بقلم المخرج المسرحي الكبير : عصام السيد
لم يكن خروج (عزيز عيد وفاطمة رشدي) من فرقة رمسيس أمرا سهلا ، ففي هذه الفرقة حقق الاثنان كثيرا من النجاحات حتى في ظل هيمنة صاحب الفرقة (يوسف وهبي) ومحاولة استثئاره بالنجاح وحده . فكيف ضحيا بتلك المكانة فى فرقة شهيرة توفر لهما مرتبا شهريا و قاعدة جماهيرية ؟ ليس هناك تفسير لهذا الخروج سوى إحساسهما أنهما صارا عبءا على صاحب الفرقة أو أن الفرقة لم تعد تحتمل وجودهما أو تتسع لطموحاتهما . أو ربما انتظرا أن يعالج صاحب الفرقة أمر الخلاف بين الممثلة الشابة فاطمة و النجمة زينب صدقى . فمن المؤكد أن عزيز خرج من الفرقة تأييدا لموقف زوجته ، فالمشاكل بينه وبين يوسف وهبي استمرت طوال أربع مواسم ، ولم يتخذ عزيز موقفا حادا كهذا ، حتي عندما أنكر عليه يوسف وهبي حقه فى نسبته من ايرادات الفرقة و صارحه بأن الفرقة تخسر، لم ينفذ عزيز تهديده بالخروج من الفرقة. إذا فخروجه هذه المرة كان انتصارا لكرامة زوجته فى معركتها. ففاطمة لم تكن مجرد زوجة لعزيز فقط ، بل هى تلميذته الأثيرة وقصة حبه الأولي والأخيرة و عشقه الذى لم ينساه على مدى حياته كما تخبرنا الأحداث فيما بعد.
![](https://www.shahrayar-stars.com/wp-content/uploads/2022/09/زينب-صدقي-300x169.jpg)
لم نعرف لعزيز مغامرات نسائية و لا زيجات متعددة ، و لم يرتبط اسمه سوى بثلاث سيدات ، الأولى كانت تلميذته و صديقته و بطلة فرقته السيدة ( روز اليوسف ) والتى ارتبطت مبكرا بالفنان محمد عبد القدوس ( والد الكاتب الكبير احسان عبد القدوس )، و لكنها ظلت على علاقتها الفنية و المهنية بعزيز حافظة له جميل إنه استاذها الأول الذى أعطاها الفرصة تلو الأخرى لتثبت موهبتها الطاغية لتصبح أهم ممثلة مسرحية فى تلك الفترة ، و الثانية كانت الفنانة ( دولت القصبجى ) الذى كانت على معرفة عائلية بعزيز و استغل خلافا لها مع عائلتها ليضمها إلى قائمة الممثلات المصريات القلائل فى ذلك الحين ، و تقدم لخطبتها بعد أن ضمها لفرقة جورج أبيض ، و فى نفس الوقت تقدم لها جورج ، ففضلت أن تحمل لقب ( أبيض ) لأن جورج – كما جاء فى مذكراتها – رجل هادئ و شخص مرتب يعرف طريقه جيدا و يمضى فيه بلا تردد و لا يخلط بين حياته الشخصية و حياته الفنية على عكس عزيز الذى كان فنانا عبقريا و لكنه بوهيمى و غير منظم فى حياته.
أما السيدة الثالثة التى اقترن بها اسم عزيز – و ظل قلبه متعلقا بها حتى مماته – فكانت فاطمة رشدى التى كانت تصغره بحوالى 25 عاما ، كما كانت تخالفه فى الديانة و فى الثقافة ، و لكنها كانت تضاهيه فى التمرد و حب الفن . فمنذ أن عرفها عن طريق الأديب محمد تيمور وهو يهتم بها اهتماما خاصا . فلقد قدمها له تيمور قائلا: يا عزيز سأهدي لك مؤلفة ومطربة وممثلة في وقت واحد .. تصور إنها تريد أن تؤلف رواية مع أنها لا تعرف القراءة والكتابة !!
![](https://www.shahrayar-stars.com/wp-content/uploads/2022/09/دولت-أبيض-300x225.jpg)
ومنذ تلك اللحظة تبناها ( عزيز عيد ) ، ربما لإحساسه بموهبتها الكبيرة وأنها ستصبح ذات يوم ممثلة مصر الأولي ونجمة من النجمات اللائي سيذكرهن تاريخ الحركة الفنية، فأصر على تعليمها القراءة والكتابة ، واختار لها مدرسين لكي يعلمونها اللغة العربية والقرآن الكريم والأدب والرسم ، وكان يدفع لهم رواتبهم من جيبه الخاص ، كما كان يدربها على فن الإلقاء والتمثيل ويصاحبها إلى عروض الفرق الأجنبية التي تزور مصر ، كما اشتري لها كتبا في التاريخ والفن والأدب وأخذها إلى زيارة المتحف المصري شارحا لها تاريخ المصريين القدماء!!
