رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

د. ثروت الخرباوي يكتب : لغة (الكوكو موكو)  في السينما المصرية

بقلم الدكتور : ثروت الخرباوي

(الإتقان) ليس عنوانا لفيلم، ولكنه معنى غاب عن معظم أفلامنا ومسلسلاتنا، و(جهالة التلفيق) ليس عنوانا لفيلم آخر ولكنه معنى شارك في إنتاج معظم أعمالنا الفنية، ومع ذلك فإننا قمنا بالتصفيق كثيرا لأساتذة الجهل والتلفيق، وأعطيناهم أوسمة وجوائز وهم في الحقيقة لصوص فن قدموا ما سرقوه في شكل أعمال فنية شديدة التفاهة والسطحية، والغريب أننا فتحنا أفواهنا على مصراعيها من فرط الإعجاب بتلك الأعمال المسروقة، التافهة، السطحية، التي لم يبذل أصحابها أي جهد في تقديمها بصورة لائقة، يشترك في هذا المؤلفون والمخرجون وكتاب السيناريو والمصورون ووووو..، لا أقول هذا عن عمل بعينه ولا عن شخص بعينه ولكنني أكتب لكم عن معظم أعمالنا الدرامية، وليس كلها وإلا أصبح التعميم ظلما لمن أجاد وأتقن.

فيلم (ألفا)

وللمقارنة فقط أظن أن معظمنا يعرف أن السينما الأمريكية عندما أنتجت فيلم (ألفا) الذي تدور أحداثه قبل عشرين ألف سنة عن زعيم قبيلة يذهب ومعه ابنه الشاب اليافع ومعهم مجموعة من الصيادين من رجال القبيلة الأشداء للصيد، ويمرون بصراع رهيب بينهم وبين مجموعة من الثيران الوحشية، وظن الزعيم أنه ابنه قد مات، فعاد ومعه رجاله إلى قبيلته، في الوقت الذي كان فيه الابن يصارع من أجل البقاء، وبالفعل كتبت له إرادته النجاة وأثناء ذلك كانت قد قامت صداقة بينه وبين ذئب ظل معه إلى أن عاد إلى القبيلة مثخنا بالجراح، هذا الفيلم يصور فترة موغلة في القدم فكان لا بد أن يقوم صناع الفيلم باللجوء إلى عالمة لغويات لابتكار لغة أو توليد لغة من اللغات القديمة وتعليمها لأبطال الفيلم كي يدور الحوار بينهم من خلالها، كانت هذه العالمة هى (كريستين شريير) الأستاذ المساعد في جامعة كولومبيا البريطانية، والمتخصصة في اللغات القديمة، وظلت تلك العالمة مع أبطال الفيلم طوال فترة التصوير حتى يكون الأداء اللغوي بينهم متناغما لافجوة فيه، رغم أنه كان من المتاح لصناع الفيلم جعل لغة الحوار هى الإنجليزية ولم يكن أحد سيلومهم على هذا، ولكنها الرغبة في الإتقان الشديد احتراما للمشاهد.

الرجل الحديدي

وللعلم نفس العالمة عملت من قبل مع فيلم (الرجل الحديدي) عام 2003 الذي تدور أحداثه حول شخصية (سوبرمان) البطل الخيالي الشهير، حيث عملت (شريير) على إنتاج لغة لأهل كوكب (كريبتون) الذي ينتمي إليه سوبرمان، والأكثر أنها جعلت تلك اللغة مكتوبة لأن بعض العبارات في الفيلم كان يجب أن تظهر كتابة بلغة (كريبتون).

أفاتار

نفس الأمر تكرر في العديد من الأفلام، وانظروا على سبيل المثال للفيلم الأمريكي (أفاتار) الذي نال شهرة كبيرة، وقد يتعجب بعضنا عندما يعلم أن الإعداد لهذا الفيلم بدأ منذ عام 1994 وظلوا يعملون على قدم وساق على إعداد السيناريو، ويجرون تغييرات، ويضيفون، ويحذفون، إلى أن ظهر الفيلم عام 2009، ولن أكلمكم عن كل تفاصيل الإتقان المذهلة، ولكن يكفيني فقط  أن أشير إلى اللغة التي تكلم بها أهل كوكب باندورا، وقد أصبح يشار إليها بلغة (النأفي) وقد ابتكرها لهم عالم اللغويات الأميركي بول فرومر الأستاذ في جامعة كاليفورنيا، مع أن الأمر لن يفرق كثيرا عند معظم المشاهدين عندما نسمع أهل هذه الكوكب وهم يقولون: (كوكو موكو ماو ميمي تيتي فارهاو)، ولكن الرغبة في الإتقان والوصول إلى مرحلة قريبة من الكمال، وأقسم لكم أننا لو أردنا أن ننتج فيلما مصريا يتحدث فيه ناس غرباء عن كوكبنا بلغة غريبة لن تكون إلا لغة (كوكو موكو ماو ميمي تيتي فارهاو) وسننبهر نحن بهذه اللغة، أو سيتحدث المخلوق الفضائي باللغة العربية الفصحى قائلا: (عجبا لكم أيها المصريون نأتي إليكم من كوكبنا في طبق طائر فإذا بكم تصنعون كوبريا يصل إلى كوكبنا).

