رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

محمود حسونة يكتب : إعلام 2023 لن يكون أفضل

بقلم : محمود حسونة

نطوي عاماً ونستقبل آخر ويسير بنا الزمن إلى الأمام، ورغم ذلك يصر البعض منا على أن يعاند حركة الزمن، وبدلاً من أن يسير معه إلى الأمام، نجده يعود إلى الخلف ليس أياماً بل سنوات وعقود، ورغم أن التطورات التقنية تقفز بنا إلى المستقبل، نجد بيننا من يستغلها وسيلة للعودة إلى الوراء، وهو ما يتضح جلياً في بعض القطاعات، وعلى رأسها قطاعي الإعلام والفن، فمن يتأمل حال إعلامنا يجده اليوم ليس أفضل من الأمس، تقهقر وتراجع كثيراً، وبعد أن كان هو الذي يشكل اتجاهات الرأي العام فقد مصداقيته، وأصبح الجمهور لا يثق في معظم ما يتم إعلانه عبر وسائله المختلفة، وبعد أن كان الناس يعرفون منه الجديد في مختلف الميادين، أصبحوا يبحثون عن الجديد على صفحات التواصل الاجتماعي، وبعد أن كان ميدان البحث عن الحقيقة، أصبحت الحقيقة التي تُعلن من خلاله محل شك، وبعد أن كان نجومه يتمتعون بحب الناس وتقديرهم، أصبحوا اليوم متهمين بالتزييف والخداع والمتاجرة بهموم الناس، وأصبحوا منفصلين عن المجتمع يخاطبون أنفسهم ويتعرضون للسخرية من فئات اجتماعية مختلفة على ما يقولون وما يعلنون وما يكتبون، والسبب خروجهم عن المنطق كثيراً، وتجاوزهم لحدود المعقول غالباً، ونطقهم بما لا يقنع أحد أحياناً.

يستقون معظم أخبارهم وأقوالهم من مواقع التواصل الاجتماعي

اكتب اسم أي منهم على صفحات التواصل الاجتماعي وابحث عنه، لمعرفة اتجاهات الرأي العام نحوه، ستجد ما يشيب له الولدان، وستعجز عن إحصاء كلمات النقد والتشكيك والقدح في حقهم والسخرية مما يقولون، وتفنيد أكاذيبهم، وللأسف قد يتساوى في ذلك نجوم قنواتنا الوطنية، وغربان الإعلام المضاد المتفرغين للنيل من مصر من الخارج والمدعومين من دول وجماعات لا تريد لهذه الدولة لا أمناً ولا استقراراً ولا نهضةً ولا تقدماً، وهو ما يؤكد فقدان الجمهور الثقة بالجميع، ولعل ذلك يستدعي ونحن نستقبل العام 2023 إعادة النظر في المنظومة الإعلامية بعد أن أصبح نجومها والقائمين عليها عاجزين عن التعبير عن المنجزات التي تتحقق على أرض مصر، وفاشلين في إقناع الجمهور بتبني وجهة النظر الرسمية سواءً كانت صحيحة أو مختَلَفٌ عليها، وغير قادرين على جمع الشعب على كلمة سواء.

لا ينكر سوى الحاقد أن مصر خطت خطوات مهمة للأمام خلال السنوات الماضية، والإنجازات التي تحققت أصبحت منتشرة على مساحة الجغرافيا المصرية من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، ولكن إعلامنا أصابه الشلل، ونادراً ما تجد أحد أدعيائه وقد انتقل إلى موقع انجاز بنفسه لتفقده بالكاميرا والكشف عن أهميته للمواطن وجدواه الاقتصادية وانعكاساته الاجتماعية، ويكتفي هؤلاء الأدعياء بالجلوس داخل ستوديوهاتهم يثرثرون، متوهمين أن أحداً ينصت إلى ما يقولون، وغير مدركين أنهم يخاطبون أنفسهم وقلة من أتباعهم والمستفيدين من وجودهم في مواقعهم.

