رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

سلاف فواخرجي .. جميلة الشاشة وشهرزاد الدراما السورية

دافئة المشاعر والأحاسيس الرومانسية

بقلم : محمد حبوشة

العين هى حاملة الرسائل الإنسانية بدلالتها المختلفة كوسيلة للتعبير وإدراك المشاعر المشبعة بالعاطفة المشحونة بالشجن، وهى نهر لا يتوقف في جريانه الهادر في التعبير بصدق وواقعية، وقد ميز الله الإنسان بنعمة الإدراك لكى يتفاهم مع البيئة التى تحيط به، وصحيح أن الإنسان لا يمتلك صفات خارقة للطبيعة، ولكن الإنسان قادر أن يحتوى الكون فى عقله وقلبه ويعيد صياغة الدوافع الإنسانية في صورة مشهد تمثيلي دارمي يلخص المعاناة ويعبر بالمشاعر الفياضة إلى ضفة أخرى من النهر على جناح أداء عفوي يجسد الحالة ويحلق في آفاق عوالم الخيال الطامح نحو مناطق الدفء والحنين، وبالتالى فعندما يبدأ الإنسان فى تفسير شئ ما فى الطبيعة فإنه يبحث عن أسباب من أجل تطوير أساليب ومعايش الحياة نفسها وكذلك يبحث عن معانى فى الحياة لتطوير الذات والنفس.

تملك لغة جسد وعيون معبرة للغاية

وضيفتنا في باب (في دائرة الضوء) النجمة العربية السورية (سلاف فواخرجي) هى واحدة ممن يملكون عيون معبرة تغوص في تفاصيل العمل الدرامي وتعكس من خلاله أبعاد إنسانية غاية في الروعة والجمال، وهى في هذا تعرف جيدا أن حصة الكلام (اللغة اللفظية) في أحاديثنا التقليدية تشكل بحدود 45 %  فيما تكون حصة لغة الجسد من التواصل بحدود 55 بالمئة! خاصة من خلال العين، أي أن أقل من نصف المعنى يأتي عبر لغة الكلام، فيما يأتي أكثر من النصف من لغة الجسد، تصل لجهاز أو مركز في الدماغ خاص بفك الشفرات، فإن فسرها بشكل صح، حصل تفاهم وتودد.. وربما الوقوع في الحب!، وإن فسّرها بشكل خطأ، أدى ذلك الى نفور أو خصومة.

وهذا هو الشرط السيكولوجي لنجاح الدراما التلفزيونية التي تقدمها (سلاف) إنطلاقا من أنه على العاملين في الدراما التلفزيونية أن يمتلكوا  ثقافة جديدة بالسلوك غير المنطوق (لغة الجسد) لأنها هى التي تزود الممثلين  بأفضل المفاتيح لمعرفة المشاعر الداخلية للشخصية التي يجسدها، وما إذا كانت اللغتان (اللفظية وغير اللفظية) متطابقتين بالمعنى، أو أن أحداهما تحمل معنى يناقض ما تحمله اللغة الأخرى، فيكون المشاهد في حيره.. أيهما يصدق: كلامه أم لغة جسده؟، ونظرا لأنها ممثلة تكمن قوتها في عينيها فهي تدرك جيدا أن العين تعطي إشارات الاتصالات البشرية الأكثر كشفا ودقة وصدقا، ففي الحب، العين هى التي تتكلم قبل اللسان، وفي أشعار الغزل والأغاني، العين هى موضوع الحب ورسول الغرام حين تتعطل لغة الكلام. 

وفي تحليلنا للغتي الجسد والعيون سيكولوجيا، عند سلاف فواخرجي سنصل إلى هدفنا في التدليل على أن السيكولوجيا هى الشرط في نجاح الدراما التلفزيونية، وأن سبب فشل الكثير من المسلسلات الدرامية التلفزيونية العربية، هى افتقار المخرج والممثلين لهذا الفهم السيكولوجي فتكون النتجة أن المشاهد يرى الممثل يمثل ولا يعيش الفعل سيكولوجيا، وعند متابعتي لمجمل أعمال (فواخرجي) بعين المشاهد المتأمل بعمق لتفاصيل الأداء، فوجدت أنها كان موفقة جدا في توظيف لغتي الجسد والعين، بالمعاني التي ذكرناها، في تجسيد انفعالات الحب، ونقيضها الصعب..الانتقام من المحبوب!، ومع أن هذا يعود الى امتلاكهما موهبة متميزة وقدرة عالية في التمثيل، وهو ما يثير حالة الشغف  لدى المشاهد من خلال انفعالات التعاطف والتأثر.. في حالة تنسيه أنه يعيش مشهد تمثيل!، وفي رأيي أنها نجحت كممثلة في تجسيد كل الشخصيات التي لعبتها على نحو احترافي ينبغي أن يعتمد في تدريس مادة سيكولوجيا الدراما في أقسام المسرح والتلفزيون بالجامعات العربية.