ونظرا لفارق السن بينهما و اختلاف الديانة ، فقد آثر عزيز أن يحبها في صمت ، ولكن فاطمة – التى ألحقها بفرقة رمسيس عند تكوينها – عز عليها أن تري استاذها يسكن في غرفة صغيرة خلف كواليس المسرح ، وهو العبقري الذي قامت على أكتافه أعمدة المسرح الحديث ( على حد قولها ) مقتطعا من قوته جزءا لأهله و الباقى لكى يعلمها ، و يعيش هو هذه العيشة ، بلا أسرة ترعاه أو زوجة تؤنس وحدته ، فأرادت ذات مرة أن تعبر له عن مدى حبها ، فغافلت أمها و سرقت دجاجة كانت معدة للغداء و حملتها و معها ( حلة ملوخية ) إلى المسرح لكي يتذوق الأستاذ طعم ( الأكل البيتى ) وعندما دخلت الي المسرح تحمل حلل الطعام أغرق الجميع في الضحك ، إلا عزيز عيد الذي نظر اليها شاكرا ممتنا.
![](https://www.shahrayar-stars.com/wp-content/uploads/2022/09/maxresdefault-4-300x152.jpg)
بعد هذا الموقف بأيام – كما تروى لنا الفنانة القديرة صفاء الطوخى فى كتابها – أشهر عزيز عيد إسلامه وتزوج من فاطمة وتم هذا الزواج في كواليس مسرح رمسيس . وعلى عادة ( يوسف وهبي ) في سرد الحكايات – مضافا إليها بعض التحابيش الدرامية – فإنه يروي قصة هذا الزواج فى مذكراته على النحو التالى :
قبل ختام الموسم فاجأني الأستاذ عزيز بأنه اتفق علي الزواج بالآنسة الجميلة : فاطمة رشدي .. فلم أصدقه الإ بعد أن أكدت هى لي موافقتها !!
استدعينا المأذون وكان اسمه ( الشيخ محمد ) وكان ظريفا ومعروفا لكل من في الوسط المسرحي وتم عقد القران في غرفة عزيز
الشيخ محمد : السلام عليكم:
أجبناه بصوت واحد : وعليكم السلام ورحمة الله.
الشيخ محمد : ربنا يجعله قران مبروك .. أين العروس الننوس؟
فاطمة رشدي : أنا يا سيدنا الشيخ.
الشيخ محمد : يا صلاة النبي أحسن ! سبحان من صور !، عين الحسود فيها عود، دا نهاري زي اللبن … قولوا انشالله.
الجميع : انشالله؟
الشيخ محمد : أدي احنا جينا .. نبتدي باسم الله .. الاسم يا فلة مزهرة ؟
فاطمة رشدي : فاطمة رشدي.
الشيخ محمد : (بعد أن سجل في دفتره أسماء الأب و الأم ..إلخ) وأين العريس الحنتوس؟
عزيز عيد : أنا
صرخ الشيخ محمد : أعوذ بالله.
عزيز عيد : جري إيه يا شيخ محمد ؟
الشيخ محمد : مش معقول !! أأعقد لأب بهذه السحنة الشقلباظ علي فتاة في عمر بنته تقول للقمر قوم وأنا اقد مطرحك !! استغفر الله العظيم.
يوسف وهبي : شوف شغلك يا شيخ محمد .. ما تدخلش فيما لا يعينك.
الشيخ محمد : سبحان العاطي من غير مناسبة .. يعطي الحلق للي بلا ودان.
يوسف وهبي : انت زودتها قوي.
الشيخ محمد : سامحني يارب .. اسم العريس أيه ؟
عزيز عيد : عزيز عيد
الشيخ محمد : عزيز عيد ؟ لكن مش ده اسم مسيحي ؟
وقبل أن يُفهمه عيد انه اعتنق الاسلام ، انقض عليه الشيخ محمد عليه بمركوبه الأحمر وهو يسب ويلعن .. فأمسكنا بتلابيبه .. وسارع عزيز بتقديم وثيقة إسلامه ، فلم يجد الشيخ محمد بُدًا من اتمام العقد .. وبرغم أني انقدته جنيهين .. نزل السلم ساخطا وسمعناه يصيح :
الشيخ محمد : في شرع مين القرد يتجوز غزال !!!
كان مشهدا تمثيليا واقعيا فكاهيا .. فلم أستطع مقاومة الضحك ومن حسن الحظ أن الجميع شاركني ضحكي وتم القران بسلام.
![](https://www.shahrayar-stars.com/wp-content/uploads/2022/09/عزيز_عيد-300x275.jpg)
هكذا كان الزواج كما رواه ( يوسف وهبى ) ما بين جميلة الجميلات (فاطمة رشدى) ذات الستة عشر ربيعا و ما زالت فى بدايات حياتها الفنية ، و بين الرجل العبقرى الدميم عزيز عيد الذى أتم اربعين عاما أسس خلالها عدة فرق ، ثم استقر أخيرا فى فرقة رمسيس ، و لكنه ترك الفرقة من أجلها بعد الزواج بثلاث أعوام.
أما ما بعد الخروج من فرقة رمسيس فترويه فاطمة رشدى قائلة : ( تركنا فرقة رمسيس و ظللنا و حيدين – تقصد هى و عزيز – لا يؤنسنا غير وحيدتنا العزيزة .. و انتظرنا أن يزورنا الأصدقاء الذين ما كان ينقضى يوم دون أن يشرفونا فيه بزيارتهم، و طال انتظارنا عبثا .. و لكن عزيز – و هو حركة دائبة و أعصاب ثائرة – لم يرض عن هذا الجمود الذى خيم علينا ، فصاح بى ذات صباح : (يجب أن نعمل .. يجب أن نثبت وجودنا)
فكيف أثبتا وجودهما ؟
لهذا حديث آخر…