بقلم : محمود حسونة
لن ينفذ ما في الجعبة المصرية من أحداث ومؤامرات وخطط استهدفت هدم مصر، ولكن الأجهزة المصرية نجحت في وأدها وكشفها وردت كيد المتآمرين إلى نحورهم. تآمر دول على دول أمر كان ومازال وسيظل موجوداً، ولكن ملامحه تتغير وأطرافه تتبدل من حين إلى حين، فبالأمس كانت الدول هى أطراف لعبة التآمر والتجسس والتخطيط والتنفيذ، أما اليوم فقد أصبحت بعض الدول تستعين بجماعات عنف وإرهاب لهدم دول أخرى، مكتفية بالتخطيط والتوجيه والتمويل وتاركة تنفيذ المهام القذرة إلى الجماعات، ومعها شركات المرتزقة التي تحولت إلى مؤسسات للهدم والقتل والتخريب بالوكالة عن آخرين.
مصر من الدول التي استهدفتها دول كثيرة عبر التاريخ، وكانت هدفاً لجماعات الإرهاب خلال السنوات الماضية على اختلاف مسمياتها وانتماءاتها وتوجهاتها، تكالب عليها المتربصون ورصدوا ميزانيات ووضعوا خططاً واستهدفوا مؤسسات وشخصيات، ولكن مصر كانت لهم بالمرصاد.
نعم، نجحوا في تنفيذ بعض مخططاتهم، واستطاعوا زعزعة استقرار أول دولة في التاريخ بعض الوقت، وقسّموا الشعب المصري وكادوا أن يسقطوا الدولة، ونشروا الخوف والقلق بين الناس، وكان المستهدف أكبر بكثير من كل ما عايشناه وشاهدناه وتابعنا فصوله المؤلمة قبل 2011 وبعدها.
ما نشاهده حالياً في (الاختيار 3، وبطلوع الروح، والعائدون) ليس سوى قليل من كثير جداً كان مخططاً لنا وجاهزاً للتنفيذ وميزانياته مرصودة وجاهزة.
بعد أن تزعزعت مكانة (داعش) في سوريا والعراق، كان هدفها الانتقال بمقاتليها وعتادها وأفكارها المنحرفة إلى مصر، ووضعت الخطط، وبدأ التنفيذ، ولكن الأجهزة المصرية أحبطت خطة التنفيذ والخطة البديلة، ونجحت في أن تحمي الشعب والدولة من أقذر مخططات الإرهاب التي كانت تستهدفها، وسعت لمحاصرتها من الاتجاهات المختلفة.
الزمان ليس ببعيد، ما بين 2018 و 2020، والذاكرة لا زالت محملة ببعض مما قرأته عن المخطط، ولكن الفرق كبير بين أن تقرأ وأن تشاهد، ومنذ أول رمضان بدأت الُمشاهدة، مُشاهدة تفاصيل يشيب لها الولدان من خلال مسلسل (العائدون) الذي صاغ فيه الحقائق وملامح الخطط في قالب درامي باهر دويدار، ليعيدنا 4 سنوات للوراء، ويكشف لمن يريد أن يعي.. إلى أين كنا ذاهبين؟
كنا ذاهبين إلى الخراب والانهيار والتلاشي، وبفضل يقظة المخابرات المصرية تم إحباط المخطط، وأيضاً بفضل تضحيات من قبلوا أن يعيشوا وسط الدواعش لينقلوا لأجهزتنا المعلومات، ومنهم من قدم حياته فداءً للوطن، وبفضل رجال مخابرات وضعوا خططاً عديدة للحصول على المعلومات من مصادر مختلفة وأحبطوا مخططات الساعين لهدم مصر، وعلى رأسهم كانت تركيا التي تسعى اليوم للتصالح مع مصر بعدما أدركت أنها عصية على السقوط، وأنها من الممكن أن تتعرض لبعض الأزمات ولكن أجهزتها سرعان ما تكشف المستور وتتعامل حتى تتجاوز المحنة وتنطلق إلى المستقبل.
الأعمال الدرامية مثل البشر، بينها أعمال صوتها عال تلفت الأنظار إليها بضجيجها، وأعمال لا صوت لها سوى صوت مشاهديها الذين وجدوا فيها ما لم يجدوه في غيرها وهم مصدر رئيسي من مصادر الترويج لها، و(العائدون) من النمط الثاني، فهو من الأعمال التي تكشف في هدوء لنا حقائق وتدعونا للانتباه واليقظة وتحذرنا ممن يستهدفون استقرارنا وشبابنا، ويحاولون العبث بعقولنا ومشاعرنا وعقيدتنا؛ وتقدم لنا نماذج ممن نجح داعش في تجنيدهم وعادوا إلينا محملين بالأفكار الهدامة وساعين إلى قتلنا ومن هؤلاء الذين نفذوا عملية تفجير معهد الأورام مستحلين حياة مرضى أورام يعانون أشد الآلام وأبشع الأوجاع.
دواعش (العائدون) يستحلون حياة بعضهم البعض وتحركهم غرائزهم الحسية وجشعهم المادي وهم كائنات بلا قلب ولا مشاعر تجاه زوجاتهم وتجاه معاونيهم والمحيطين بهم، مأجورون يفاوضون على الأجر للحصول على الأقصى، فاقدون للثقة في كل المحيطين بهم، كل ذلك تجده في جميع شخصياتهم وعلى رأسهم رئيس عمليات داعش ويجسده الفنان السوري أحمد الأحمد الذي تفوق على نفسه في إظهار قبح الشخصية الداعشيه، أما رجال المخابرات وسيداتها فهم منا، بشر يحبون ويضحون ويبذلون كل الجهد لحماية هذا الوطن من المتربصين به، ولكنهم يختلفون عنا في أنهم أكثر تضحية على مستوى حياتهم الاجتماعية والأسرية.
هذا المسلسل، شهد ولادة جديدة للفنان هاني رمزي الذي سلك طريق الكوميديا وقدم أعمالاً خسّرته أكثر مما نفعته، وهنا يقدم دور رجل مخابرات مصري في الخارج ليؤكد من خلاله أنه فنان كبير ضل الطريق وأن لديه الكثير الذي لم يقدمه فنياً، أما الفنان محمد فراج فقد شارك فقط في حلقتين من المسلسل وظل خالداً في أذهان مشاهديه بأدائه العبقري المبكي في مشاهد تعذيبه وحرقه وهو المشهد المستوحى مما فعله الدواعش في الأردني معاذ الكساسبة، وطوال الشهر نعيش مع أمير كرارة الذي استعاد نفسه بعد سقطته في رمضان الماضي، وأمينة خليل تجدد موهبتها باقتحام حقل غير مسبوق لها ومحمود عبدالمغني بصورته المعتادة، ومحمد عادل في دور علاء.. تألق ضائعاً تائهاً لا يجد نفسه إلا بعد تجنيد المخابرات وزرعها له وسط الدواعش ليكفر عن خطاياه في حق الوطن.
باهر دويدار غلف الحكاية المخابراتية بغلاف إنساني من خلال زوجة (عبدالمغني) ووالد (أمينة) وابنة (أمير) وقدم عملاً يكشف من خبايا الفكر والسلوك الداعشي المنحرف الكثير بحوار راق، وهو ما مزجه المخرج أحمد نادر جلال مع مشاهد الدواعش بحرفية عالية ليزيدنا نفوراً من هؤلاء الإرهابيين ويزيدنا احتراماً وتقديرا ومحبة لكوادرنا الوطنية.