رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

عصام السيد يكتب : أسئلة إجبارية .. لوزارة المالية؟!

بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد

إن إعادة النظر في القوانين التي تحكم العملية الإنتاجية أحد مطالب المسرحيين الهامة في ( الحوار الوطنى ) ، فهذه القوانين تم وضعها بشكل عام لنواحى الإنتاج المختلفة سواء الصناعى أو التجارى  لم تراع خصوصية العملية الفنية و ضروراتها ، بل إن بعض هذه القوانين نظن أنها ستعطل إنتاج الأعمال الفنية بالكامل في جهات الإنتاج الحكومية خاصة في وزارة الثقافة ، و هناك شواهد و أمثلة كثيرة .

أولى تلك الأمثلة هى قانون القيمة المضافة الذى صدر عام 2016 و ينص على فرض ضريبة على معظم توريدات السلع والخدمات التي يتم شراؤها وبيعها ، و المستهلك النهائي هو من يتحمل تكلفة هذه الضريبة في حين يقوم المنتج بتحصيلها واحتسابها وسدادها للحكومة.

و دونا عن كل الضرائب التي تفرضها الدولة تأتى هذه الضريبة التي ينص القانون الخاص بها على تولى المبدع تحصيلها من جهة الإنتاج التى يتعامل معها و يقوم بتوريدها للحكومة، في حين أن القانون لم يلزم جهات الإنتاج بضرورة تسديدها للمبدع، و إنما ترك الأمر بين المبدع و جهة الإنتاج ، لذا عليه أن يسددها لو امتنعت جهة الإنتاج عن ذلك و إلا تعرض لعقوبة التهرب من الضرائب التي تصل إلى السجن.

عصام السيد يكتب : أسئلة إجبارية .. لوزارة المالية؟!
الفاتورة الإلكترونية أصبحت شبحا يهدد الإبداع

و مؤخرا تقدم الفنان الكبير يحيى الفخرانى إلى مجلس الشيوخ – بصفته عضوا فيه – بمشروع تعديل للقانون ينص على إلزام جهة الإنتاج بسداد الضريبة للحكومة مباشرة، فالمبدع سواء كان ممثلا أو مطربا أو مخرجا .. إلخ ، لا يملك دفاتر منتظمة أو سجلات تمكنه من متابعة هذه الضريبة التي تسدد شهريا و ليس سنويا ، كما لا يملك وسيلة قانونية لإجبار شركات الإنتاج على دفعها له لتوريدها للحكومة ، و بالتالى وجود الفنان المبدع وسيطا بين المنتج و الحكومة لا فائدة له و عليها تحصيلها من المنتج مباشرة.

الأمر المضحك و المبكى في نفس الوقت أن وزارة المالية التي فرضت علينا القانون تمتنع عن سدادها ، فعندما تتعاقد – كفنان – مع وزارة الثقافة يتم خصم الضرائب كلها من المنبع ، أي تقوم الجهة المنتجة بخصم كافة الضرائب التي تصل إلى 23 % (على أحسن تقدير فهناك بعض الجهات تخصم 27 % ) من قيمة التعاقد قبل أن تصل إلى يد الفنان و تقوم بتوريدها لمصلحة الضرائب ، و لكنها تمتنع عن دفع قيمة ضريبة القيمة المضافة و هو 14 % و التي يفترض القانون أن يحصلها الفنان و يسددها للضرائب بشكل شهرى ، و بعد ذلك تسجنه الحكومة لأنها لم تسدد الضريبة للفنان ثم تستلمها منه مرة أخرى ، و أمام هذا العبث لا يسع المبدع سوى سدادها ليصل مجموع ما يخصم منه ضرائبيا 37 % ( هذا عدا الدمغات و الاستقطاعات الأخرى ) ويسألونك بعد هذا لماذا يهرب الجميع من التعامل مع مسرح القطاع العام ؟

أما الأمر الثانى فهو قرار الدكتور رئيس مجلس الوزراء و منشور وزير المالية الذى ينص على أن ( يلتزم الجهاز الإدارى للدولة بالتعامل بالفاتورة الإلكترونية و أنه يحظر التعاقد مع أى من الموردين أو المقاولين أو مقدمى الخدمات أيا كان نوعها إلا إذا كان مسجلا فى منظومة الفاتورة الإلكترونية )، و هو قرار تطبقه حاليا الجهات الإنتاجية الحكومية على المهن الحرة من الفنانين و الكتاب و الموسيقيين و غيرهم ، برغم أنهم ليسوا موردين و لا مقاولين و لا مقدمى خدمات بل هم مبدعون يخضعون لضرائب المهن الحرة غير التجارية ، و لا يملكون شركات لها أختام و توقيع رسمى إلكترونى حتى يمكنهم التسجيل فى نظام الفاتورة الإلكترونية !!