النمر الأسود

وعندما أرادت السينما المصرية من الفنان للراحل أحمد ذكي – رحمه الله – أن يذهب إلى ألمانيا في فيلم (النمر الأسود) إذا بها تجعل الشعب الألماني يتكلم اللغة العربية، كل ما في الأمر أن (هيلجا) كانت تتكلم العربية بلهجة مكسورة، واستمعنا إلى كلمات (يا خبيب روهي) و (أنا بهبك) من الحب وليس من الهباب، وبذلك نكون قد استمتعنا بلغة ألمانية جديدة، ومن باب الإتقان قال لنا صُنَّاع الفيلم أن أحمد ذكي تدرب على الملاكمة ليكون للفيلم مصداقية، وكأننا نشاهد سيلفستر ستالوني في فيلم (روكي) مع أن أداء أحمد ذكي في الملاكمة كان أسوء من أداء الملاكمين المصريين الذين خرجوا من التصفيات الأولى للأوليمباد، ولكن الدنيا أرزاق، أصبح أحمد ذكي في الفيلم بطلا كبيرا!! .

ولاد العم

ومن دواعي فخرنا أننا جعلنا الإسرائيليين يتركون لغتهم العبرية، ويرفضون الكلام بها، ويتكلمون اللغة العربية باللهجة المصرية من باب تكريم الفيلم المصري!! نجد ذلك في فيلم (ولاد العم) ورغم حبي الشخصي لهذا الفيلم وأبطاله، وتقديري الكبير لفنان ارتفع نجمه بحق هو كريم عبد العزيز، وكذلك النجم المتمكن شريف منير، إلا أن لغتنا الجميلة كانت هى اللغة الرئيسية التي يتكلم بها الأبطال مصريون وإسرائيليون رغم أن الأحداث تدور في تل أبيب بين إسرائيليين في بعض الأحيان، ومنى ذكي وكريم عبد العزيز في بعض الأحيان، أو بين مصريين وإسرائيليين، وسنصاب بالفرح ونحن نرى لغتنا العربية تنتصر على العبرية في فيلم (48 ساعة في إسرائيل) لنادية الجندي، فنرى الإسرائيليين وهم يكلمون أنفسهم بلهجتنا المصرية، ونرى مدام (ماريانا) وهى تتكلم اليونانية فتقول لنادية الجندي في التليفون: (لا يا خبيبي أنا آسف كتير ناصر مش موجود، لا لا مش صخيخ ناصر إيجي كمان شوية !!)، وبذلك ينبغي أن نفهم أن ماريانا كانت تتكلم اليونانية !.

رأفت الهجان
دموع في عيون وقحة

لا مانع من ذلك ما دام أن المسلسل المصري الرائع الذي أحببناه جميعا (رأفت الهجان) للفنان المحبوب محمود عبد العزيز رحمه الله، والمبدع الحقيقي يوسف شعبان عليه رحمات الله، كانت لغته المستخدمة في إسرائيل هى العربية بلهجتنا المصرية، ونفس الأمر بالنسبة لمسلسل (دموع في عيون وقحة) للفنان عادل إمام، وكأننا انتصرنا عليهم لغويا فارتفع شأن لغتنا عندهم وانقرضت لغتهم.

أصدقك القول أيها القارىء الذكي، أنني لو أردت أن أكتب عن الإتقان في الدراما الغربية ما وسعتني مجلدات ولكن نعود إلى خيبتنا، نعود إلى ديارنا وإلى أفلامنا لنقارن ونتحسر، ثم نكتب عن العجز عن إنتاج الفكرة، والعجز عن تنفيذها، ولكي نكون على الحياد يجب أن نجرد أنفسنا من شهرة بعض الكتاب أو إعجابنا بهم، فمشاعر الإعجاب تعمي العيون، ولا تقف أمام الأسماء الكبيرة كثيرا، نعم تعرفون أنني كتبتُ من قبل إن بعض الكبار كانوا كبارا بشكل حقيقي، منهم (نجيب محفوظ وطه حسين ويحيى حقي وتوفيق الحكيم) على سبيل المثال، ولكن ليس من اللائق أن نطلق على من نال شهرة ما أنه كان كبيرا.

ولنا عودة مع بعض الذين قالوا لنا إنهم كبار لنعرف كيف جنى كثيرٌ من المؤلفين والمخرجين على السينما والدراما بكافة أشكالها وما جنت هى على أحد، بل كانت باب الرزق والشهرة لهم، وكيف رضي هؤلاء بجهلهم ورضي جهلهم عنهم على رأي العميد طه حسين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.