بقلم: محمود حسونة
لكل فنان ملعبه الذي يجيد فيه تمرير الكرات وإحراز الأهداف واستثارة عقول الجمهور والاستحواذ على مشاعر مشاهديه، وعندما يحقق نجاحاً تلو نجاح يصاب أحياناً بالغرور الذي يدفعه لتغيير ملعبه، واقتحام ملاعب الآخرين أملاً في إثبات شموليته، وغالباً ما تأتي النتيجة بما لا تشتهي نفسه وبما لا تشتهي أنفس معجبيه الذين يجدونه لاعباً عاجزاً عن إحراز الأهداف المأمولة منه، يخيب أملهم فيه وتهتز صورته، وقد يعطيه جمهوره فرصة ثانية وأحياناً ثالثة للعودة إلى ملعبه وتحطيم غروره ذاتياً، وقد يبدأ البعض في فقدان الثقة فيه، وهو ما يتوقف على حجم رصيده عند جمهوره.
الجمهور يغفر للفنان سقوط عمل له أو أكثر، إذا أدرك أن السبب خارج عن إرادته أو نتيجة سوء تقدير منه، ولكن عندما يعلم أن ذهابه للعب خارج ملعبه كان عن سبق إصرار، بل وأن العمل الساقط أو السيء لم يكن سوى تنفيذ لإرادته وحده، يكون حكمه عليه قاسياً، وهذا ما حدث مع النجمة (نادين نسيب نجيم) في (صالون زهرة ٢)، ففيه خرجت من ملعبها كممثلة خفيفة الظل جميلة الطلة بسيطة الأداء تجيد تقديم مختلف ألوان الشخصيات، تُبكي جمهورها أحياناً وتُضحكهم أحياناً أخرى حسب الموقف، وحسب طبيعة الدور، وحسب النص؛ خرجت من هذا الملعب وأرادت أن تثبت لنفسها ولزملائها ولجمهورها أنها الفنانة الشاملة، القادرة على أن تتحول إلى كوميديانة تُضحك الناس بحركاتها وقفشاتها وشقلباتها ومصطلحاتها، فقررت استغلال النجاح الذي حققته في مسلسل (صالون زهرة) وتقديم جزء ثان منه، يحمل نفس الاسم وبنفس الأبطال مع إضافة آخرين، وبنفس أسماء الشخصيات، ولكن ليس بنفس النكهة، ولا بنفس اللون.
قررت (نادين) أن تنقلب بزهرة الجديدة على زهرة القديمة، وأن تنقلب بـ (صالون زهرة 2) على (صالون زهرة 1) وأن تتجاوز كونها الفتاة الجميلة المتمردة، إلى كونها الكوميديانة التي لا تكتف بأداء كوميديا الموقف النابعة من النص، بل الصانعة لكوميديا (الفارْس)، التي تعتمد على قدرات الممثل ومهاراته الحركية وقفشاته اللفظية ومبالغاته الغير منطقية، وهو لون كوميدي لا يجيد أداءه في العالم العربي سوى قلة محدودة من كبار النجوم، وكل من حاول تقديم هذا اللون وهو لا يمتلك أدواته لم يجن سوى الندم.
(نادين) فكرت، وقررت تقديم جزء ثان، ويبدو أنها عرضت فكرتها على مؤلفة الجزء الأول (نادين جابر) ولكنها لم تتحمس، حفاظاً على النجاح الذي تحقق، وعدم اقتناع بالفكرة التي روتها لها نجمة المسلسل، ولأننا في عالم فيه إرادة النجوم نافذة على الجميع، وكلمتهم مسموعة سواء كانت صائبة أو غير صائبة، كان قرار الإنتاج بتكليف (كلوديا مارشيليان) بكتابة الجزء الثاني، وتفصيله حسب المواصفات التي أملتها النجمة، ولأنها أرادته كوميدياً فقد تمت الاستعانة ببعض الفنانات صاحبات الباع في مجال الكوميديا وهن (سامية الجزائري ووفاء موصللي وهدى شعراوي)، أملاً في أن يتحقق الهدف المنشود.