لديها أبعاد إنسانية غاية في الروعة والجمال

العلاقة بين الجسد و العين عند (سلاف فواخرجي) علاقة متغيرة وديناميكية متحركة، وليست خطية تلتزم بنمط أفقي ذا اتجاه واحد، ففي كافة أعمالها على اختلاف شخصياتها المتعددة (المركبة تارة والسهلة البسيطة تارات أخرى)، ربما تلحظ أن الجسد عندها يأسر العين، ويكبلها خارج ممكنات التأويل، فالعين التي تدرك خلاف العين التي تتمثل، بعبارة أخرى عين قابيل كانت غير عين آدم، بين لحظتي أكل التفاحة والقتل، كذلك كان الوعي بالجسد لدى (فواخرجي) في حركة العين هى التي تكون مشدودة إلى موضوع تمثلها كعين قابيل، إذ أدرك أن هابيل قد مات تماما، أما العين التي تتمثل فهي تلون موضوعها بكل الألوان، كعين آدم التي ما أن رأت الجسد الذي لم يرد نص قاطع بأنه كان (غير مرئي/ مستور) حتى بات في حكم (السوء) ما أن (تبدت لهما) أجسادهما.

في بدايات حياتها الفنية

ولدت (سلاف فواخرجي) لأسرة فنيه، وترعرعت في محافظة اللاذقية، الوسط الفني يبدأ عندها من والدها محمد فواخرجي، وهو ناقد سينمائي كبير، ووالدتها الكاتبة والأديبة المشهورة ابتسام أديب، فهما أساس تشبعها وحبها للفن الذي ملء حياتها منذ طفولتها، علمها والديها أن الدراسة تكون شخصية الإنسان، لذلك أهتمت بدراستها حتى دخلت كلية الآداب بجامعة دمشق ، وقبل التخرج اشتركت بالتمثيل مع المخرج ريمون بطرس، وتخرجت من الجامعة في عام 1998م ودرست أيضا الفنون التشكيلية والنحت الضوئي في معهد أدهم إسماعيل، ولحبها للدراسة عادت إلى الجامعة مرة أخرى، لدراسة اللغة الإرمية والسريانية، وتخرجت مرة أخرى في عام 2017، من المعهد العالي للغات في دمشق.

سلاف فواخري ممثلة سورية مبدعة في الدراما السورية والعربية، وسميت بـ (شهر زاد الشاشة العربية) واشتهرت بعدة أدوار مميزة، مثل (أسمهان وكليوبترا)، وأصبحت أجمل الممثلات التي استطاعت منذ ظهورها على الكاميرا التي تشكل بجمالها الأخذ بموهبتها المثالية، ووجهها ليس له مثيل على الشاشة، لأن مكياجها طبيعي والصورة خير دليل على ذلك، لتظل العيون الزرقاء عنصرا ساحرا في إطلالتها التي بدأت بها مسيرتها الفنية عندما تم ترشيحها لتؤدي دور في فيلم (الترحال)، الذي حققت من خلاله نجاحا كبيرا، رغم أنه أول دور لها ولكن قامت به بأفضل ما يمكن، مما جعل المخرج عبد اللطيف عبد الحميد يعرض عليها دورا رومانسيا، وفيلم (نسيم الروح) كان ثاني عمل لها، وبعدها توالت أعمالها الفنية في الدراما التلفزيونية والسينما ، وأصبح أسمها لامعا في عالم الفن والتمثيل .

ملوك الطوائف
كيلوباترا
الولادة من الخاصرة
أسمهان

قدمت سلاف فواخرجي أعمالا رائعة في الدراما العربية والسورية منها مسلسلات (الحقيبة الضائعة) عام 1996، و(عودك رنان – 1997)، ثم مسلسلات (بنت الضرة – 1997، زمن المجد، وخان الحرير ج2 – 1998، قلب دافئ، وثلوج الصيف، الجمل – 1999، سيرة آل الجلالي – 2000، مبروك – 2001، لشو الحكي، قوس قزح، صلاح الدين الأيوبي، الأيام المتمردة، أحلام لا تموت – 2001، ورود في تربة مالحة، نوادر جحا، صقر قريش، صراع الزمن، ردم الأساطير، الوصية، الفصول الأربعة ج 2، (الأرواح المهاجرة) ومسلسل (أقبية الموت – 2002، نساجة ماري، لغز الجريمة، قانون ولكن)، وفي عام 2003: ذكريات الزمن القادم، بقعة ضوء، لشمعة والدبوس،الحسناء والعجوز).

في عام 2004 شاركت في مسلسلات: (عصر الجنون، شهرزاد الحكاية الأخيرة، أحلام كبيرة، وفي عام 2005 قدمت أروع أدوراها في (ملوك الطوائف، عصي الدمع، عصفور طيار، بكرا أحلى، الظاهر بيبرس، أما في عام 2006 فقدمت مسلسلات: (ندى الأيام، على طول الأيام، بارود.. اهربوا، الواهمون، فضلا عن فيلم (حليم)، وعام 2007 شارك في مسلسل (عنترة،  سقف العالم، رسائل الحب والحرب، جنون العصر، وفيلم (الهوية).

