ونفذوا بسرعة صاروخية وبشكل يفوق الخيال.
في حفل (جوي أووردز)، تواجد الجميع، وعادوا مبهورين بما شاهدوا والكل راضٍ بما أخذ وطامعاً في المزيد، وكل من صعد إلى المسرح حرص على تقديم كل آيات الشكر والعرفان لراعي الحفل، ولم يكن هذا النجم أو ذاك، سواء العربي أو العالمي، نجم الحفل، ولكن كان نجم الحفل هو المستشار تركي آل الشيخ رئيس هيئة الترفيه، وجامع كل اللامعين على أرض المملكة، ولكنه أراد لنفسه أن يكون الأكثر لمعاناً، ومن الطبيعي أن يتحقق له ما أراد، وخصوصاً أنه يحقق للنجوم أحلامهم، فكيف لا يحقق لنفسه نجومية تفوق نجوميتهم، ويكون الأمل لدى كل من حصل على تكريم أن يتسلمه من يده، وإلا فسوف يراه الآخرون “مكرماً درجة ثانية”.
(جوي أووردز)، ليس الهدف منها فقط تحويل الرياض إلى مهبط للفنانين والمبدعين العرب والعالميين، ولا أن تكون فقط عاصمة للترفيه، ولكن خطف الكاميرات من عواصم الفن التقليدية، وتجاوز عواصم التسوق، بجانب فرض الفنان السعودي على الساحة العربية والعالمية، ولفت الأنظار إليه، ومنحه الجوائز وإظهاره متفوقاً بتصويت جمهور غير معروف على الفنان صاحب التاريخ وصاحب الموهبة.
من حق السعودية أن تنافس، وتتقدم طالما أن لديها الامكانيات، ومن حقها أن تمنح الحوائز لمن تريد، وأن تكرم من يستحق وبجانبه تعطي من لا يستحق، أملاً في أن يرفع هذا قيمة ذاك، ويرفع من يستحق قيمة الجائزة ويمنحها بعض الثقل، ولكن من حق المتابعين عليها الشفافية وإعلان أن جوائزها الدرامية تقتصر فقط على إنتاج شبكتها (إم بي سي) ومنصتها (شاهد)، حتى لا تفقد ثقة متابعي فعالياتها، وحتى يتواصل لمعان أضوائها، ولا يتسبب هذا التمييز في سرعة انطفائها.
القدرات المادية تصنع الابهار، والصدق والشفافية يضمنان بقائه.