رئيس مجلس الادارة : محمد حبوشة
رئيس التحرير : أحمد السماحي

أحمد زاهر يقدم درسا عمليا في مساوئ (الترند) في حكاية (كدبة كبيرة)

كتب : محمد حبوشة

على الرغم من ضعف مستوى السيناريو والحوار في بعض منها إلا أن حكايات (ورا كل باب) بدون شك صنعت حالة خاصة جدا بالجمع بين تحقيق نسب مشاهدة عالية وتقديم محتوى هادف يناقش قضايا اجتماعية معاصرة، وذلك فى حكايات الموسم الأول، لكنها فى الموسم الجديد بدأت بشكل أقوى حيث يضيف صناع العمل لرصيد حكاياتهم حكاية جديدة باسم (كدبة كبيرة) من بطولة (أحمد زاهر، وهنادى مهنا، فتوح أحمد، محمد ناصر)، وتأليف إسلام حافظ، وإخراج سميح النقاش، وإنتاج شركة (سينرجى) والأحداث جاءت فى 5 حلقات، عن خبايا مواقع التواصل الاجتماعى، وكيف يسىء بعض الشباب من العاطلين عن العمل استغلالها لتحقيق شهرة فى وقت قصير لجنى مكاسب مادية خيالية من خلال الخروج عن الأعراف والتقاليد.

ومما لاشك فيه أنه قد باتت كثير من الانتقادات موجهة إلى جمهور السوشيال ميديا بأنه تحول إلى ناقد شرس، أو جلاد على الأعمال الدرامية نفسها، حيث تحول ذلك العالم الموازي إلى حلبة مصارعة ما بين صناع الدراما والمشاهدين كل منهم يحاول فرض قوته، ولكن في النهاية تظل سطوة المشاهد – متلقي السلعة – أكبر من مقدمها – صناع الدراما – كونه أهم عامل من عوامل استمرارها، فلا صناعة بدون المستفيد منها، ولكن بالفعل تحول جمهور السوشيال ميديا إلى جلاد على الأعمال الدرامية والنجوم، من خلال سيل من (البوستات) التي تغزو مواقع التواصل الاجتماعي، فور عرض المسلسل، ما بين مدح وذم وتسليط الضوء على أخطاء إخراجية، وعدم منطقية بعض الأحداث، وأداء الفنانين وغيرها من الأمور التي تحدث ضجيجا عاليا على السوشيال ميديا خاصة في السباق الرمضاني الأكثر شدة في التنافس بين الأعمال الدرامية المختلفة، ومع ذلك فقد أشادت مواقع التواصل الاجتماعي نفسها بحكاية (كدبة كبيرة) الذي صب جل غضبه على من يسعون للترند كوسيلة للتشهير أو كسب العيش.

مشهد رومانسي يعكس جمال الطبيعة الريفية البسيطة

قدم الفنان المبدع أحمد زاهر بطل (كدبة كبيرة) خلال الأحداث شخصية (يحيى أبوالمجد) وهى صعبة ومعقدة لأنه يقدم دور ممثل، ويصر على لعب الدور بشكل مختلف بعيد عن شخصيته الحقيقة كممثل، وقد نجح في ذلك عبر أداء سلسل وتقمص شخصية الممثل ببراعة تؤكد نضج موهبته، وبدا لي ولغيرى من المشاهدين بأنه تلبس روح الشخصية حتى نسينا أنه بالأساس ممثل، وتلك هى الاحترافية التي تحدث عنها (ستانسلافسكي) في كتابه (إعداد الممثل) فيما يتعلق بالواقع التخيلي للشخصية، فقد بدا على (زاهر) أنه لا يتخيل الأشياء دون أن يكون لك هدف وراء هذا التخيل كما أنه لم يجبر خياله أبدا في أي مشهد، بل كان يروضه طوال الوقت بحيث كانت كل حركة يقوم بها وكل كلمة ينطق بها هى للواقع المتخيل الذي تعيشه الشخصية .

ظهر تركيز الانتباه عند أحمد زاهر في أكثر من مشهد في (كدبة كبيرة) فهو على مايبدو شعر فجأة باقتراب الجمهور من القضية التي يطرحها المسلسل بشكل جاد وجريء من خلال سيناريو كتبه إسلام حافظ بحرفية وعناية  فائقة، وجاءت حركة كاميرا (سميح النقاش) بطريقة انسيابية أزالت لحظات الانفعال والتشنج  التي لعبها (زاهر) بطريقة تثبت أن جميع الأفعال التي قام بها وحتى أبسطها في حياته اليومية كممثل أصبحت صعبة، وعندما تظهر خلف الأضواء وأمام الجمهور فإنه عليك تعلم كيف تمشي، تتحرك، تجلس، كيف نقوم بكل هذه الأشياء أمام الجمهور الذي يشاهدك على الشاشة، ستعيش لحظاتك بين الأشياء المادية التي تمثل الواقع المادي للشخصية المتخيلة وبين إحساسك الداخلي للشخصية، لذا عليك تجاهل الجمهور تماما، إلى أن تصبح متمرسا تتلاعب بالجمهور وفقا هارمونية الأداء التي تخلقها بتوازن أداءك.

