رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

(مهرجانات التمور والحشيش)

بقلم : محمد شمروخ

بدون الدخول في تفاصيل ما حدث ويحدث وسيحدث من فاعليات ثقافية وفنية على أراضى المملكة العربية السعودبة، دعونى أطرح رؤية سوف تستفز كثيرا من الناس لاسيما المثقفين، فلعل الذي يتبادر إلى الأذهان أن الفنون من شأنها أن تقف في وجه التطرف أو تعمل على مقاومة الإرهاب، باعتبار الفن يقدم للمجتمع رسالة سامية، بينما الإرهاب لا يمكن أن يجتمع مع سامية مهما كانت الظروف!

كذلك الأمر عندما ظن البعض أن نشر الثقافة بمجالاتها المختلفة يعطى النتيجة نفسها التى كانت مرجوة من الفن، باعتبار الثقافة والفن صنوان لا يفترقان ويعملان معا على مواجهة (التوأمين الغلسين) التطرف والإرهاب!

لذلك يرى البعض – إن لم يكن المعظم – أن المملكة العربية السعودية خصوصا ودول الخليج العربي عموما، قد خطت خطوة واسعة في سبيل القضاء على التطرف ومقاومة الأفكار الإرهابية.

هذا ما يفهمه البعض وهم ينفخون صدورهم وينفرون أوداجهم في ثقة، من أن الثقافة والفنون لا يجتمعان مع التطرف والإرهاب.

وتراهم في زعمهم يقدمون ذلك كأنه قانون طبيعي تؤيده الملاحظة والتجربة أو كالمعادلة الرياضية القائمة على البديهيات!

وهل هناك خلاف في ذلك؟!

أى نعم هناك خلاف وخلاف وخلاف.

أما الخلاف الأول فهو أن التطرف والإرهاب حتى الآن لم يجد السادة الدارسون في العلوم الاجتماعية تعريفا لهما أو تحديدا لمدلولاتهما الفكرية، فكيف يمكن التصدى لمن لا يعرف أو يحدد؟!

أما الخلاف الثانى فهو التجاهل بأن داعمى كلا من التطرف أو الإرهاب، كانوا أصحاب رؤى ثقافية موجهه ولا يمكن صياغة منظومات متطرفة إلا من خلال دارسين للأفكار ومتخصصين في العلوم والفنون والآداب وتذكر الناقد والأديب سيد قطب، الذي بشر بمولد روائي كبير اسمه نجيب محفوظ! فمن نطلق عليهم وسم إرهابيين، هم في الأساس تلاميذ في مدارس منظمة وأتباع لمذاهب محكمة يتم فيها تلقين الأفكار بطرق معينة بواسطة منظرين أو دعاة أو مدربين ذوى خلفيات ثقافية وأصحاب أساليب تربوية، قادرة على التصدى لأي أفكار وثقافات مغايرة ومقاومتها بشراسة!.

والخلاف الثالث: هو أن الإرهاب نفسه يتلبس بملابس ثقافية لنشر أفكار معينة، بل يؤى نفسه وسيلة لتطبيق هذه هذه الأفكار (يمكنك أن تتذكر وسائل نشر الماركسية في دول العالم).

ولكن الذي يجعل البعض لا يرى هذه الخلافات، هو أنه يصر على مواجهتها في غير ميادينها، فهو يصر على أن الإرهابي هو ذلك الشخص الذي يمسك بالبندقية أو القنبلة أو يتمنطق بحزام ناسف أو يضع سواكا في جيب جلبابة الأبيض!

وكذلك أن المتطرف هو الشيخ الزاعق على المنبر أو في الصارخ في سماعات الكاسيتات أو (المسهوك) على منصات التواصل الاجتماعى أو تمثل في سيدة منتقبة تظهر على شاشة قناة فضائية أو تنظر بحدة لخصلة شعر أفلتت من رأس فتاة محجبة في عربة السيدات بالمترو!

لكن في الحقيقة تلكم نظرة قاصرة مصدرها عين مصابة بالتعامى الإرادى أو على الأقل الاحولال العمدى، ذلك لأن هذا وذاك وتلك، هم في الحقيقية نتاج للنجاح في نشر ثقافات للأفكار الأخرى التى انتشرت على مرأى ومسمع من الجميع بمن فيهم (شعراء وأدباء وروائيون وسيناريست ومخرجون وريجيسيرات ومهندسو صوت وإضاءة).

أسمعك تقوك الموجة الوهابية التى غزت مصر في السبعينات وما بعدها.. أنت إذن تصر بل وفي غاية الإصرار على حصر التطرف والإرهاب في المنطقة العربية دون بقية العالم وأن التطرف لا ينمو إلا في بيئة عربية إسلامية!

فيا سيدى: إن داعمى التطرف الذي أدى لنشوب الحروب من العصور القديمة والحديثة والمعاصرة وحتى القرن العشرين الذي شهد وقوع أكبر حروب في تاريخ الإنسانية، بل وكاد يفنى بسببها العالم في أكثر من مواجهة محتملة بالسلاح النووى، كانوا من العلماء والفلاسفة والشعراء والأدباء.

ثم إنه من قال لك إن الفنون لا تكون وسيلة لنشر ثقافات متطرفة حتى لو كانت حجتها مقاومة التطرف؟!

