رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

سامي فريد يكتب : فريد لثومة : أنا الملحن يا هانم !

بقلم الأديب الكبير : سامي فريد

كان فريد الأطرش يتمنى التلحين لأم كلثوم.. وعندما جاءت المناسبة سأل فريد الموسيقار عبدالوهاب: هل يمكن أن يلحن للست؟، ورد عبدالوهاب بدبلوماسية المعروفة:

يا فريد يا حبيبي طبعك وطبع الست ما يتفقوش .. لازم حد فيكم يتنازل للتاني.. انت ما تقبلش حد يتدخل في ألحانك أو يغير فيها.. صح؟!

ورد فريد:

طبعا.

فقال عبدالوهاب:

الست بقى تغير في اللحن وتغير في الكلام واللي بيلحنوا لها فاهمين كده كويس.. وبالسياسة بيتوافقوا على قد ما يقدروا!

(وكانت أم كلثوم) قد طلبت من فريد أن يلحن لها أغنية كلماتها تعجبها وهى عندها في انتظار زيارته ليلحنها لها.. واعتذر فريد واعتبر أنها إهانة لتاريخه أن يطلب منه ان يلحن لها ما تريد هى، وقال لها انها لابد أن تغني أولا اغنية (وردة من دمنا) وبعدها يمكن أن يلحن لها ما تريد لحفلاتها!

فريد الأطرش

كان فريد فيما هو معروف عنه شديد الاعنزاز بنفسه وبنفسه .. فهو الأمير من أسرة الأطرش في جبل الشام، وكانت أم كلثوم قد حققت جماهيرية وشعبية اكتسحت العالم العربي كله.

وهكذا انتهت المحاولة الأولى بالفشل حتى حكي المؤلف المعروف أحمد شفيق كامل فقال إنه عندما كان يعمل مستشار تجاريا في السفارة المصرية بالسعودية فالتقى بالسيدة أم كلثوم التي كانت تؤدي العمرة في تلك الفترة، فقال إنه قد كتب لها اغنية تليق بها وهو أيضا يقترح أن يلحنها لها الأستاذ فريد الأطرش.. فطلبت منه أم كلثوم أن تسمع كلمات الأغنية.

وقرأ عليها أحمد شفيق كامل كلمات الأغنية فأعجبتها فكانت كلمات الأغنية تقول:

(كلمة عتاب يا حبي بتدور عليك) إلى آخر الأغنية فوافقت على أن يلحنها لها فريد الأطرش الذي كانت فرحته شديدة بأن أم كلثوم أخيرا قد وافقت على أن يلحن لها أغنية لتغنيها في أول حفلاتها.

ولحن فريد الأغنية باهتمام وحب.. وكانت الوسيط بينه وبين أم كلثوم عازف الكمان الأول بفرقتها أحمد الحفناوي. وأعدت أم كلثوم موعدا لفريد الأطرش الذي اتصل بها ليخبرها بانه انتهي من تلحين الأغنية.

وانتظرته أم كلثوم في الموعد المتفق عليه في فيلاتها بالزمالك في شارع أبو الفدا.. وفي الموعد كان فريد الأطرش يحمل عوده فيكون أمام (الست)، وهو يعلم مدى احترامها للمواعيد.

ورحبت به أم كلثوم وأخرج فريد العود من غطائه وراح يعزف اللحن وأم كلثوم تنصت له باهتمام شديد دون أن تنطق بأي كلمة أو تعليق.

كان لحن الأغنية من مقام النهاوند مع مقام الصبا.. وانتظر فريد أن يسمع رأيها لكنها فاجأته بما لم يكن يتوقعه منها مطلقا.. قالت بكل هدوء:

أم كلثوم

يا ريت يا فريد كنت عملت اللحن من مقام الكرد!!

وأسرعت نبضات قلب فريد في صدره من شدة الغضب إذ كانت هذه هى المرة الأولى في حياته التي يعترض فيها مخلوق على لحن له حتى ولو كنت أم كلثوم نفسها.