هزت عاصفة الإعلام الجديد في معظم دول العالم قواعد الإعلام التقليدي

ليس الإعلام المصري وحده الذي تراجع اقتصادياً، بعد أن هزت عاصفة الإعلام الجديد في معظم دول العالم قواعد الإعلام التقليدي وزعزعت مكانتها، ولكن الإعلام التقليدي في الخارج انخفضت جماهيريته ولكنه لا يزال يتمتع ببعض الثقة والمصداقية لدى جمهوره، أما إعلامنا فقد اهتزت ثقة الناس فيه بشكل أسرع من الهزات الاقتصادية التي تعرض لها، وانصرف قطاع من الجمهور عنه إلى الإعلام الجديد، بينما انصرف قطاع أكبر عن الإعلام بشكل عام بعد أن عجز الإعلام الجديد عن ملء الفراغ الذي خلّفه تراجع الإعلام التقليدي، ولو أتيت بجميع الصحف القومية والمستقلة الصادرة في يوم محدد ووضعتها أمامك لإجراء مقارنة والبحث عن ما يميز كل منها، ستعاني بحثاً عن خبر انفرادي بعد أصبحت معظم الأخبار توزع على كل الصحف ولا تعتمد على مهارات المندوب الصحفي في جلبها، وللأسف بما في ذلك الأخبار الرياضية والفنية التي يستقونها من صفحة هذه الفنانة أو هذا الفنان أو ذاك اللاعب على تويتر أو فيسبوك أو إنستجرام أو غيرها.

التحقيق الصحفي غير الموجه، والحوار الصحفي، أصبح وجودهما نادر على صفحات الصحف

حتى التحقيق الصحفي غير الموجه، والحوار الصحفي، أصبح وجودهما نادر على صفحات الصحف، أما المقال ففقد بريقه بعد أن تمت قصقصة أجنحته سواء بفعل فاعل أو بفعل الكاتب ذاته الذي أصبح يستهدف النشر فقط بصرف النظر عن (ماذا ينشر!).

في مجال الإعلام المرئي المصيبة أكبر وأعظم، ويكفي الكلام عن برامج (التوك شو) الرئيسية على قنواتنا، والتي أصبحت مَكلمات تنفر المشاهد وتدفعه لاعتزال المشاهدة وتسليم عقله لقنوات اليوتيوب المجهولة المصدر والهوية، وأن الارتماء في أحضان القنوات المتحدثة باسم الجماعة الإرهابية والساعية لخلق فتنة شعبية والتشكيك في كل منجز حقيقي، واستغلال كل هفوة رسمية وتحويلها إلى خطيئة لا تغتفر، واختلاق ونشر الشائعات وبذل كل الجهود الممكنة لهز استقرار مصر الذي تحقق بدماء الشهداء، وبحرب على الإرهاب امتدت لسنوات وسنوات.

الإعلام المرئي المصري يتحمل قدراً كبيراً من مسؤولية استمرار قنوات الجماعة الإرهابية في ممارسة دورها الذي لا يقل إرهاباً على مدار السنوات الماضية وحتى اليوم، ولو كان إعلامنا على قدر المسؤولية لأخرس ألسنة غربان الإعلام الإخواني، ولو كان مهنياً لفند أكاذيبهم ودحض شائعاتهم، وكشف فضائحهم ورد كيدهم إلى نحورهم، ولكنه للأسف إعلام يخاطب ذاته التي تضخمت من دون أي داع، بعد أن قدم نجومه للمجتمع باعتبارهم خبراء في كل المجالات، وعلماء في كل العلوم، وجهابذة في كل الأوقات، يفتون في كل شيء، يتكلمون ولا يجيدون الاستماع لضيوفهم الذين يستعينون بهم بعض الوقت، والمصيبة أن المصادر التي يستقون منها معظم أخبارهم وأقوالهم مواقع التواصل الاجتماعي والصحف الإلكترونية، ونادراً ما يأتون بخبر جديد إلا في حال طرق أبوابهم أحد المسؤولين لتوضيح موقف أو شرح فكرة أو التمهيد لقرار.

الأزمة التي يعانيها الإعلام المصري ليست وليدة العام 2022، ولكنها تعود إلى سنوات مضت، وباعتبار أننا اعتدنا سير هذا الإعلام عكس حركة الزمن، فلن يكون العام 2023 أفضل له، بل ستزداد خسائره إن لم يعاد النظر في منظومته وأداء نجومه والمتحكمين فيه؛ أما بالنسبة للفن في العام المنتهي، فله حديث آخر.

[email protected]

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.