صحيح أن طبيعة الدور تفرض على (أحمد زاهر) حالة من التوتر النفسي التي جاء جراء إحساس بالغبن من تصرفات زملائه المشينة وتفاعل الجمهور مع قضية ملفقة، وعادة ما يرافق تلك الحالة توتر عضلي إما في كامل الجسم أو في أجزاء منه، وأكثر الأجزاء شيوعا في إظهار التوتر هى: الأيدي المتجمدة ، الأقدام ، الجبين، التنفس  فيبدأ الصوت بالتهدج أو يضيع تماما، وتبدو الحركة ثقيلة وغير متناسقة، ويصاب الجهاز الفكري لدى الإنسان عندئذ بالشلل فيتوقف عن التفكير ويضطرب،  لكنه كان يقوم بتوزيع ملائم لطاقته العضلية، فقد لاحظت أنه يقوم بالضغط على أعصابه في لحظات التهييج والاستثارة، ويبدو أنه على قدر من الفهم الشديد لتعليمات (ستانسلافسكي) التي يقول فيها: من الضروري في اللحظات ذات الأهمية الكبيرة أن يحرروا عضلاتهم من التوتر تحريرا تاما.

لعب (زاهر) طوال الحلقات الخمسة على الهدف الأساسي من عرض القضية التي أصبحت (كدبة كبيرة) في حياتنا المعاصرة، وهو ما جعله يمنح نفسه الإيمان بحقه في الدفاع عن نفسه وعدم البقاء في خانة التخاذل وعدم المواجهة، بعد عاش فترة من الذهول والاضطراب الذي صاحب الشائعات التي نالت من شخصيته أمام جمهور أحبه وتفاعل معه، لكنه سرعان ما تعلم كيف يختار الأهداف الصحيحة للشخصية التي يلعبها و تجنب الأهداف غير المجدية، بل وتفادي الأهداف الضارة منها التي ستقضي على الشخصية، عندما قام بتقسيم الهدف لعدة وحدات حتى يتثنى لك فهم تحركات الشخصية ومن ثم قرر المواجهة بالظهور على الشاشة.

إن صدق الأداء لشخصية (ممثل) قام بها الممثل (أحمد زاهر) هو كل ما يمكن أن نؤمن به إيمانا حقيقيا من أفعال أو أقوال صدرت من جانبه في لعب شخصية (يحيى أبو المجد)، والذي أكد لنا أن الصدق والإيمان لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، وإن كل ما يحدث على الشاشة يجب أن يكون مقنعا لك قبل أن تقنع به زملائك والجمهور، حيث يولد الإيمان بأن كل ما تعانيه من انفعالات ومشاعر يمكن أن يتحقق نظيره في الحياة الواقعية، ويجب أن تكون كل لحظة مشبعة بالإيمان والصدق والعاطفة، فالصدق عدوى تنتقل إلى الجمهور .

ولعل أبرز ما ظهر على أداء (زاهر) هو فكرة استيعابه لما يسمي بالذاكرة الانفعالية تلك التي أثبتت قدرته على استعادة شعور انفعالي لموقف معين، والفرق كبير بين أن يعيش الإنسان الشعور الانفعالي لأول مرة وبين أن يستعيد ذلك الشعور، ففي المرة الأولى يكون الشعور حارا وصادقا، أما عندما يستعيده فيكون خفيفا وذلك لأن الانفعال تخف حدته مع مرور الزمن  وإلا ظل من يعاني من الموقف، لذا عليك  – عند استعادة  ذاكرتك الانفعالية – يجب أن تبعث بها تلك الحرارة التي شعرت بها لأول مرة، وهو ما هيئ لزاهر بالضرورة عملية الاتصال الوجداني القائمة على الاتصال المتبادل بين شخصيات حكايته (كدبة كبيرة).

هنادي مهنى قدمت أداء رومانسيا جميلا

التكيف هو الملمح الرئيسي والواضح في أداء (أحمد زاهر) خاصة في مشاهده الرومانسية مع (هنادي مهنى) التي أثبتت قدرة عالية جدا على تجسيد شخصية الفتاة الحالمة والمخلصة لحب ابن عمها رغم تقلبات الأحداث والوقائع التي كانت دائما تحول عن أن يجمعهما عش الزوجية، ولعل الوسائل الإنسانية الداخلية والخارجية التي استخدمتها (هنادي) للتوفيق بينها وبين (يحيى) لإقامة علاقة حب متينة تؤكد على مقدار الحب الكبير الذي يسكنها وهو ما كان بمثابة العامل مساعد لتحقيق هدفها الرئيسي، وهذا بالتأكيد نابع من ذكاء الموهبة التي تسكن هذه الممثلة الصاعدة التي عرفت كيف تبرز خصائصها الذاتية التي تتميز بها، واستطاعت أن تغير في الظروف والبيئة ومكان الفعل وزمانه الذي أدى في النهاية إلى التكيف المناسب، وكل شعور عبرت عنه جاء بشكل غير محسوس من أشكال التكيف خاصا بذلك الشعور الذي يعتريها وحدها.