أما أنضج أعمالها على الإطلاق فكان في عام 2008 من خلال مسلسلات (يوم ممطر آخر، يا ناس يا هوه، هيك تجوزنا، حسيبة، العشاق، أسمهان، اسأل روحك، وفيلم (ليلة البيبي دول)، وعام 2009 قدمت عملا واحدا هو مسلسل (آخر أيام الحب) وكذلك الحال في عام 2010 مسلسل (كليوباترا)، وبدأت عام 2011 بفيلم سينمائي واحد هو (يوم صامت)، ثم قدمت مسلسليها البديعين (الولادة من الخاصرة، وفي حضرة الغياب)، وكذلك بدأت عام 2012 بفيلمي (هوى، ومريم)، وقدمت أيضا مسلسلي (ما بتخلص حكاياتنا، المصابيح الزرق)، وعام 2013 قدمت كلا من (ياسمين عتيق، حدث في دمشق (يا مال الشام)، ويأتي عام آخر في التألق 2015، بمسلسلات (حرائر، حارة المشرقة، بانتظار الياسمين)، وأفلام (انتظار الخريف، ثلوج الصيف، الأم).

بانتظار الياسمين
الكندوش
أحمر

وفي مجال البيئة الشامية شاركت عام 2016 في مسلسل باب الحارة ج8، ومن بعده قدمت مسلسلها المثير للجدل (أحمر)، وفي عام 2017 قدمت فيلم (طريق النحل)، ثم عاودت التألق الدرامي في عام 2019 من خلال مسلسلي (هوا أصفر، وناس من ورق)، وفي عام 2020 قدمت مسلسها الجرئ (شارع شيكاغو)، ومسلسل ( خط ساخن)، لتصل لقمة تألقها في عام 2021 بمسلسلات (cell 6 والكندوش، وعنبر 6)، وكان لها التأثير الكبيروالملحوظ في مسيرتها، حيث شاركت مع الفنان جمال سليمان وعدة نجوم، وقدمت شخصية (دلل) جارية الخليفة عبد الرحمن الداخل بشكل مميز وملفت، وحصلت على بطولة مسلسل (شهرزاد)، حيث أدت دور شهر زاد وعلاقتها مع شهريار بكل تعقيداتها وامتدادها، وزادت شهرتها عربيا بشكل كبير، بعد تجسيدها لدور الفنانة الراحلة (أسمهان) في عام 2008، بعدها قامت بتجسيد دور كليوبترا في المسلسل المصري التاريخي (كليوبترا).

شيكاغو
عنبر 6

وقد حصدت سلاف العشرات من الجوائز في أكثر من مهرجان في سوريا وخارجها، بينها حصولها على درع مهرجان القاهرة للاذاعة والتلفزيون لعام 2001 عن دورها في مسلسل (أحلام لا تموت)، وجائزة أحسن ممثلة في مهرجان القاهرة التاسع للإذاعة والتلفزيون، وجائزة نقابة الفنانين عام 2003م، وانتزعت أيضا جائزة الموريكس عامي 2007 و2008، وجائزة أدونيا للدراما السورية عن دورها في مسلسل (أسمهان)، كما تم اختيارها كعضو لجنة تحكيم في مهرجان أبو ظبي السينمائي، وكعضو لجنة تحكيم في (أيام قرطاج السينمائية) بتونس.

تملك المفاتيح لمعرفة المشاعر الداخلية للشخصية التي يجسدها

وفي النهاية لابد لي من تحية تقدير واحترام للنجمة العربية السورية (سلاف فواخري) التي يصفها الكثيرون بجميلة الشاشة، حيث قدمت أدواراً لا تنسى في الدراما التلفزيونية والسينما، ومازال إبداعها وعطاؤها الفني لا يتوقفان، فرغم الأزمة التي يعيشها وطنها سورية، والوجع والحزن اللذين يعتصران قلبها، ما زالت قادرة على إثبات أن الفن حياة وأمل وروح، كما بدا لي من خلال فيلميها اللذين شاركت بهما في مهرجان الإسكندرية السينمائي، وهما (الأم، و رسائل الكرز)، والأخير تكشف فيه موهبتها في عالم الإخراج للمرة الأولى، فالفيلم حافل بالرسائل التي تعني الإنسان والمواطن العربي.. هي رسائل حب للإنسان الذي في داخلنا، رسائل حب في زمن الحرب، ورسائل عشق إلى الوطن والأرض، إلى المبادئ والقيم والمعاني النبيلة، إلى التراث، إلى الأصل، إلى الكلمة الطيبة التي طغت عليها الشتيمة، إلى الأغنية الجميلة التي افتقدناها، إلى الطبيعة بعيدا من الأسمنت إلى الحقيقة التي هى نحن.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.