حمل فريد عوده ليضعه في غطائه وهم خارجا ليقول للست: أنا يا هانم الملحن.. أنا اللي أحدد الأغنية حتكون من لحن إيه ومقام إيه.. وليه.. وازاي!!.

وخرج فريد من فيلا أم كلثوم دون كلمة زيادة.. ودون حتى كلمة سلام أو تحية.. انصرف وهو يتحسر على وفاة شقيقته اسمهان صاحبة الصوت الماسي الراحلة.. وسمعه بواب الفيلا عند الباب وهو يخرج الي سيارته قائلا:

يا خسارتك يا أسمهان.. لو كنتي عايشة ما كنتش عبرت حد تاني.. أي حد!!

وعلم عبدالوهاب بقصة اللقاء الذي انتهي إلى القطيعة بين فريد الأطرش وأم كلثوم فقال تعليقا عليه:

فريد كان موهوب وواثق من نفسه ثقة كبيرة.. فأي لحن لم يكن يستغرق منه سوي دقائق لا تزيد على نصف الساعة.. وعندما كان ينتهي من الأغنية لم يكن يدخل على لحنه أي تعديل مهما كان ولا يضيع وقته في الوسوسة، وكأنه يقول للدنيا كلها: ليس في الإمكان أبدع مما كان!

هكذا كان فريد: بلا مناقشة.. ولا مراجعة.. ولا تصويب أما أم كلثوم فهي المنافسة بعينها.. هى الدقة.. هى قمة الوسوسة.. ولابد عندها من الاقتناع الكامل بكل حرف في كلمات الأغنية.. وكذلك في الجملة الموسيقية.

ويضيف عبدالوهاب واسألوني أنا وهى تراجعني أكثر من مرة عندما أدخلنا الأورج في أول لحن أقدمه لها.. سألتني مستنكرة:

أورج يا محمد؟!

أيوه أورج

أورج يا محمد؟

أيوه.. أيوه

وأصررت على رأيي حتى اقتنعت أخيرا عندم أسمعها مجدي الحسيني صوت الأورج فطلبت أن يتقدم في صفوف الفرقة الموسيقية ليكون خلفها تماما فقد أعججبها الأورج كثيرا!

والذي لاشك فيه أن أم كلثوم كانت تحترم فريد الأطرش وفن فريد الأطرش ولم يكن هناك أي خلاف بينهما حتى بدأ الخلاف يطل برأسه في نهاية الستيتنات وبداية السبعينيات حول أغنية (وردة من دمنا) لبشارة الخوري (الأخطل الصغير)، ولم يتراجع فريد عن رأيه حتى طلبت منه أم كلثوم أغنية غيرها لتغنيها في إحدى حفلاتها فرفض فريد حتى كانت أغنية احمد شفيق كامل وحدث ما حدث.

أسمهان

رحل فريد الأطرش وترك الأغنية لحنا لم يتم ليكمله بليغ حمدي وتغنيه ورده، أما الذي قد لا يعرفه أحد مطلقا وهو سبب حسرتة على رحيل شقيقته أسمهان أنها وكانت زوجة لأحمد سالم اتصلت به تليفونيا لتخبره بأنها تطلب منه لحنا لفيلم (غرام وانتقام).

استمع إليها فريد وطلب منها أن تمليه كلمات أحمد رامي ليكتبها.. وبعد حوالي أربعين دقيقة كان فريد يطلبها على التليفون لتسمع لحن:

ليالي الأنس في فينيا

نسيمها من هوا الجنة

نغم في القلب له رنة

سمعها الطير.. بكى وغنى

ورددتها أسمهان وراءه دون مناقشة حتى التقى بها ليسمعها منها مرة ثانية ثم تجري بروفة أمامه بعد موافقته عليها وعلى أداء الفرقة الموسيقية ثم تغنيها أسمهان في الفيلم، لهذا كانت حسرة فريد على أسمهان التي مازالت أغنياتها القليلة التي تركتها لنا تؤثر فينا ومازلنا نردها حتى اليوم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.