بقلم : محمود حسونة
بعض المسلسلات يترك بداخلنا بصمة، وتظل أحداثه محفورة في ذاكرتنا، ولا يمكن للزمن أن يمحوها؛ وقد شاهدنا مسلسلات في مراحل شبابنا، وتحدثنا مع أولادنا عنها بل وأعدنا مشاهدتها معهم سواء بهدف تعريفهم على مبدعين عظام تأليفاً وتمثيلاً وإخراجاً أو بهدف تعريفهم على قضايا مهمة تناولتها أو شخصيات عظيمة ألقت عليها الضوء بعد أن قدمت حياتها فداءً للوطن وحماية لنا جميعاً ممن يستهدفوننا ويتآمرون على الحاضر ويحاولون سرقة التاريخ ونسبه إليهم.
في المقابل، نشاهد اليوم أعمالاً ونحن ندرك أننا لن نخرج منها بشيء، وهدفنا الأوحد من وراء مشاهدتها هو التسلية والاستمتاع المؤقت الذي ينتهي بمجرد انتهاء حلقات المسلسل، ومن هذا النمط شاهدنا الكثير من الأعمال التي لا تعيش في الذاكرة سوى أيام، ولا تترك أي علامات في شخصيات مشاهديها، وليس بالضرورة أن تكون هذه الأعمال هابطة أو مبتذلة أو رديئة فنياً، بل أن بعضها يكون جيد الصنعة ولكنه غير مؤثر، وإلى هذا النمط ينتمي مسلسل (التحدي – السر 2 ” الذي عرضته (منصة شاهد) وإحدى شبكات (إم بي سي) التليفزيونية مؤخراً.
(التحدي) من الأعمال التي تجذبك لمشاهدتها ولكن لا يمكن أن تقنعك لا بمشاهدها ولا شخصياتها ولا تطور أحداثها. مسلسل تستمتع بأداء بعض ممثليه وبزوايا تصويره وبديكوراته وبالمناظر الطبيعية التي تتخلله، ولكن عندما تبحث عن الدرس المستفاد منه لا تجد شيئاً، تكتشف وأنت تشاهده أنك تتابع مغامرات تشبه مغامرات القط والفأر، توم وجيري، مطاردات وخطط ومؤامرات متبادلة بين بطليه تاجر المخدرات الذي يبدع في فعل كل ماهو غير مشروع (عامر بدران)، والذي يجسده باقتدار الفنان السوري (بسام كوسا)، وبين رجل الشرطة الذي يسخّر حياته للإيقاع بهذا (المافياوي) ويجسده بتشنج معظم الوقت الفنان اللبناني (باسم مغنية)، وبينهما العديد من الشخصيات والتي تعد بمثابة أدوات لهما، فالكل يدور في فلك هذا أو ذاك، والكل يلعب لصالح هذا أو يتجسس على ذاك، ويتواصل الدوران في حلقة مفرغة على مدار 60 حلقة، يضمحل التطور في الأحداث وتتكرر المواقف لتصل إلى ذروة الملل في حلقاته الأخيرة بعد أن تتكشف تبعية جميع الشخصيات لأي منهما.
شخصيات تتحرك أمامك على الشاشة وأنت تبحث عن جديد أو مختلف فلا تجد، وكأن صناع المسلسل قرروا مطه بما لا يفيد ولا يجذب للخروج بأكبر عدد من الحلقات لأجل الفائدة المادية، ومن دون أي اعتبار للجمهور ولا للقيمة الفنية.
علاقات غامضة تفقد جاذبيتها بعد فك غموضها في الثلث الأخير، وتجار مخدرات يقتلون ويسفكون الدماء من دون أنيهتز لهم رمش ولا شرطة تردعهم ولا قانون يخشونه ولا
دليل يدينهم، ونساء غارقات في عالم التجسس والانتقام والبحث عن المكاسب المادية حتى لو كان ذلك على حساب المشاعر، ووزير فاسد يدير عصابة إجرامية ويستغل سلطته لصالح كل ماهو ضد القانون، وأحد رجال الشرطة فاسد يحمي (عامر بدران) الذي تجاوز كل منطق في إجرامه وبطشه بكل من حوله، وسجناء لم يردعهم السجن ولكن يتخذونه مكاناً لتصفية الحسابات وسفك الدماء، وفي المقابل لا تجد أسوياء في هذا العالم الشاذ سوى سيدتين هما (بانا) ابنة المجرم (عامر بدران) الحالمة البريئة، والتي جسدتها بهدوء يشبه هدوء الشخصية الفنانة اللبنانية الشابة (تانيا فخري)، والتي استوعبت جيداً أبعاد الشخصية لتعكسها أداءً بنقاء نفس وشاعرية رومانسية ووجع مكتوم بعد اكتشافها أن الأب الذي تحبه هو الذي قتل الشاب الذي تحبه، لتعيش الحيرة ما بين حبين لا يتشابهان ولا يلتقيان سوى عندما يتجبر الأب ويقتل الحبيب الذي لا يرضى عنه لإزاحته من طريق ابنته ومن طريقه، خشية أن يكشف فساده ويفضحه تنفيذاً لواجبه المهني كصحافي.
السيدة الثانية نقية النفس في عالم الإجرام وتحكم المنفعة المادية في المشاعر هي (توليب) والتي تجسدها ببراعة الفنانة اللبنانية (بياريت قطريب)، وهي زوجة للشيف (ساري) والذي يجسده الفنان اللبناني بيير داغر بلا تألق، والذي يتخلى عن زوجته المقعدة نتيجة حادث تسبب فيه، ليرتبط بشقيقة (عامر بدران) وتجسدها بنمطية الفنانة السورية (رواد عليو)، تعد نسخة نسائية من شقيقها ولكن أقل منه إجراماً.
نجم المسلسل الفنان السوري (بسام كوسا) أبدع وتألق وقدم شخصية الزعيم في الإجرام، الداهية في التخطيط، ذو الشخصية القوية الجبارة التي تتحدى رجل الشرطة ويركع الوزير ويتحالف مع الشيطان ببراعة وبأسلوب السهل الممتنع، ومثلما يتطاير الشرر من عينيه في لحظات الانتقام يكون النموذج المثالي للرجل الرومانسي أمام (جويل) التي عشقها دون أن يعلم أنها تتجسس عليه، ولعل في ذلك انفصام في شخصية رجل
يحلل ويخطط ويفهم كل من حوله ويكشف مكنون المحيطين به ولكنه أمام محبوبته يصبح رجلاً أعمى فاقداً العقل رافضاً لنصيحة المقربين إليه، وقد جاء أداء الممثلة اللبنانية (ستيفاني صليبا) لشخصية جويل متواضع جداً.
من الفنانين الذين تميزوا أداءً في المسلسل (وسام حنا) في شخصية مهند بدران و(فرح بيطار) في شخصية المحامية (جوا)، و(كارمن لبس) في شخصية والدة مهند وزوجة الوزير، و(جورج شلهوب) في شخصية الوزير و(سلطان ديب) في شخصية (شاهر) الذراع الأيمن لعامر بدران.