ما حصل أن (كلوديا) أثبتت أنها ترزي لا يجيد التفصيل على المقاس، بعد أن حوّلت قلمها إلى مسدس أطلقته على روح شخصيات الجزء الأول، بخفتها ولطافتها وهضامتها وتألقها لتعدم كل جميل فيها وتحولها إلى شخصيات حية الجسد ميتة الروح، متجمدة النمو، معدومة الاحساس، فاقدة المشاعر، تتحرك في مكانها طوال حلقات الجزء الثاني، أما الثلاثي المقحم على المسلسل، (سامية جزائري ووفاء موصللي وهدى شعراوي)، فقد عجزن عن أداء المهمة المستقدمات لأجلها وهى إضحاك الجمهور، رغم أنهن بذلن جهداً بدنياً بحركات وهن مستلقيات نائمات متشعلقات على الجدران، ولكن من دون أي جدوى، كذلك (معتصم النهار) الذي كان دوره في الجزء الأول من أفضل أدواره على الإطلاق، نجح في أن يمحو بصمته وتميزه ويقدم الدور في الجزء الثاني بثقل وسماجة وعدم وعي.
(زهرة) كانت في الجزء الأول متمردة، كارهة للرجال وأنانيتهم وشرههم وعبثهم بمقدرات الفتيات والنساء، رافضة لنطاعة الأب وتسلط زوج الأخت، رافعة شعار (ممنوع دخول الرجال) على صالونها للحلاقة النسائية، تنقلب على نفسها وتتحول إلى حلّاقة للرجال ومجمّلة لهم، بعد أن فتحت صالوناً للحلاقة الرجالية يحمل اسم (موس وشفرة)، يجاور صالونها النسائي (صالون زهرة)، وبعد أن كانت رافضة للزواج والارتباط بأي رجل بعد حادث اغتصابها من أحدهم وخروجها من هذا الحادث المؤلم بابنة، (ياسمين)، تتزوج من (أنس) وتبذل مجهوداً لاستقامة علاقتهما وتتعامل معه ككل زوجة مع زوجها، وبجوار هذه العلاقة، علاقات أخرى تجعل خيوط المسلسل متشابكة، وهى علاقات مبتورة درامياً، ومنقلبة أيضاً على ذاتها، فبعد أن كانت (رشا وزيكو) نموذجاً للحب الذي يتحدى الظروف، عصفت بهما ذات الظروف، وكذلك (فادي ولينا)، أما شخصية كل من (هنادي وعبدالله) فهي (منتوفة) درامياً، ويكادان أن يكونا مثل الدجاج الذي ينادي عبدالله عليه (منتوف يا دجاج)!
من الشخصيات التي أطلت في هذا الجزء وليس لها أي مبرر سوى أن (مارشيليان) ابتدعتها لتحقيق أحلام شخصيات المسلسل في نهايته بشكل غير منطقي هى (باربارا) زوجة الدبلوماسي التي اختطفها (فادي وزيكو)، وأدتها ببرود يشبه برودها الدرامي وعدم فاعليتها في الأحداث (مارينال سركيس).
الخط الدرامي الوحيد الذي كان يمكن البناء عليه لمناقشة قضية مهمة والخروج برسالة اجتماعية هو خط تهديدات (مغتصب زهرة لها)، وتصديها له حتى الانتقام منه وتقديمه للعدالة.
بعيداً عن حالة الخلخلة الدرامية في المسلسل بازدحام أحداثه وضجيجه ولا منطقيته، فإن عورته الكبرى في الكوميديا المفتعلة والتي حولته من مسلسل خفيف لطيف ممتع إلى عمل ثقيل ساذج منفر، والسبب الأوحد أن بطلته أرادت أن تلعب في غير ملعبها، وأخذت معها فريقاً كاملاً من الممثلين وفريقاً إخراجياً وشركة منتجة ليلقى الجميع خسارة فيه، وتشويشاً على النجاح الذي حققه الجزء الأول.