هل تسمع عن فيلسوف ألمانى كبير اسمه (لايبنتس)؟، نعم هو فيلسوف له إسهاماته الكبرى في تاريخ الفلسفة الحديثة، ولكنك ستكتشف أنه متطرف كاره وكان داعية حرب حتى أنه عرض مشروع غزو مصر على لويس الرابع عشر ملك فرنسا للقضاء على (المحمديين) والسيطرة على تجارة العالم، لاسيما إذا تم حفر قناة تربط بين البحرين الأبيض والأحمر.

حدثنى إذن عن جون لوك ودعوته للسيطرة على مقدرات العالم بمعرفة الرجل الأبيض!

هل قرأت عن نيتشة .. أعجبك إذن؟!.. إذن فاقرأ له ولا تقرأ عنه، لترى مدى عنصريته البغيضة ودعوته للإبادة الجماعية لبعض الفئات الضعيفة لأنه لا يعترف سوى بالقوة حتى أنه أفكاره تمت بلورتها في النازية.. وما أدراك ما النازية؟!

أظن أن ترجمة أعمال نيتشة قد يراها البعض نوعا من التنوير والانفتاح على ثقافة (الآخر).. رائع يا صديقي.. ترجم وانشر واقرأ كما تشاء لكن إياك من الانبهار، فهذا الانبهار كان أول سبل التعمية والتعمية طريق التطرف والتطرف يفضى إلى الإرهاب.

لن أخبرك ولكن تأكد بنفسك من مواقف بعض الشعراء العالميين من الأسماء (اللي تخض) وهم يدعون لمحق الشعوب السوداء.

ثم تعال هنا.. ألم تبرر السينما الأمريكية سحق ومحق وإبادة عشرات الملايين من سكان الأمريكتين وجزر المحيطات بحجة أنهم (همجيون وبرابرة)، وكنا نفرح لمشاهد حصد فرسان الهنود الحمر على شاشة السينما بواسطة المدافع الأمريكية لأن رعاة البقر البيض هم الأبطال الذين وعدهم إلههم بالأرض الجديدة وهم يحققون وعد الرب.

فلو شئنا الصراحة لقلنا إن التطرف والإرهاب طالما جعلا من الفنون والثقافة مطايا لتحققيق أغراضهما وراجع حادث اغتيال المفكر الماركسي الشهير (تروتسكي).

وكن صريحا هنا أكثر واعترف بأن ثقافة النقاب بدأت في كليات القمة في الجامعات والمعاهد العليا في القاهرة وعواصم المحافظات، قبل أن يظهر في المناطق الريفية والأحياء الشعبية والعشوائيات التى حذت حذو ما ظهر في طبقة المثقفين في كليات القمة!

انظر إلى قيادات الإخوان والجماعات الإسلامية، من أين بدؤا وكيف نشروا دعاوهم، بينما فشل السادة المتحررون من أتباع الماركسية والوجودية والليبرالية في التصدى لهم ثم رأينا كثيرا منهم يتحالفون معهم ويلطقون عليهم (رفقاء الميدان).

ستقول إن الدولة تواطأت معهم.. أي نعم تواطأت.. لكن المشكلة مازالت قائمة يا صديقي الخائب، فما الذي جعل الدولة تتجاهلك – يا واد أنت يا مثقف يا متنور يا بتاع ماركس وسارتر- وتضع يدها في يد (المتطرفين).

أما عن الفنون فسوف أختم بأن أضرب لك مثلا بإيران (شيطان الخليج العربي)، وهى في نظر الغرب ونظر الخليج ونظر المثقفين بل ونظرى أنا (علشان ترتاح) مجتمع مغلق متشدد متطرف، ففى زيارة من سنة تنقلت فيها بين العديد من المدن الإيرانية بصحبة وفد من الصحفيين المصريين، فوجئنا – أى والنعمة فوجئنا – بكثرة الشباب الإيرانيين الذين يقفون يعزفون على الكمان في الشوارع والمتنزهات مقطوعات موسيقية.

ذات مساء بعد صلاة العشاء، دعيت إلى أمسية دينية في مسجد، فوجدت رجلا يجلس على مقعد يعزف على الكمان (ولا حتى المرحوم أحمد الحفناوى) وهو يقف وراء الست قبل أن تشدو في الأطلال:

(وانتبهنا بعدما زال الرحيق وأفقنا ليتنا لا نفيق).. (يعنى الموسيقى في مجتمع متطرف وكمان في الجوامع أهى!!).

وعودة إلى مهرجانات السعودية سواء مهرجان جدة أو مهرجان التمور والحليب (خمرة وحشيش سابقا)، فما يحدث هناك لا يمكن اعتبتره مواجهة للتطرف إنما هو انكشاف لبطن مجتمع ظل مكبوتا لأسباب قبلية وليست دينية، فقد سمعنا أصوات لمطربين من السعودية سجلوا أسماءهم بحروف من نور في سجل الموسيقى العربية، منهم على سبيل المثال لا الحصر وبلا حاجة لألقاب لأن قيمهم الفنية أكبر من الألقاب: محمد عبده وعبد المجيد عبد الله وطلال مداح والقائمة تمتد وتشمل أسماء مطربات، أما إذا تعديت السعودية إلى بقية دول الخليج فحدث ولا حرج بما فوق الحصر عن أجمل وأنقى الأصوات العربية ما بين راحل ومعتزل وباق، غنوا وطربوا وأطربوا في عز الفترة الوهابية المنصرمة!

ففضك من قصة مواجهة التطرف والتصدى للوهابية.. لأن الست وهابية تعيش أنت هى والست سامية من زماااان.. لكن ربك وحده العالم بما يمكن أن يكون بديلا عنها.

سترك يا كريم!.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.