فتوح أحمد قدم دور الأب الحاني على كل أهله
أداء محمد ناصر اتسم بالعصبية والانفعال لكنه جاء مناسبا للحالة العامة للمسلسل

بعد التحية والتقدير لكل من (أحمد زاهر، هنادي مهنى، فتوح أحمد، محمد ناصر) ومن قبلهما المؤلف (إسلام حافظ) والمخرج المبدع (سميح النقاش) يبقى لي أن أقف أمام المشهد الأخير في المسلسل والذي يمثل (ماستر سين) العمل، حيث جاء بأداء متزن ويتسم بالحكمة وبلغة غير خطابية ومونودراما راقية تؤكد براعة (زاهر) والمؤلف معا، كما جاء على النحو التالي:

يجلس (يحيى أبو المجد) أمام المذيعة (هبة الأباصيري) في برنامج (حقيقة الأمر) ليزيل كل آثار اللبس الذي ظهرت من خلال الشائعات التي تعرض لها خلال الفترة الماضية، ليقدم لنا كمشاهدين درسا في مساوئ التشهير وركوب الترند على صفحات التواصل الاجتماعي حيث بدأ حديثه قائلا:

أنا جاي النهادرة أقول كلام مهم جدا

أنا جاي النهاردة أقول كلام مهم جدا للناس .. الناس اللي حبوني وحبوا شغلي واللي ما حبونيش على راسي من فوق .. بس ياريت يسمعوا الكلام ده كويس .. أرجوكم أرجوكم ما تصدقوش أي حاجة تسمعوها .. أو حتى تشوفوها .. لأنها ممكن تكون متفبركة .. ممكن ما تبقاش حقيقية .. أرجوكم فكروا .. فكروا كويس قبل ما تصدقوا أي حاجة .. قبل ما تجرحوا وتوجعوا.

الناس اللي بتشير وتجرح وتوجع .. ما تحطوا نفسكم مكانا

يتهيأ يحيى لتقديم رسالته الهادفة من المسلسل قائلا : السوشيال ميديا زي مافيها الحقيقة فيها الكدب .. وللأسف الكدب أكبر بكتير جدا .. السوشيال ميديا زي ما ممكن تنفع قوي ممكن تضر قوي قوي .. الناس اللي بتشير وتجرح وتوجع : ما تحطوا نفسكم مكانا .. لو انتوا في المكان ده حتحسوا بإيه؟ .. لو واحد جاله تعليق سخيف أو إشاعة سخيفة ممكن يعمل إيه .. على فكرة مش شرط إن عشان فنان أو إعلامي أو حد مشهور إنها تبقى قضية رأي عام .. لأ .. ممكن أي حد : مهندس، دكتور، محامي، مدرس تاجر .. ممكن إشاعة صغير قد كده – يشير بإصبعه – تطلع عليه تكبر وتبقى قضية رأي عام ويتهزم وهوه معملش أي حاجة

ممكن إشاعة صغيرة كده تطلع عليه ممكن تكبر وتبقى قضية

واستطرد يحيى أبو المجد في رسائله القوية قائلا: مش شرط يكون فنان .. البني آدم اللي بيخش على صفحة فنان ويكتبله تعليق سخيف حط نفسك مكانه .. حتحس بإيه .. حط نفسك مكان أهلك لما يقروا الكلام ده عنك .. حيتوجعوا قد إيه .. ياعم لو مش حابب الفنان ده اعمل بصباعك كده .. كده بس .. عديه متشفهوش إعمله (unfolw) .. متبعوش أساسا .. لكن ليه تفكر توجعه وتجرحه .. ليه؟ .. مش عاجبك سيبه منه.

أرجوكم .. أرجوكم متصدقوش أي حاجة تسموها أو حتى تشوفها لأانها ممكن تكون متفبركة
لو مش حابب الفنان ده اعمل بصبعك كده

ثم توجه إلى هبة الأباصيري قائلا: الفنان الحقيقي يا أستاذة هبة .. الفنان الحقيقي عمره ما يكدب ولا يدلس .. الفنان الحقيقي مش هو اللي يجري ورا الفلوس والشهرة .. بالعكس بيجري ورا الفن اللي بجد .. بيجري ورا حاجة مهمة يقدمها للناس .. الفنان الحقيقي عبارة عن كتلة من المشاعر الصادقة والحقيقية .. وبعدين الفن المصري بخير يا أستاذة هبة .. الفن المصري بخير بجد .. فيه شباب مبشر حيبقوا نجوم المستقبل، وفيه نجومنا الكبار اللي احنا بنتعلم منهم لحد النهارده .. ربنا يديهم الصحة ويخليهم لنا يارب.

هكذا أنهى المشهد الرائع الذي جاء بأسلوب المونوداما في صورة صادقة تعكس جوهر الفنان الحقيقي عند زاهر، خاصة إذا كان ممثل في الحقيقة يعبر عن معاناة ممثل في الخيال الذي يعكس الواقع الذي نعيشه حاليا جراء أفعال السوشيال ميديا الشيطانية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.