عصام السيد يكتب : أسئلة إجبارية .. لوزارة المالية؟!
أمام هذا العبث لا يسع المبدع سوى سدادها ليصل مجموع ما يخصم منه ضرائبيا 37 %

و أيا كانت اعتراضاتنا على هذا القرار – و بالمناسبة هى اعتراضات لها وجاهتها ولم يسمع لها أحد – فهذا القرار يهدد جهازا ضخما مثل الهيئة العامة لقصور الثقافة بالتوقف عن النشاط ، و ما أدراك ما معنى هذا التوقف ؟ .. بمنتهى البساطة إنك تفتح الباب لكل خفافيش الظلام ، و يصبح بعدها الحديث عن رؤية مصر 2030 في الثقافة مجرد لغو ، و الكلام عن تنمية البشر و بناء الإنسان مجرد سفسطة.

انظروا معى إلى واقع النشاط الفني للأقاليم و الذى تقوم به هيئة قصور الثقافة منذ نشأتها تحت مسمى الجامعة الشعبية في النصف الأول من القرن الماضى و حتى الآن، إنه أقل من طموحات الجميع – بما فيها مسئوليها – و اليوم يهدد هذا النشاط على تواضعه بالتوقف بسبب منشور من وزارة المالية لجميع مراقبى الحسابات بكل المواقع بضرورة أن يقوم كل المتعاملين مع الهيئة بالتسجيل الضريبى ، و هو أمر تصل تكلفته على المواطن إلى 1600 جنيه كل عام .

هل تخيل صاحب القرار عاملا زراعيا – من أصحاب المهن المؤقتة – يهوى أيا من الفنون ( تمثيل / غناء / فنون شعبية )  و يمارسه في قصر الثقافة منذ طفولته ، أن يصبح مطالبا بدفع 1600 جنيه كل عام من أجل ممارسة هوايته و التي لا يتقاضى عنها طوال العام سوى أقل من نصف هذا المبلغ مخصوما منه الضرائب و الدمغات؟، و أن يسدد عن هذا المبلغ الزهيد ضريبة قيمة مضافة يكتب بها إقرارا شهريا إلى جانب أن عليه كتابة إقرارا ضريبيا إلكترونيا كل عام !!

عصام السيد يكتب : أسئلة إجبارية .. لوزارة المالية؟!
الإبداع ليس سلعة حتى يفرض عليه ضريبة قيمة مضافة !

هل يتخيل مصدر هذا القرار مصير كل فرق الأطفال في جميع ربوع مصر التي تمارس نشاطها من خلال قصور الثقافة ، و التي يتقاضى أهليهم ما لا يغطى حتى ثمن المواصلات ؟ .. كيف سيتم التعامل مع أهل هذه الأطفال ؟، هل مطالب من كل أب ان يسجل ابنه في المنظومة الضريبية و يتحمل مسئولية إدارة أعماله كقاصر؟، أم سيفضل في تلك الحالة أن يبقيه في منزله و يبتعد عن وجع الدماغ ، و نترك الأطفال نهبا لـ (التك توك و اليوتيوب و قنوات بير السلم؟).

إن زيادة حصيلة الدولة من الضرائب أمر لا نعترض عليه، و لكن السؤال: هل تطبيق تلك المنظومة على المبدعين المتعاملين مع الدولة أو مع الهواة في الأقاليم هو ما سيضمن القضاء على الاقتصاد الأسود ( الاقتصاد الموازى لاقتصاد الدولة )، و الذى يقدر حجمه بحوالى 2 تريليون جنيه ، و تقدر الضرائب المستحقة عنه بأكثر من 330 مليار جنيه تضيع بين مصانع بير السلم و الأسواق العشوائية و الباعة الجائلين والمهربين ، و صفحات البيع على وسائل التواصل الاجتماعى؟

و إذا أصرت وزارة المالية على تطبيق هذه القوانين على جهات الإنتاج فعليها أولا أن تجيب على تلك الأسئلة : كم تكلفنا الحرب على الإرهاب حاليا؟، و كم ستبلغ تكلفتها إذا توقف نشاط هيئة قصور الثقافة؟، و كيف نسعى لبناء الإنسان في ظل كل هذه العراقيل؟، و كيف نتحدث عن العدالة الثقافية؟، و عن أي انتماء للأجيال الجديدة نتحدث؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.